اليوم يتوجه الكثير من العراقيين داخل وخارج العراق إلى صناديق الإنتخابات (ليسقطوا) أصواتهم فيها بعد أن حرموا من هذه (النعمة) قرابة خمس وثلاثين عاما من الفترة الفاشية المريضة والمنحطة صعد على منصات الحكم فيها قوم أرذال من سقط المتاع بقيادة صدام حسين وولديه مستخدمين ثروة العراق لتدمير العراق وأقاموا الغرف الكونكريتية لخزن النقود وهي مرحلة متطورة ما بعد حفظ النقود في المخدات! وشيدوا للعراق المقابر وبيوت الأشباح.
تأتي فترة الإحتلال التي كان الكثيرون وربما أنا واحد منهم ينتظرون أن ينعم علينا الدهر بحال أحسن من الحال الأول فننعم بالإطمئنان ونزور قبور أهلنا الذين رحلوا ونحن بعيدون عنهم. فحدد لنا السيد بوش موعدا للإنتخاب بإعتباره مسؤولا عنا في كل شؤون حياتنا حسب شرعة الأمم المتحدة التي تفرضها على المحتل أن يوفر الأمان للبلد الذي يحتله ويوفر الخبز ويحافظ على الآثار والمخطوطات ولا يسرق ثروات البلاد (ولقد إلتزم المحتل بكل قوانين وشرعة الأمم المتحدة)!
العراقيون الذي (أسقطوا) أصواتهم في صناديق الأنتخاب توجهوا بدافع الفرح لأنهم عادوا مثلهم مثل الخلق في كل الدنيا يحق لهم الإنتخاب. وفرحوا فرحا شديدا.. وأنا في هذا الجانب لم أنتخب لأني معذور بسبب وجودي في بانكوك وعدم توفر مركز إنتخابي ولجنة الإنتخابات معذورة هي الأخرى إذ من غير المعقول أن ترسل لجنة إلى بانكوك من أجل صوت واحد! ولكني لو لم أكن في بانكوك وكنت في السويد مثلا لما ذهبت ( لإسقاط ) صوتي في صندوق من صناديق الإنتخاب ولوجدت سببا معقولا يحول دون مسيرتي مع الناس متوجها وسط الرايات الكردية والشيعية والشيوعية لأنني لا أجيد الهتاف، مع أن أحد الرفاق الشيوعيين سمعته في حديث مع قناة فضائية شيعية (وأنا شيعي) سمعته وهو يهتف في التلفون ليلقن أهالي مدينة الصدر (الثورة سابقا) هوسة يهزجون بها في يوم الإنتخاب وصار ليس فقط يلقيها بل يهزج بها وهذه الهوسة تقول ( ألمن أصيح الصوت يا بو سكينة) وبالتأكيد سيكون الصوت لقائمة (الإئتلاف).. لا يهمني أن غير الرفيق رأيه خلال اليومين الأخيرين للإنتخابات وأحس بأن النصيب سوف يكون لصالح قائمة الإئتلاف، ولكن ما يهمني أن أوضحه بأن موقفي من الإنتخاب لا يتعلق بكون الإنتخابات تحصل تحت حراب الإحتلال، فلو كان الأمر يتعلق بهذا السبب لكنت تحملت تذكرة الطائرة وذهبت إلى السويد و(أسقطت) صوتي هناك، ولكن بثقة كاملة وبوعي حق وحقيقي فإني ( شخصيا) أرفض ولا أحرض الإنتخاب لأن الناس (يسقطون) أصواتهم اليوم لإنتخاب الطوائف وليس لإنتخاب من يمثلهم. وهذه أخطر عملية إنتخابية. الناس عندما (تسقط) صوتها لصالح القائمة 169 أو كما يرمز إليها بالشمعة فإنهم (يسقطون) صوتهم لصالح تقسيم العراق إلى طوائف.. رقما يمثل الشيعة. رقما يمثل السنة. رقما يمثل الأكراد ورقما يمثل الحكومة ورقما يمثل اليسار ورقما يمثل الجبور وهكذا. فلو