ماهي قصة قاعدة سعد الجوية في غرب العراق، والتي يريد الامريكان اتخاذها مقرا عسكريا دائميا لهم؟

تعتبر قاعدة سعد الجوية الواقعة في غرب العراق احدى القواعد الجوية الاستراتيجية التي تم بناءها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وهي احدى اربع قواعد جوية استراتيجية في المنطقة الغربية من العراق تم بناؤها في فترات مختلفة لاسباب تتعلق بالامن القومي العراقي، وعلى اعتبار ان هذا الامن هو جزء من الامن القومي العربي، والقواعد الثلاث الاخرى هي قاعدة الوليد الجوية في الرطبة، وهي اقدم القواعد الاربع، ثم قاعدة البغدادي الجوية او كما ســـميت في حينه قاعدة القادسية في منطقة حديثة فقاعدة الحبانية.. وبالطبع كان هناك الكثير من القواعد الجوية العراقية الاخرى المنتشرة في كل انحاء العراق والموزعة توزيعا جغرافيا استراتيجيا يؤمن الدفاع عن العراق من جميع الجهات...


اعود فاقول ان فكرة وجود القواعد الجوية الاربع في غرب العراق كان ينطلق من اعتبارات وحسابات الدفاع عن الوطن والامة على حد سواء، وكانت مهماتها الاساسية هي صد أي عدوان مسلح على العراق ضد التهديدات الخارجية وخاصة التهديدات الاسرائيلية التي كانت قد بلغت ذروتها بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية ( الفترة بين عامي 1988 و1990 ) وامتلاك العراق اسلحة ردع استراتيجية حققت التوازن في الردع مع اسرائيل بكل الاعتبارات والحسابات العسكرية الاستراتيجية في حينه، وكان مخصصا لهذه القواعد ان تستخدم ايضا ضمن أي جهد عسكري عربي مشترك ضد اسرائيل في حالة نشوب حرب عربية اسرائيلية جديدة..


و بعد احتلال العراق وتدميره وحصول ما حصل من احداث وتطورات عسكرية وامنية واقتصادية وسياسية ماساوية، امتدت على مدى خمس سنوات حتى الان، اخذ الحديث يدور مؤخرا عن مفاوضات جارية بين العراق والولايات المتحدة للتوقيع على اتفاقية طويلة الامد بين الجانبين والتي فرض عليها تعتيم شبه كامل ولم يتسرب الكثير من تفصيلاتها وبنودها السرية والعلنية الا ما نشرته بعض وسائل الاعلام العربية والغربية ومنها صحيفة الغارديان البريطانية، وكان من بين ما نشر من معلومات عن هذه الاتفاقية ان الولايات المتحدة تنوي اقامة قواعد عسكرية دائمية في العراق ( انظر مقالتنا عن الاتفاقية العراقية الامريكية بعين ثالثة ) في شماله ووسطه وجنوبه وغربه، واشارت هذه المعلومات ان قاعدة سعد الجوية او قاعدة البغدادي الجوية ستكون احدى هذه القواعد في حين ستتوزع القواعد الاخرى على المناطق الاتية :
1. قاعدة بلد الجوية شمال شرق بغداد..
2. قاعدة عسكرية في اربيل..
3. قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل..
4. قاعدة في جنوب العراق ربما في الشعيبة أو الناصرية..
واشارت المعلومات إن هذا التوزيع الاستراتيجي المستقبلي للقواعد العسكرية سيحقق للقوات الأمريكية نوعا من التكامل وتبادل التغطية والمسؤوليات مع القواعد الأمريكية المنتــشرة في الكويت والخليج العربي، كي تساعدها في تحقيق مهماتها واهدافها العسكرية في حالة نشوب نزاعات مسلحة بين القوات الامريكية واي من دول المنطقة القريبة والبعيدة على حد سواء..
نعود ونستكمل حديثنا عن قاعدة سعد الجوية والاسباب المحتملة لاختيارها من قبل القوات الامريكية، فهذه القاعدة، حالها حال القواعد الغربية الاخرى، لعبت دورا كبيرا في عمليات الدفاع عن العراق وحماية سمائه وارضه وسيادته وممتلكاته وكانت تتواجد فيها اسراب مقاتلة من القوة الجوية العراقية ومن الطائرات الاكثر تطورا في المنطقة في تلك الفترة كالميك 25 والميك 23 والسوخوي والميراج والتي كانت جاهزة للرد على أي عدوان عسكري اسرائيلي فيما لو غامرت اسرائيل وشنت عدوانها على العراق خاصة للفترة المشار اليها في اعلاه ونعني بها ( بين عامي 1988- 1990 ) وكانت هذه القواعد ( خاصة قاعدتي سعد والبغدادي ) تشكل قلقا لاسرائيل عبّر عنه اكثر من مسؤول عسكري اسرائيلي، حتى ان المخابرات الاسرائيلية ارسلت في تسعينات القرن الماضي بعضا من جواسيسها للحصول على معلوما ت عنهما كونهما قاعدتان حديثتان وفيهما من القدرة الجوية الدفاعية العراقية ما يؤلهما للتصدي للطائرات الاسرائيلية ومطاردتها حتى العمق الفسطيني..


