الآن وقد انتهت عملية التصويت وأغلقت مراكز الاقتراع أبوابها، وبغض النظر عن عدد المقاعد التي سيحصل عليها هذا الطرف أو ذاك في الجمعية الوطنية، برغم انها مسألة في غاية الاهمية للعملية السياسية اللاحقة، فان دروس الانتخابات ونتائجها ينبغي ألا تضيع وسط الهلاهل ومظاهر الفرح والبهجة التي تغمر الشارع العراقي. وفي نفس الوقت علينا ألا نتجاهل المعطيات السلبية للواقع السياسي وتلك التي رافقت الانتخابات والتي ستظهر لنا، لاحقاً، وكأنها مفاجئة، كما حدث في مراحل واحداث تاريخية، حيث فقدنا فرص حقيقية للتغيير والتطور، مر بها العراق والعراقيون، خصوصا في تاريخنا المعاصر. لذا لابد من وقفة ودراسة مستفيظة وموضوعية لما قبل الحدث وبعده ايضا، بعد اعلان النتائج.
- لقد سمعنا نفس الهلاهل وقرأنا نفس الكلمات في أكثر من حدث، سياسي وغير سياسي، آخرها كان لمنتخبنا الاولمبي لكرة القدم الذي شارك في اولمبياد أثينا، بعد أن احسن الاداء وحقق نتيجة طيبة، سرعان ماانقلبت الى العكس بعد أن خرج من المسابقات التي تبعتها، ولم يستطع الوصول للدور الثاني من تصفيات كأس العالم المقبلة. ومرت الاحداث دون أن نعرف لماذا النجاح هنا والاخفاق هناك، ولنظل نراوح في نفس المكان.
- ولم يعد من المقبول، ان نذكر بأننا أعرق شعوب المنطقة والعالم، ونحن كذلك، الا اننا في نفس الوقت نتعامل مع شؤوننا بطريقة انفعالية، فرحا وترحاً، وبمزاجية وفردية واضحة، فأين نحن من هذه العراقة، وما هكذا يصنع التاريخ وتتطور الامم والشعوب. وليس من المعقول ان نسقط دكتاتوراً ونظاما مستبداً لنهتف لآخر، بيافطات متعددة ( وتعود حليمة الى عادتها القديمة ) ! ولابد من تفسير للغياب عن الشارع وتركه للارهابين يعبثون به قتلا وتفجيرا، في وضح النهار، وأن تتجنب القوائم الاعلان عن مرشحيها ! ثم يتبعها الخروج بكثافة وتحت وابل من القذائف والقصف الاعلامي للتصويت، لتتعمد هذه المشاركة بالدم العراقي المقدس.
- وبنظرة مجردة، فقد أظهرت الانتخابات وبجلاء حقيقة ونتيجة اساسية، ليست جديدة، يحاول الجميع التشويش عليها وتسخيرها لمصالحهم الضيقة، وهي ان المواطن العراقي موجود، وله كلمة ودور وهو الفيصل. وهو متى شاء، وتحت أية لافتة، يظل فرساً رابحا وماردا جبارا وقامته أطول من الجميع. ولذا فعليهم، الآن، ان يضعوا برامجهم وخططهم، بالفعل، لمصلحة هذا المواطن، وليس العكس بتقزيمه ثم تغييبه، لتتوالى الكوارث على الجميع !
- ومن النتائج الاخرى، ان العراقي قال ( باي باي ) واضحة لنظام صدام واجهزته القمعية ودعايته الديماغوجية، التي لاتزال فاعلة في الشارع العراقي، وابتعد عنها بمسافة جعلته أكثر قرباً للمحطة الديمقراطية التالية. كما قالها، أيضا، للنظام السياسي العربي ولكل مثقفي الكوبونات والماكنة الدعائية والارهابية الضخمة المعادية للشعب العراقي.
- ولكن، ونحن في غمرة الاحتفال، علينا ان لا ننسى ماكنا نردده قبل الانتخابات، بان هذا المارد لايزال يعاني طيلة عقود من ثقافة الاستبداد، وخاصة في ظل النظام البائد، والتي أرادت ترويضه بعد ان شوهت وزيفت وعيه وتركت أثراً عميقاً في نفسيته ومزاجه، لن يمحي بين انتخابات وضحاها ! وان لايفوتنا أن المشاركة الفاعلة كانت في مناطق مستقرة أو شبه مستقرة، في الشمال والجنوب أهلها ضحايا للنظام البائد، ومقابره الجماعية، كما انهم الآن ضحايا الجهاد والكبسلة الزرقاوية. كما لا يمكن للمتابع الموضوعي تجاهل الدور البارز لرجال الدين، وبالتحديد السيد علي السستاني في هذه المشاركة، ودور هيئة علماء المسلمين في عدم المشاركة في المنطقة الغربية، مما ستكون له انعكاسات لاحقة على الساحة والعمل السياسي في العراق.
- ان الانتخابات كانت وحتى عشية فتح مراكز الاقتراع، عرضة للتجاذب بين التأجيل أو عدمه، رغم انها كانت مقررة قبل مدة كافية، تسمح لمن لديه وجهة نظر أو اجتهاد آخر ان يسعى لتحقيقه، بما فيها فكرة المصالحة، ان كان ثمة مصالحة ؟ وليس تأجيل الانتخابات أو تخريبها وان كان بحسن النية. وهذه الحالة تستدعي التوقف عندها، بعد أن اصبح التأجيل ظاهرة في الحياة السياسية العراقية حدثت في أكثر من مؤتمر ومناسبة، كنت مشاركاً في بعضها، وتكفي الاشارة الى قرار مجلس الحكم الذي اعلن فيه عن العلم العراقي الجديد، الذي طواه النسيان لاحقا، والى القرار (37) الذي اصدره نفس المجلس، والغي غير مأسوف عليه، وكذلك المؤتمر الوطني الذي انبثق عنه المجلس الوطني المؤقت والمطالبة بتأجيله والانسحابات التي حدثت ثم جرى التراجع عنها. وهنا يطرح السؤال : هل اصحاب الشأن من الساسة العراقيون جادون في عملهم ؟ أم انهم يمارسونه على سبيل الهواية وتمضية وقت الفراغ ؟ فالبلد والمواطن يعاني من كارثة وعليهم التأني ودراسة القضايا والملفات من جوانبها المختلفة والنظر عميقاً لابعادها الآنية والمستقبلية، قبل اتخاذ أي قرار، ومن ثم عليهم قبل غيرهم الالتزام به.
- اننا اذا لم نستوعب الدرس والنتائج التي افرزتها هذه الانتخابات، ونحسن التعامل معها، فليس لنا الحق ان نلوم أحداً بما سيصيبنا من ضرر ومآسي، سوى انفسنا، فالكرة في ملعبنا وعلينا ان نحسن اللعب، والعالم كل العالم ينتظر حسن الاداء منا، ليرقص بعدها معنا على ايقاع الدبكة والهيوة العراقية.

محمد ناجي
[email protected]