أردت مثلا أنا شخصيا أن أرشح نفسي رغبة مني في أن أحتل مقعدا في البرلمان لكان علي أن أتوسل جماعة السيستاني أو الطالباني أو أياد علاوي لكي يدرجوا أسمي معهم. أنا مثلا أعتبر نفسي معروفا في منطقة (أبو الخصيب) وأنا شيعي المولد محب للحسين عليه السلام وليبرالي وتعلمت اللغة على أيدي أساتذة متخصصين ودرسني أحد الشعراء وكان أبي سفانا يجلب المواد الغذائية لأهالي البصرة من الخليج ومن مسقط وعمان وترسو سفينته (البوم) على ضفاف شط العرب. وأعتقلت مرات ومرات من قبل الشرطة السرية للنظام الملكي ثم في زمن البعث وكما علمت بأن أحد الشعراء الذين درسوني في متوسطة المربد كتب قصيدة عني وعن والدي رحمه الله يقول فيها (يا سالم المرزوك خذني في السفينة في السفينة.. خذ مهجتي ثمنا سأعمل ما تشاء إلا حكايات النساء) لأن والدي كان مزواجا. عذرا إني أسترسلت ولكن بشهرتي هذه لو أردت أن أرشح نفسي عن منطقة ( أبي الخصيب) لفزت بالتأكيد سيما إذا ما عدت وشرحت لهم حالي وحالتي في المنفى.. ولكن لا يجوز أن أرشح نفسي ضمن قائمة من قوائم الطوائف والأحزاب، فأنا أريد أن أفوز بشخصي لا بطائفتي ولا بحزبي.. وهذه هي الطريقة المعروفة والمألوفة في العالم أن يقدم الإنسان نفسه إلى المواطنين ويرى المواطنون فيه صالحا أو طالحا شريفا أو لصا وطنيا أو خائنا ويقررون أن ينتخبوه أو لا ينتخبوه أما أن يدس الإنسان أسمه مهما كان ماضيه ويختفي تحت مظلات رجال الدين السنة أو الشيعة أو تحت مظلات الأحزاب الشيوعية أو ألقومية فهو أمر لا يصح ولا يصلح. فهذه ليست إنتخابات.. ولذلك أعذروني فإني غير قادر على (إسقاط) صوتي في صندوق إحتراما لإسمي وإحترامي لأستاذي الذي خلدني في قصيدة سالم المرزوك.
أهنئكم بالعيد يا أبناء شعبي.. عيدكم مبارك.. يوم ذهبتم فيه نحو صناديق الإنتخاب معتذرا منكم بعدم قدرتي على السفر والمشي وكتابة الأرقام. عندما سأنظر إلى الفائزين في المجلس الوطني القادم فإنهم يذكرونني بشيوخ العهد الملكي الذين كانوا ينامون أثناء التصويت ويذكرونني بأصحاب الشوارب البعثية على شكل رقم ثمانية الذي أعتبره رقم النكد. أريد إنتخابات يرشح فيها المواطن نفسه ويخضع للتدقيق الشعبي، فالقوائم الإنتخابية سادتي تهتز من فرط (الصدى) نهداها، فلقد تردد صدى صوت السرقات في أرجاء المعمورة وسيتمتع الفائزون بالحصانة البرلمانية.. المبدأ الذي رسم للإنتخابات هو مبدأ مرفوض وغير مألوف.. ومقالتي هذه ليست إنتصارا لمن يحمل السلاح ويقتل أبناء شعبي فهو مجرم وقاتل وخائن.. أللهم أشهد، ولكنها إنتخابات غير صحيحة ولا تليق لا بكلكامش ولا بالحسين ولا بعمر بن الخطاب ولا بعلي بن أبي طالب ولا بعبد الكريم قاسم ولا بكامل الجادرجي.
ولكن هل صحيح ما يقال (ليس بالإمكان أحسن مما كان) هذا كلام يراد به الإساءة للعراق، فالوطن خزين بأبنائه البررة الذين هم ليسوا هؤلاء!

كاتب عراقي مقيم في بانكوك