مع اقتراب نهاية مدة الرئاسة الحالية للرئيس المصري حسني مبارك واقترابنا من فترة رئاسة جديدة وارتفاع أصوات مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي لا يستطيع المرء إلا أن يلحظ الغياب الواضح لأي قوى سياسية مؤثرة من الساحة السياسية في مصر بخلاف الوجود الملحوظ للتيار الإسلامي المتعصب الذي سيطر علي مقدرات الأمور في مصر علي مدى العقود الثلاثة الماضية.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الإعلام الإسلامي و التعليم الإسلامي والاقتصاد الإسلامي الخ، يتنامى إلى درجة غاية الخطورة وباتت جموع المسلمين في حالة يرثي لها من هلوسة دينية جماعية في الداخل وغزوات دينية إلي الغرب الكافر لتفجير أنفسهم مع أكبر عدد ممكن من المدنيين الأبرياء في حالة يعاني منها الجهلة والمثقفون علي السواء في نفس الوقت الذي سادت فيه الرشوة والفساد واللامبالاه والمحسوبية و القبلية علي جميع مناحي الحياة كمنظومة فكرية جديدة جاءت عبر البحر الاحمر تدعو لمعاملة الأقباط كأهل ذمة.
تحول الإعلام الحكومي علي يد صفوت الشريف بالكامل إلى أداة للإسلاميين وظهرت المقالات التي تحقر من شأن الأقباط وتزدري عقيدتهم دون السماح لهم بالحق الطبيعي في الرد، وبدأ الأقباط يقرؤون كتابات لأشخاص طائفيين مثل زغلول النجار في جريدة الدولة الرسمية الأهرام: "الكفار والمشركين والمنافقين، خاصة من كان منهم من أهل الكتاب الذين حرفوا دينهم، أمثال اليهود المجرمين الذين كانوا ركازة الكفر عبر التاريخ ولا يزالون هكذا إلي اليوم وإلي أن يرث الله تعالي الأرض ومن عليها... من يمثلون أبشع صور الكفر ومواقف بعض أهل الكتاب من مواثيقهم وما أحل بالكافرين منهم من دمار نتيجة نقضهم لمواثيقهم من أمثال أتباع كل من موسى وعيسى عليهما السلام ثم إلي تبرئة السيد المسيح مما ألصق به من دعاوى الألوهية الكاذبة" وقولة مصطفي مشهور المرشد السابق للإخوان المسلمين للأهرام ويكلي بتاريخ 3/4/1997 "أن علي الأقباط أن يدفعوا الجزية بديلاً عن التحاقهم بالجيش حتى لا ينحاز المسيحيون الذين في صفوفه إلي صف الأعداء عند محاربة دولة مسيحية" هذا في الوقت الذي فقدت منظومة قيم أخرى ضرورية لنهضة الشعوب أهميتها مثل قيم العدل والنظام و إتقان العمل واحترام القيمة الانسانية للفرد والحرية والمساواة.
أصبحت مصر الآن مصر أخرى تختلف عن مصر منذ نصف قرن مضي، مصر الآن بدوية قبلية ترى الأقباط ليسوا بأخوة في المواطنة بل أهل ذمة و أشبه بمرض خبيث معد، وأنه يجب علي المسلمين أن يظلموهم، وأن يسيئوا معاملتهم ويحتقروهم ويقاطعوهم حتى يضطروهم إلى اعتناق الإسلام كما جاء في كتاب الإيمان بالله لشيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود.
وأثناء أحداث الكشح 2000 كانت نقابة الأطباء المصرية تعلن عن إرسال المساعدات لمسلمي البوسنة ولم يخطر ببالهم ان في الكشح اخوة لهم أقباط قتلوا بدم بارد غيلة في بيوتهم او في مزارعهم وفيهم اطفال و نساء وشيوخ وجاء دور البوليس المتواجد منذ أخر ديسمبر قبل أحداث القتل بيومين مع فرض حظر التجول، لم يتدخل البوليس لمنع المأساة ولكن أخذ جانب الإرهابيين (مثال الخفير خلف أبو القاسم الذي اشترك في المذبحة بسلاحه الحكومي) وعندما جاء دور القضاء تم تبرئة جميع المتهمين وتم تعويض اسر الشهداء بثلاثة الأف جنيه مصري عن كل فرد= نصف ثمن جاموسة، هذا ثمن المواطن المسيحي.