والشيء الاخر الذي اود الاشارة اليه عن اهمية ودور هذه القاعدة بالنسبة للعراق هو انه في عام 1991 عندما شن التحالف الثلاثيني حربه الشرسة والواسعة ضد العراق وثبوت مشاركة اسرائيل في هذ الحرب، قامت القوات الصاروخية العراقية بنصب قواعد اطلاق هيكلية لصواريخ ارض ارض العراقية في هذه القاعدة لايهام وسائل الاستطلاع والتجسس الامريكية ان قواعد الاطلاق هذه هي قواعد حقيقة ومخصصة لقصف الاهداف الاسرائيلية كرد على اشتراك الطائرات الاسرائلية ( بعد صبغها بعلامات سلاح الجو الامريكي ) وصواريخ اريحا 2 في قصف الاهداف العراقية غرب الفرات..
وفعلا قامت الطائرات الامريكية والبريطانية ومن( دول اخرى) بقصف هذه القاعدة قصـــــفا كثيفا ومركّزا يومي 17 و18 / 1 1991 اعلن بعدها الرئيس بوش بانه تم تدمير نصف قواعد اطلاق الصواريخ العراقية ارض ارض، في محاولة منه لطمأنة اسرائيل وتخفيف الرعب عن المستوطنين اليهود من احتمال تعرضهم لقصف الصواريخ العراقية بعيدة المدى، وكان بوش يتوقع ان يتوقف قصف الاهداف الاسرائيلية بالصواريخ العراقية ظنا منه انه حقق اهدافه بتدمير قواعدها، ولكن بعد الضربة الصاروخية العراقية الاولى فجر يوم 18/ 1 / 1991 بثمان صواريخ عراقية من نوع الحسين ( ذي المدى 600 كم ) ضد اهداف حيوية اسرائيلية في منطقتي تل ابيب وحيفا استمر القصف العراقي على اشده ولم يتوقف الى نهاية الحرب يوم 28 / 2 / 1991 وكان يخضع لخطة وضعتها القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية..


وهكذا اسقط في يد الرئيس بوش وتبين له ان تقارير الاستخبارات الامريكية كانت كاذبة فيما يخص تدمير قواعد الصواريخ العراقية، ومع ذلك ازدادت عمليات القصف الجوي لطيران التحالف ضد القواعد الجوية العراقية في غرب العراق بشكل خاص وضد الاهداف المدنية والعسكرية في عموم العراق بشكل عام في محاولة يائسة وفاشلة لتحييد الصواريخ العراقية او تدميرها..
ونشير هنا ان الطائرات الامريكية بلغ بها الارتباك والهستيرية والاجرام ان قامت بقصف بيوت الشعر للبدو العراقيين في المنطقة الغربية بالاضافة الى قصف سيارات الشحن الاردنية الكبيرة التي كانت تسير على طريق بغداد عمان، ظنا منها ان في داخلها صواريخ ارض ارض عراقية.. والحقيقة التي نسجلها للتاريخ هي ان المخادعة السوقية التي قامت بها قيادة الصواريخ العراقية اربكت وسائل الاستطلاع والتجسس لقوات التحالف من خلال نصب القواعد الهيكلية الوهمية في اكثر من موقع لاستنزاف الجهد الجوي للتحالف ومخادعته وارباك عمله الى جانب توفير الفرص الملائمة والمناورة الاستراتيجية للقيام بعميات قصف الاهداف الاسرائيلية من قواعد اطلاق متحركة حيث كان ابطال الصواريخ العراقيون يناورون من حيث الزمان والمكان والاستخدام التعبوي والفني في كل عملية اطلاق للصواريخ وباقصى سرعة لاتسمح لوسائل الاستطلاع واقمار التجــــــــسس الامريكية من رصدها الا بعد فوات الاوان، وهكذا استمرت عمليات اطلاق الصواريخ العراقية بنجاح طيلة ايام الحرب دون ان يتعرض أي من قواعدها المتحركة الى الاصابة او التدمير حتى بلغ ما اطلقته هذه القواعد 43 صاروخا من نوعي الحسين والحجارة السجيل على 53 هدفا حيويا اسرائيليا وبمعدل 28 صاروخا من نوع الحسين على اهداف مختلفة في منطقة تل ابيب و10 صواريخ من نوع الحسين ايضا على اهداف منتخبة في منطقة حيفا وخمسة صواريخ نوع الحجارة السجيل على مفاعل ديمونا..
ان قصة قاعدة سعد الجوية لم تنته عند هذا الحد فلقد لعبت دورا فعالا في التصدي لمجموعات العمق البريطانية الذين ارسلتهم قيادة التحالف، بالتنسيق مع المخابرات الاسرائيلية، للبحث عن قواعد الاطلاق العراقية المتحركة في المنطقة الغربية من العراق في شباط عام 1991 بعدما تاكد لها ان العراقيين اوقعوهم في مصـــيدة المخادعة وانها عرفت ( أي قيادة التحالف ) بعد وقت متاخر ان القواعد التي ضربتها طائرات التحالف في قاعدة سعد وغيرها هي قواعد وهمية..


