يذكرني يوم 28 من الشهر الأول لسنة 2005..أول أيام الانتخابات العراقية التي ستدخل تاريخ الأرض وتوثّق لأهم حدث مرّ على خارطة العراق منذ أمد طويل..يذكرني بحدث يتزامن وهذه اليوم الأقدس؛فالانتخابات العراقية تأتي بعد يومين بالضبط من احتفال أمريكا بذكرى استقلالها منذ 222 سنة!!..لعلّه سيكون فأل حسن للعراقيين بتذكيرنا بأهمية الاستقلال التام..
ولعلّه يكون من الفطنة الأمريكية لربط الأحداث الهامة بسلسلة تاريخية،سنفرح لها ونطمح في فلسفة للتاريخ والإحداث ستسّر عظام هيجل الفيلسوف، رغم الم شديد مع قوله ان التاريخ المشرقي يبدو ظاهريا وكأنه غير متبدل.
يا عظام هيجل المباركة ربما يتبدّل التاريخ لكن هل سينتبه عربي" قومجي" ما الى إن يوم الانتخابات العراقية هذا سيكون أيضا بعد يومين من احتفال المصريين باستعادة سيناء من إسرائيل دون قتال عندما كان صدام يحصد أرواح العراقيين على حدود إيران بشعارات التحرير القومي الزائفة عام 1981..
يا عظام هيجل المباركة.. ربما سيصرخ مُنتخب شيعي: في هذا اليوم سقط حشد عراقي في محراب الانتخابات وهو سقوط علي بن أبي طالب في محرابه قبل 1344 سنة حسب التاريخ الميلادي.. يا لمصادفات التاريخ ان يصادف هذا الحدث أول يوم الانتخاب..و يا لمصادفات التاريخ بين الميلادي والهجري.. ويا لها من فلسفة للتوثيق بين ان تقيد لحدث بميلاد وبين ان تقيد لحدث بهجرة..انه ميلاد إذن هذا اليوم..
أقولها لشيعي سيبكي عليا وعلى يديه بنفسج الهامة لشهيد ضربه العدو من الخلف.. أقول له معاضدا:أيها المـُنتخب اذا ضربك الأعداء من الخلف فأعلم انك في المقدمة أيها الصديق..
وربما سيرفع كادح يساري عراقي إصبعه البنفسجي من حبر الانتخاب.. ليغني عاليا كما لو أنه يغنيها لأول مرة: يا ليلة من ليل البنفسج..
وربما سيرفع مندائي إصبعه البنفسجي كما لو انه التعميد الحي (المصبتا)..وفي اشتراط الصبغة أبدا للشهادة والحقيقة.
سأحفظ معه فصلا من الكزاربا ويهتف هو ويده في الماء: انه حدث عظيم لو تعلمون..فلأول مرة في التاريخ يجتمع حشد مليوني عراقي بلون واحدٍ للفرح..
إنها فرحة للعراقيين يريد البعض تدنيس طهرها..بسوداوية وأنانية انتحارية بغيضة قال عن بغضائها حكيم أرى رأيه الآن؛ فليست الأنانية أن يعيش المرء كما يهوى بل أن يطالب الآخرين أن يعيشوا كما يريد هو أن يعيش.وهذا ما يرفضه الشعب العراقي بالقطع اذ ان جلّ هذا الشعب يرفض ان يُقرر له ويُنتخب عنه..الشعب العراقي سيحقق جمعية عمومية وطنية..ولا نقول مجلسا وطنيا فصدام وزبانيته حطموا حتى المسميات في بلدنا..
اليوم انتخب العراقي من يمثله في هذه الجمعية.. وهو بالتأكيد شخص آخر غير ذلك المسكين البائس مجرد الحول والقوة أمام عدي المفترس يوم دخل المجلس الوطني العراقي شاتما حاضريه بأقذع الشتم،وآمرا برفع خارطة العراق ووضع الخريطة التي تضم الكويت إليها بعد سنوات طويلة من هزيمة الأب القائد في "أم المعارك" التي بنا لها جامعاً بهذا الاسم صار مكانا لشتم الذاهبين اليوم لانتخاب المجلس الوطني العراقي الجديد..
انه يوم فرح ولكننا في العراق نتذكّر أحزاننا دائما في يوم أفراحنا.. وهي صفة من الإمعان العراقي بالأسى..
اليوم لنتذكّر آخر مشاهد المجلس الصدامي وأكثر مهازل الديكتاتورية سخرية،فالمدلل الرئاسي عدي دخل ليخطب في المجلس الوطني خطابه الشهير،حيث أعلن ان الحكومة العراقية كانت تدفع مبالغ طائلة اسماها "كومة" لبعض الأفراد والحكومات لشراء مواقفهم..
بعد نهاية هذه الجلسة وقف سعدون حمادي طويلا مهللا ومصافّقا لأبن الطاغية..
قـُبـِرَ عدي..
وها هو اليوم رئيس المجلس الوطني السابق يستمتّع من منفاه الملكي في الأردن بأخبار دعم العرب المستميت لتدمير المشروع الديموقراطي العراقي وبكائهم على "الشبل" عدي حيث لازالت تبكيه صحف الأردن حتى هذه الساعة بدموع الأقلام المشتراة.
اليوم انتخبتُ كما النسبة الغالبة من العراقيين،ولي رسالة فيما اكتب الآن مذكرا نفسي بكل ما واجهه العراق من طوفان الدم..
وانا ارفع سبابة التشهّد البنفسجي.. سأنادي ان لا عراق الا العراق الديموقراطي القادم رغم ما يجترحون له من وهم وظلام..
عاليا ارفع سبابتي لصق سبابة ايزيدي عراقي أحترم دينه ويقدس علمانيتي لأني أدرك إنها كبيرة على شياطين السلفية..
عاليا يا سبابة التشهد الديموقراطي.. فاليوم اثبت الإرهاب وهنه وضعفه فبعد وعيد وتهديد ذهبت ريحهم بددا في بضع عمليات انتحارية لم تردع المنتخبين.. بل ان نسبة الاشتراك التي تحققت حتى الآن كانت 75 بالمئة و هي أعلى نسبة مشاركة بين نسب ديموقراطيات عالمية وأوربية..فالانتخابات الأمريكية الأخيرة كانت نسبة المشاركة فيها 45%.. والانتخابات الهولندية الأخيرة كانت نسبة المشاركة فيها 32 بالمئة.. وحسب علمي يعتبر انتصارا ديموقراطيا تحقيق نسبة النصف في كل انتخابات.
انتهت والى الأبد سطوة ثقافة الدم ورعبها المؤدلج.. انتهى زمن القداسات المرتجلة لديكتاتور يكتب تاريخه بدم الضحايا ويكتب القرآن بدمه..انتهى زمن الدم وها هو زمن اللون الديموقراطي..
وانها لفتح جديد ستكون رمزا لكل من يتوق للتحرر في دول الظلام المجاور،حتى يغمس إصبعه في البنفسج قبيل كل تظاهرة.
عاليا أيها اللون العراقي.. تـُهدى الأضاحي ونهديك أعمارا من الورد..
عاليا أيها اللون العراقي.. وليشهد هذا اليوم من كل عام عيد الأقدس الديموقراطي..
عاليا يا سبابة التشهد البنفسجي.. فمن هذه الأرض بدأ الحرف قبل اكثر من 5000 سنة..
عاليا لأنهم سيقولون بعد حين من الدهر في المنطقة.. في البدء كان البنفسج الديموقراطي في العراق.