هنالك في الحياة الاجتماعية مزحة اعتاد الكثيرون على ترديدها تتلخص في ان الشاب هو الذي يتكلم قبل الخطوبة وتسمعه الفتاة ويحدث العكس بعد الخطوبة حيث تاًخذ الفتاة زمام الحديث ويسمعها الشاب وهي تستعرض احلامها التي تتمنى ان تتحول الى حقائق ملموسة في حياتها العائلية مستقبلا ولكن الذي يحدث بعد الزواج هو ان الشاب والفتاة يتكلمان في ان واحد ويسمعهم الجيران. اتذكر فتاة - ربما اصبحت الان سيدة - كانت تعمل موظفة في الجامعة التي كنت أعمل فيها وكانت مرحة وطيبة حقا فصادف في احد الايام ان شاهدت احد الطلاب يجلس مع زميلته في حديقة الكلية وكان الطالب منهمكا في الحديث الهادئ الى زميلته وعندما إقتربت تلك الموظفة منهم قالت للفتاة التي كانت تستمع الى زميلها ( لاتصدكين والله كله جذب ). لقد خطر في الذاكرة كل هذا وانا أتابع سباق الانتخابات العراقية وقد وصل الى ذروته حيث يتبارى المرشحون في تقديم وعودهم العسلية في أن بامكان اي منهم ان يحول العراق الى فردوس على الارض بمجرد ان يمنحه الناخبون ثقتهم ويفوز في الانتخابات
ان الكيانات السياسية العراقية المشاركة في الانتخابات وبسبب افتقار معظمها الى القاعدة الشعبية كونها وليدة ضرورة الحملة الانتخابية او ارتباطها باطراف اجنبية او نشوئها خارج العراق وكون قياداتها المهمة من العراقيين الذين امضوا جل حياتهم في الخارج. كل هذه الاسباب مجتمعة تجعل من هذه الكيانات خارقة لقواعد العرف الاجتماعي في ضرورة المرور بالمراحل والاطوار التي ذكرناها انفا وهي قبل وبعد الخطوبة ثم الزواج ولذالك فان هذه الكيانات قد تقدمت للخطبة ظهرا وتود ان يتم الزواج مساء ( ومبارك عرسك هاالليلة ) كما تقول ال إ هزوجة المشهورة
ان العقلانية والواقعية السياسية هي من أشد متطلبات وضرورات بناء العراق الجديد الذي يهدف الجميع اليه فالجميع يعلم ان المأسي والكوارث والحروب التي المت بالعراق والظروف التي يعاني منها الان هي بالدرجة الاساس نتيجة طبيعية للخطاب السياسي الغير العقلاني والسياسة الغير الواقعية التي كان يتبعها النظام السابق حيث كل القرارات الخطيرة التي كانت تبنى على النظر الى حركة الواقع السياسي استنادا الى تلك الرؤية الساذجة في أن واحد زايد واحد يساوي اثنين. وإلا كيف نفهم خروج راًس النظام السابق ع ل ى التلفاز وهو يعاتب علنا الولايات المتحدة لانها لم تلجاً الى قيم الرجولة والشهامة في حربها على العراق لان الامريكان استخدموا قدرتهم التقنية ولم يحاربوا رجلا مقابل رجل ! وكاًن الحرب هي بطولة للمصارعة كتلك التي كانت تحدث ايام عدنان القيسي. واليوم يتكرر المشهد نفسه حيث يستقبل المواطن العراقي المسكين سيلا من الوعود الصاروخية تأتيه من كل حدب وصوب من مختلف التيارات والكيانات السياسية التي إجتهدت في ان تجد لنفسها اسماء رنانة وكان الاجدر بها ان تختار اسماء متواضعة كأن تسمي نفسها مثلا كتلة الكهرباء او كتلة المياه او كتلة البنزين والنفط والغاز
ان الانسان ليصاب بالسخرية من اؤلئك الذين يوعدون العراقيين بالتحرير وخروج القوات في حال فوزهم بالانتخابات وكأن قرار انسحاب القوات المتعددة الجنسيات بانتظار توقيعهم عليه او أن السذاجة قد بلغت بالولايات المتحدة حدا يجعل احد العراقيين يأتي بها الى العراق متى شاء ليخرجها زميله متى قرر ذالك. ولعل الاخطر في تلك الوعود تلك التي تقوم على اساس ضم مدن جديدة الى اقليم معين او الدعوة الى توزيع الثروات استنادا الى منطقة تواجدها او التحدث بقوة والتهديد بالانفصال لكسب ود جماعات معينة
من حق اي مرشح للانتخابات ان يستخدم كل الاوراق المتوفرة لديه لكسب الناخب وقد يبرر البعض من المرشحين لجوئه الى الاوراق الخطرة في معركة انتخابية تفتقر الى أدنى شروط التكافؤ حيث رئيس الحكومة المؤقتة قد اختار الاسابيع الاخيرة قبل الانتخابات ليعلن فيها عن كل مكرماته المادية والتي يعتقد هذا البعض انها تؤثر تأثيرا كبيرا على عملية الاقتراع. لكن ماينبغي الاشارة اليه ان جزءا مهما من هذه الكيانات التي تطرح تلك الاوراق الخطرة هي كيانات اساسية في العملية الانتخابية وتتمتع بامكانيات كبيرة بالشكل الذي يجعلها اقل الكيانات تضررا بانعدام التكافؤ
ان الانتخابات ليست الهدف الاوحد لاي كيان سياسي يبغي الديمومة لأن الانتخابات عملية تتكرر بين فترة واخرى ويبقى بناء جسر من الثقة المتبادلة بين الكيان السياسي ومن يتوجه اليهم قائمة على مبادئ وسياسات واضحة علمية وواقعية بعيدة عن الاصطياد في المياه العكرة
هي الطريق الوحيد لتكوين كتلة سياسية حقيقية
ان سياسة الوعود الانتخابية تتضمن جانبا كبيرة من المخاطرة بالمستقبل السياسي الشخصي والحزبي لمن يطلق تلك الوعود وهاهو المثال الطازج الذي جاء اخيرا من اوكرانيا حيث تراجع الرئيس الاوكراني الجديد وبعد اقل من اسبوع على انتخابه من احد اهم وعوده اثناء الانتخابات وهو سحب القوات الاوكرانية من العراق
اذا كان الرئيس الوكراني قد احتاج ايام معدودة لكي يتراجع عن وعوده فان السياسي العراقي المعروف بالعجلة من امره سيتخلى عن وعوده على الارجح مع لحظة غلق صناديق الاقتراع وظهور االنتائج التخمينية الاولية

[email protected]