اما عن قصة مجموعات فئران الصحراء وهو الاسم الذي اطلق على مجموعات العمق البريطانية من القوات الخاصة التي تسللت الى غرب العراق بالطائرات السمتية للبحث عن قواعد اطلاق الصواريخ العراقية المتحركة ومحاولة تدميرها بعد فشل الطيران المعادي في كشفها والحاق الضرر بها، فقد حدثت اوسع مطاردة عراقية لها في مناطق غرب العراق لم يشهد لها تاريخ الحروب مثيلا، حيث تم تعبئة وتحشيد مجموعات كبيرة من الوحدات والمقاتلين العراقيين يساندهم ابناء العشائر العربية في محافظات الانبار والقادسية وبغداد وكربلاء والنجف، وقد حدث خلال عمليات البحث والمطاردة لمجموعات العمق البريطانية، التي كانت تساندها وسائل الاستطلاع والتجسس الامريكية والاسرائيلية، مصادمات مسلحة في العديد من الاماكن والمواقع العسكرية استمرت اياما عديدة وقد تكللت هذه العمليات بالنجاح بعون من الله وبهمة الغيارى من القوات المسلحة العراقية والمتطوعين من العـشائر العربية، الذين اطلق عليهم زوار الفجر، حيث تم القاء القبض على المتبقي منهم في منطقة القائم وهم يحاولون الهرب في سيارات اجرة عبر الحدود السورية واعترفوا
انهم كانوا مكلفين بمهمات البحث عن قواعد اطلاق الصواريخ العراقية المتحركة وتدميرها لانها اوقعت خسائر كبيرة بالاسرائيليين واحرجت موقف قيادة التحالف وفشلها في وعودها بتدمير هذه القواعد..


وخلال هذه العمليات كانت قاعدة سعد الجوية، كغيرها من القواعد الجوية والمواقع العسكرية في غرب العراق، قد استخدمت مقرا لانطلاق مجموعات المطاردة العراقية وتمويلها بكل ما تحتاجه من اسلحة واعتدة واجهزة لاسلكية ووقود ومواد تموينية وغيرها..
من كل ماتقدم ndash; وغيره الكثير مما لا يسع الحديث عنه في هذه المقالة الموجزة ndash; يتبين الدور الكبير والمهم الذي كانت تضطلع به قاعدة سعد الجوية في الدفاع عن العراق وافشال المخططات المعادية للعراق من أي اتجاه كانت، للنيل من سيادته وكرامته والحاق الاذى باهله..
واذا ما عرفنا هذا الدور الكبير لقاعدة سعد الجوية، لعرفنا سبب سعي الولايات المتحدة لاقامة قاعدة عسكرية دائمية بدلا عنها، واذا ما صحت هذه المعلومات وتاكدت يمكن ان نستنتج الاسباب الكامنة وراء هذا الاجراء واهدافه الاستراتيجية وهذا لايحتاج الى تفكير طويل ولعل التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وفي تخطيطه العسكري تدريبا وتسليحا وتنظيما وتكتيكا هي من ابرز العوامل التي ربما تستهدفها الولايات المتحدة من خطوتها هذه، ناهيك عن رغبتها في اقامة ما يمكن ان نسميه اجراءات وقائية لحماية اسرائيل من أي تهديد عراقي او عربي محتمل في حال تغيرت المعادلات وقواعد اللعبة السياسية والعسكرية في المنطقة العربية في غير صالح الكيان الاسرائيلي..


هذا عدا عن اتخاذ هذه القاعدة والقواعد والمقرات العسكرية العراقية الاخرى لاغراض تدريب القوات الامريكية ورفع جاهزيتها القتالية واستخدامها كمستودعات تموين لوجستية استراتيجية، بالاضافة الى استخدامها لاغراض المناورات العسكرية التي قد تتوخى من ورائها التلويح بالعصا لتحقيق نوع من الردع ضد الدول المجاورة للعراق..

عبدالوهاب محمد الجبوري