الواقع الکوردي و المثقف العربي.. لابديل للحوار الموضوعي


أمرطبيعي الاختلاف في وجهات النظر بين الاطراف المتباينة على أکثر من صعيد، بل وقد يکون هذا الاختلاف ظاهرة صحية ـ منطقية تخدم في خطها العام الوجود الانساني وفق سياق تحديد أسس و ضوابط محددة للتفاهم و الحوار. ومکمن الاختلاف يعود في حد ذاته الى قناعات مستمدة من واقع معاش يخضع لمجموعة عوامل تشترک في صياغتها عدة جوانب. وليس من المنطقي أبدا أن يکون طرفان معينان على إتفاق و وئام دائم کشرط قسري للمفاهيم الحضارية أو کبلورة للإستيعاب الثقافي. المنطقي هو أن نختلف و أن يکون هناک دائما شيئا من الخلاف و إختلاف الرؤيا کضمانة صحية و صحيحة للبناء الديمقراطي السليم. وقد يکون الاختلاف في بعض الاحيان شاسعا بين طرفين أو أکثر، وقد تعجز لغة الحوار (في بعض الاحيان)لحلحلة ذلک الاختلاف مما قد يؤدي الى تفاقمه بإتجاهات سلبية تعطل المقومات الحضارية، إلا أنها ورغم ذلک لابد من عودتها مرة أخرى للحوار الذي يبدو أنه المعيار الاهم للبعد الحضاري للإنسان. ورغم أن بناء الدولة من أساسه کان على أساس غير حضاري بل و غير إنساني"وفق رؤى أغلب المفکرين و الفلاسفة" لکنه تأطر في نهاية المطاف بالوشائج الحضارية و بات أساسه الذي قام عليه جزءا من الماضي الانساني الاسود، حاله حال الماضي الانساني الغير مشرف بالنسبة للتعامل مع المرأة و مسألة الحرية. بداية لاأحب إثارة الضغائن و الاحقاد و لا التحريض لسير الحوار وفق إتجاه معين ينتهي بالحلقة المفرغة، لکنني أرى من الحکمة و الضرورة أن يقوم المثقفون العرب بحصاد بيدر آرائهم و مواقفهم بخصوص الکورد و قضيتهم، وقياس المحصلة العامة للآراء من حيث آثارها و إنعکاساتها(سلبا و إيجابا) على الشارع العربي، ذلک أن المواقف و الرؤى المطروحة على الساحة الثقافية هي التي ستساهم بالنتيجة في تکوين الرؤيا العامة للشرائح الاجتماعية. وقد أکون غير مجاف للحقيقة و الواقع إذا أجزمت بأن غالبية الاراء والمواقف للمثقفين العراب قد کانت تجنح الى السلبية، حيث إنها کانت تنظر للقضية الکوردية من ذات المنظار الذي کان ينظر من خلاله النظام العربي الرسمي، والذي يتسم بالشمولية في مختلف آرائه و تطلعاته بخصوص المسائل المطروحة. ونظرة الى مقالات کتاب مثل (خضير طاهر و عيسى الربيعي و نضال القادري) کافية للخروج بالرأي الذي أسلفنا في ذکره، وهنا لابد من الاستدراک والاشارة الى تلک الاقلام العربية الحرة و الجريئة التي لم تنصف القضية الکوردية فحسب، وإنما أنصفت الکثير من القضايا و الاشکاليات الاخرى المطروحة على عموم الساحة العربية وهي إن دلت على شئ فإنما تدل على إن هناک سعي حثيث للمزيد من الحوار و التقارب بين المثقف العربي و المثقف الکوردي. والنقطة التي تثير الکورد، هي لغة التهديد و الوعيد التي دأب الاعلام العربي في خطه العام على جعله منهجا للرؤية و التعامل مع القضية الکوردية، هذه اللغة تتجلى في أنصع صورها في کتابات عدد لايستهان به من الکتاب العرب وفي صحف و مجلات و مواقع على الانترنيت لها وزنها الخاص في الشارع العربي. هؤلاء الکتاب يحاولون في مقالاتهم و بحوثهم التطرق الى نقاط تتمحور حول:
1 ـ الاستهانة بالکورد کأمة، من حيث جعل الکيانات السياسية في العراق و إيران و ترکيا و سوريا هي بمثابة القدر الذي لافکاک منه، والنظر الى کل مکسب کوردي على إنه سعي للإنفصال، مع طرح" الإستحالة الجيوبوليتيکية" لذلک. ناهيک عن طرح مواضيع ذات صلة بالموضوع من قبيل(لاتأريخ للکورد، الکورد من أصول و أعراق مختلفة..الخ). وهنا يأتي السؤال: هل يعترف المثقف العربي بالکورد کأمة صاحبة مقوماتها الخاصة بها أم ماذا؟
2 ـ السعي الدؤوب للفصل بين الحرکات السياسية الکوردية المتواجدة على الساحة و بين الشعب الکوردي، وإظهار تلک الحرکات بإنها معزولة عن الکورد، ولعمري هذا الموقف يذکرني بموقف الحکومة البعثية عام 1974 ـ 1975 من الحرکة الکوردية إبان إندلاع القتال، حيث کان الاعلام البعثي يسمي الحرکة الکوردية التحررية آنذاک(الجيب العميل)، والمثير للسخرية أن النظام البعثي قد تنازل عن نصف شط العرب و منطقة زين القوس لمن کانوا يسمونه"الشاه العميل"في مقابل الاطباق على ذلک الجيب العميل!! والحق أن هذه الحرکات و الاحزاب السياسية الکوردية لها عمقها و إمتدادها في الواقع الکوردي و کل محاولة للعزل أو الفصل بينهما هو السعي لقراءة الواقع الکوردي بمنظار غير واقعي و منطقي.
3 ـ الطعن في التأريخ النضالي للحرکة التحررية الکوردية، وإلصاق تهم مختلفة بها، من قبيل عمالتها للشاه و أمريکا و علاقاتها بإسرائيل، وبناءا على ذلک النظر لکل طروحات الحرکة التحررية الکوردية متمثلة بالفصيلين الکورديين الرئيسيين، على أنها طروحات إستعمارية ـ صهيونية!! وحقيقة کمثقف کوردي أرى هذه النظرة قمة البؤس الفکري وجنوح کامل نحو الافلاس من کل المعطيات الواقعية للتعامل مع روح المسألة. وهنا أود من المثقف العربي أن يبين لي کيف إنطلقت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين من الحجاز و تحت غطاء و دعم أي جهة ؟ ألم يکن الشريف حسين رجل بريطانيا ضد الدولة العثمانية؟ إذا کان الکورد بدافع من واقعهم الجغرافي الحساس قد أضطروا يوما لقبول العون من إيران، فأن ذلک لايعني قطعا أنهم سوف يکونون بيدقا إيرانيا للنهاية. وواقع الحال يشهد بأن القوى السياسية الکوردية هي المتميزة بإستقلاليتها.
4 ـ إظهار السعي الکوردي لتثبيت مايراه حقوقا مشروعة له، بمثابة "إبتزاز" أو"إستغلال" أو" صيد في ماء عکر"على حساب العراقيين، ودعوة القوى السياسية الکوردية لتأجيل ذلک الى مابعد إستقرار الوضع، وهنا کان بودي لو حاول المثقف العربي " ولا أقول الاعلام العربي لأنني يائس من تماما" التقرب من الشعب الکوردي في أرجاء أقليم کوردستان، ليتبين له بوضوح حقيقة الامر، ولکي يعرف أن الاحزاب الکوردية هي المضطرة الى الاذعان للشارع الکوردي وليس العکس تماما. الشعب الکوردي الذي خاض أکثر من تجربة مرة مع أکثر من نظام سياسي، يرغب بتثبيت حقوقه المشروعة أولا کبداية لإثبات حسن النية، وهو أمر حري بالمثقفين العرب و بالقوى السياسية العربية، أن تدرسه بإمعان و تحاول أن تتفهمه لا أن تطعن فيه.
الحوار لايبنى بدون أسس و ظوابط معينة، والحوار لايعني أن لايکون هناک خلافا أو إختلافا في وجهات النظر، بقدر ماسيکون ذلک الاختلاف هو الضمانة لتفهم الاخر و تقبله بصورة أفضل و أکثر واقعية. وفي رأيي أن بمقدور المثقفين العرب و الکورد أن يلعبوا دورا بمنتهى الايجابية في رسم الافاق الحضارية للعراق الديمقراطي التعددي الفيدرالي الموحد، وجعله نموذجا لا لدول المنطقة فحسب و إنما لکل دول العالم.

کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا
[email protected]