8 يونية هي ذكرى اغتيال الدكتور فرج فودة، وهو غني عن التعريف به. قُتل غدراً من أجل أفكاره التَحريرية وآرائه المُنيرة للمُغيبين والمخدوعين الرافضين لكل فكر آخر مجدد أو مجتهد داعي لأي تقدم اجتماعي. أحد المحاربين المحدثين ضد دعاة النقل من التراث وربط الدين بالسياسة. يعتبر من أهم المنادين بالدولة المدنية التي تفصل بين الدين والسياسة. قائد من قادة الوحدة الوطنية في مصر الذي رفع شعار الدين لله والوطن للجميع حين تقدم للترشيح لانتخابات مجلس الشعب المصري في ثمانينات القرن الماضي في أحد أهم الأحياء التي تحوي نسبة مسيحيين كبيرة، لكنه لم ينجح لوجود تزوير وتدليس وجهل يقود أصوات المنتخبين. كان أخر نشاط بارز له مناظرة في معرض الكتاب عام 1992 عن الدولة المدنية.

اغتيل الدكتور فرج فودة في 8/6/1992 وهي الذكرى التي لن تنساها مصر ويُحييها كل عام المركز التنويري الذي أنشأه قبل اغتياله وشارك ولا يزال الكثيرين من المفكرين المنيرين والداعين لتحرير الفكر الديني من جمود النقل على حساب العقل.
لم يكن فرج فودة هو الوحيد الذي تم تكفيره في هذه الفترة الزمنية، لكن كانت هناك مجموعة من المفكرين المحترمين منهم من صودرت مؤلفاتهم ومَن رفعوا ضدهم قضايا التكفير والتفريق بينه وبين زوجته ومَن طردوا بعد اعتقالهم ومنهم مَن حاولوا قتله. من الأمثلة: نصر حامد أبو زيد وسيد القمني وسعيد العشماوي وخليل عبد الكريم وأحمد صبحي منصور ونوال السعداوي وإقبال بركة وسعد الدين إبراهيم. وغيرهم الكثير فمازال التكفير سارياً والإظلام مستمراً.

ومن الأسئلة التي يوجهها الدكتور فرج فودة في كتابه الحقيقة الغائبة للداعين للدولة الدينية أمثلة:
bull;في عصرنا ذو المشاكل الجسيمة كيف تُحل المشاكل الاجتماعية التي لم تكن موجودة سابقاً في القرن الأول الهجري بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟ فما هو حل مشكلة الإسكان والديون والمجاعة والبطالة في ظل تطبيق الشريعة؟
bull;كيف يتواكب الاهتمام المظهري الزائد بالعبادة مع السبق العلمي والثورة التكنولوجية؟ وأمام الاهتمام بفتاوى النكاح وقضاء الحاجة في الخلاء وتربية اللحية وحف الشارب وغيرها من مثل هذه المظاهر كيف تمنع تنامي ظاهرة أطفال الشوارع؟
bull;ماذا أفادت النساء المسلمات من تحجيبهن وتنقيبهن وتخميرهن أمام زيادة أعداد الأميات والعاطلات الباحثات عن عمل والمتحرش بهن في الشوارع؟
bull;ما هو الحل السحري الذي يقدمه من يسمون أنفسهم علماء الطب النبوي من الأحاديث المدسوسة والموضوعة والمنحولة والأحادية أمام الزيادة الرهيبة للمرضى والأمراض؟
bull;أين أنت يا فرج فودة أمام العلماء الذين ينادون بقيمة العلاج والشفاء في أجنحة الذباب وبول الإبل ويستخدمون لذلك أحاديث لنبي الإسلام؟ لو كنت حياً لصرخت بصوت عالياً: كفاكم إهانة للإسلام ورسوله وعقول التابعين.
bull;آه يا فرج فودة لو كنت حياً لمُت من الغيظ والكمد أمام تصريحات الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية بأن الصحابة كانوا يتبركون من فضلات رسول الإسلام؟ كما ذكر ذلك ومنشور في جريدة المصري اليوم بتاريخ 23/5/2007.
bull;أية إهانة تلك التي يصنعها هؤلاء الذين ينادون الآن بتطبيق الشريعة الإسلامية أمام تخلف التعليم في الجامعات والمدارس والعلم في كل البلاد الإسلامية والعربية بالمقارنة بدول العالم؟
bull;ماذا يفعل تطبيق الشريعة الإسلامية أمام الغش الجماعي والأمية في المدارس مع العلم بأن القائمين على الغش وquot;التغشيشquot; هم المؤمنين المتدينين والذين يبررون ذلك بقولهم: تعاونوا على البر والتقوى ـ صدقني يا عزيزي القارئ هذا حدث عشرات المرات وكتبت عنه جميع الجرائد.
في نهاية كتابه ـ الحقيقة الغائبة ـ يؤكد فودة على أن الإسلام جاء ديناً، وما أسوأ ما فعل المسلمون بالإسلام ومازالوا يفعلون حين يُكفر البعض منهم الآخر ويقتلون المختلفين في الرأي أو المجددين في الفكر. يا ليتهم يعرفون أن التفكير يسبق التكفير والعقل يسبق النقل.
وما أصعب رسالة الإهانة التي توجهها فئة ضالة إلى الإسلام أمام العالم أجمع باستخدامهم الإرهاب الفكري والجسدي وسيلة لتطبيق الدولة الدينية.
إن ذكرى قتل الدكتور فرج فودة المفكر والمجتهد ستظل في الأذهان صارخة بأن الذين يريدون الإسلام ديناً ودولة لا يسعون إلى تطبيق شريعة زمن لا تصلح لهذا الزمن لكنهم يسعون إلى سلطة سياسية متخذين الإرهاب بالفكر الديني والقتل الجسدي وسيلة لتحقيق خلافة في الأرض ثبت فشلها على مدار التاريخ.


ذكرى قتل فرج فودة تُعيد للأذهان ذكرى قتل المئات والآلاف على مر القرون التي رفع فيها المنادين شعار الدين هو الحل وخلطوا السياسة بالدين، فصيروا الدين أمراً بالقتل فأصبحت السياسة حرباً للنهب.
مع تحياتي للمفكرين المجددين في ذكرى اغتيال الدكتور فرج فودة.


أيمن رمزي نخلة
[email protected]