بات من الواضح أن الحكومة اتخذت الإسلام الوهابي منهجاً، وبدا لنا الرئيس حسني مبارك يظهر يوميا علي شاشات لتليفزيون مؤيداً للانتفاضة الثانية مكرساً معظم وقته للقضايا الإسلامية ومهددا ومتوعدا الغرب بازدياد الإرهاب ما لم تحل القضية الفلسطينية
وبدا الرئيس حسني مبارك مهتماً بكل القضايا الإسلامية بشتى أنواعها بصورة مبالغ فيها، وكانت هذه دائماً مقدمة نشرات الأخبار المصرية مع إهمال تام لكل القضايا الداخلية المهمة وقضايا مشاكل الأقباط بوجه خاص مما أدى إلي ازدياد كراهية المسلمين للأقباط، و يتساءل كل مسيحي لو أن الرئيس حسني مبارك خصص واحد في المائة من وقته الذي كرسه للقضية الفلسطينية لحل مشاكل الأقباط لما كان هناك مشاكل للأقباط.
بات من الواضح أن الحكومة اتخذت الإسلام الوهابي منهجاً و كان بيع روح وحضارة وتاريخ وشعب الأمة المصرية ومسخ وتشويه صورة مصر قد تم على أيدي ثورة العسكر أولاً وبحدود علي يد جمال عبد الناصر و لاحقا بلا حدود علي يد "الرئيس المؤمن" السادات.
(حسين الشافعي ذكر اكثر من مرة في مقالات له أو في قناة الجزيرة مع احمد منصور "وسيأتي اليوم الذي نقول فيه:'إن الثورة لم تكن إلا مجرد غطاء لبذرة إسلامية لا يعلم إلا الله متى يأذن بإنباتها
http://www.elosboa.com/elosboa/issues/394/0215.asp
أيضآ أن القبض علي سعد الدين إبراهيم في الثلاثين من يونيو الفين تم في اليوم التالي لزيارة الامير عبدالله لمبارك في شرم الشيخ وكانت هناك أخبار ان سعد ينوى التعرض لإضطهاد الشيعة في شمال شرق الجزيرة العربية وكان القبض عليه إجراء وقائي تم بالتواطئ مع مبارك
http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp?CurFN=FRON2.HTMamp;DID=6706
ويتضح مما سبق إننا الآن نجني ثمار ما يقرب من ثلاثون عامأ من الإعلام الإسلامي والتعليم الإسلامي المتطرف الذي مسخ العقلية المصرية التي تقبلت وتعايشت مع كافة الحضارات و الثقافات المجاورة قبل دخول الإسلام مصر في سلام وازدهار حتى كانت حضارة مصر الفرعونية أرقي حضارات عصرها علي الإطلاق، وعلى ما يبدو أن حكومتنا الرشيدة اتخذت منذ ثلاثة عقود أو أكثر قليلاً، قرارا إستراتيجياً أو ربما و في أحسن الأحوال قرارا تكتيكيا، أن تنهي على جميع القوى السياسية العلمانية و الليبرالية الموجودة في مصر وتبقي علي التيار الإسلامي فقط بغرض استخدامه في ابتزاز الغرب بطريقة نحن وإلا الإسلاميين، وقد نجحت هذه الوسيلة بالفعل في الإبقاء علي الحكومة لمدة طويلة حتى أحداث سبتمبر عام 2001، حين أدركت الولايات المتحدة أن حلفاءها هم الأرض الخصبة التي انبتت الإرهاب وأن العالم العربي بحاجة إلى التغيير و إلى الديموقراطية
مصر الآن أصبحت في مأزق غياب قوى علمانية ليبرالية مؤثرة ومنظمة لتحمل راية النهضة والتقدم بعد موت الحكومة الرشيدة بمرض الزهايمر والشيخوخة و لكن حكومتنا تصر على الاستمرار وتقول للغرب أنها لا تستطيع أن تمنح الديموقراطية وإلا سيقفز الإسلاميون على الحكم متناسية أنها هي بنفسها التي خلقت هذا الموقف مثل الذي قتل أباه و أمه وبعد ذلك يطلب الرثاء لحاله لأنه اصبح يتيماً.
* كاتب مصري يعيش في بريطانيا