يحلو الخوض في خضم الحاليات اللبنانية وتجاذباتها بين المُعارض والمُوالي. وطن صغير إذا ما قيس بغيره من الأوطان في العالم، ولكن كبير بنوعيته وفرادته التعددية. من قال إن شعبنا ليس متفوقا؟
في العمالة نجد أوائل وفي الخيانة والارتهان كذلك، حتى في سباق هذا السياق الانبطاحي هم أوائل.
ولكن كي لا نكون مُجحفين بحق الأوفياء والأُمناء نفخر ببقية باقية لم تسجد للصنم المتحرك في بقاع أرضنا ولسائقي البُعران.
بعد الدعوة التي لها نُذِرنا بَطُل الركوع لغير الله وانعدم الولاء لغير أرز على جبل ولا أشمخ!
مرَّت علينا القوافل من قبل وكان مصيرها الاندحار والجحافل هذه أيضا تلاقي نفس المصير، لا بقوتنا تمَّ قرار الجلاء والانسحاب ولكن بفضل أرواح قديسي لبنان وأبطاله الميامين وشهدائه البررة.
نحن قادمون على مرحلة حاسمة من تاريخنا والمفصل دقيق وحَرِج، إنما ليس بغريب علينا ما يَحِل وما يطرأ.
مرة تلو المرَّة بُلينا وكانت يد المشيئة الكبرى في غموض الضباب ترشق الأشعة المذهبة لتنير السبيل للهادين وللمهتدين.
ماذا ترانا نقول في ماجريات الأوضاع عندنا والبلد يغلي كالمرجل فوق نار التغيير والتبديل والضم والانشطار؟
هل للإلفة والتفاهم والوفاق نصيب بعد التجاريب التي حرقتنا جميعا أم ما زال التعنُّت وشدُّ الحبال والمُحاصصة أسياد اللعبة العنيفة التي زجَّتنا في هذا الياتون المُكلَّس؟ هل ننتظر لنرى أم نحذر قبل بلوغ الاستحقاق والضربات الساخنة؟ شخصياً لست متفائلا لأن للماضي صفحات تتمخطر على ساحة الحاضر رقص الكفر فيها وانطرب.
لم ولن أرى مستقبلا لبلادي زاهراً طالما لم تتحدَّد الأُسس التي عليها ترتكز ثوابت الشعب وقواعد الوطن.
كلنا يعرف أن الأعراف والقوانين القديمة سقطت لأن الخلل المُزعزع في الأصل كان. لم يُستأصل المرض بل عُولِج بالمُسَكِّنات، والى الآن في الدوَّامة نحن وأخشى من تشنُّح وخلاف على العلاقات والهوية والمسارات والتجنيس والنظام الطائفي وأموال مهدورة للأوقاف والموظفين الشركات الوهمية ووو.
كيف يجلس ما أخذ طعجات على الاعوجاج؟ صعبٌ جدَّاً هذا الأمر لا سيما على البطَّالين والمأجورين وأصحاب الرؤوس الفارغة وعديمي الكفاءات. يوم يصبح للعباقرة والنوابغ والمثقفين والرياديين مكان في بلدنا يلمع للأمل أضواء وتلوح له تباشير، أمَّا أن يبقى على ما هو فسلام عليه طِرْحٌ وهو جنين.
ماذا غيَّرت الحرب في ذهنيات أبناء لبنان وأية دروس دمغتهم؟ خجل وعيب أن يكونوا كما هم ولكن هؤلاء هم من الأول إلى الآخر. منهم عيونهم إلى الغرب ومنهم عيونهم إلى الشرق، والإثنان غُدِروا وشارفوا حدود الانتحار. إلى اليوم وأهلي في لبنان أغبياء يسكعون أمام الغرباء من الشرق ومن الغرب.
يستقوي هذا بهؤلاء والآخر بأُولئك. ندائي وأصرخه عالياً، أن اتفقوا أيها اللبنانيون مع بعضكم لأنكم بغير ذلك ستنقادون إلى شكل آخر من الحُكم الغريب القامع غصباً عنكم. قولوا حاشا أن تُعاد أسطورة الاحتلال والهيمنة فقد ولَّت إلى غير رجعة. نعم إن الأمور مرهونة بالتآخي والتصافي والاحترام لكل ماهيات ومكونات الكيان اللبناني الأصيل.
رؤيتي هي هذه ولن أغيِّر قناعة، فمنظاري يقرأ وقراءتي ترى، ونبوآتي تستجلي ما سينزل بكم إن لم تحاولوا بناء وطن مكين متين على مداميك العهود القاطعة والقسم الشريف. ستكونون في السبي الآخر في هجران عن شيمكم والقيم وشممكم والذمم. بيقين واليمين، أعد السماء بأغلى ما عندي، إذا اتفقتم سأحرق الأصابع العشر شموعا في سبيل هذا العيد الكبير.
مونتريال – كندا 29/1/2005