أجدني في هذا المقام، مدفوعة، إثر نشر النص الذي يحمل عنوان: *أفعى في بنطلون، ولكثافة ردود الأفعال التي تلقيتها عبر بريدي الالكتروني الخاص، إلى تسليط اليسير من الضوء على ما توارد إلي من تعليقات من quot;بعضٍquot; ممن يعانون من السايكوباتية الجنسية العضال في تلقّيهم، خصوصا، لنص مذيّل بتوقيع امرأة!

من خلال قراءة موضوعية وحيادية متأنية لردود الأفعال quot;الذكوريةquot; على نص من المفترض أنه يتمتع بجراءة أدبية جمالية تم نحتها في مركّبات لغوية دقيقة في دلالاتها، وعابرة للثقافات في حمولاتها البلاغية، أن قراءة هؤلاء quot;البعضquot; للاستعارات والمجازات اللغوية كانت قراءة كيديّة، مبيّتة النوايا، وقاصرة، تقوم على الاستقطاع اللفظي والعزل البياني والإسقاطات الشوهاء. وقد انقسم هؤلاء في رأيي إلى فئتين لاثالث لهما، أما الأولى فهي ما أدعوها فئة quot;الجينو- سايكوتيكquot; أي المصابين بالهواس الجنسي، يقابلهم في الطرف الآخر quot;الجينوـ فوبياتيكquot;، أي فئة المصابين بالرهاب من الجنس.

لا أريد السقوط في مطبّ التعميم هنا، لأن التعميم والشمولية ليسا سوى عقدتين مضافتين إلى عقدنا المستطيرة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن شريحة واسعة ممن يجوز وصفهم بأحاديي الثقافة، ما زالت تقرأ النص الإبداعي بمنظار أصولي سقيم، والحال هنا يمعن في التطرّف حين يصادف أن كاتب النص: امرأة! القراءة الأصولية في هذا المقام تصبح، تلقائيا، نزوعا إلى إلباس كاتبة النص عاقبة جنوحها إلى حافات ما يطلقون عليه صفة quot;المحظورquot; وquot;المنكرquot; وquot;الهرطقيquot;، هذا بداية، ثم سرعان ما يتصعّد هذا الإحساس، عند هذا النوع من القارئ، بصورة عصابية موتورة، مجيشا منه المكبوتات التاريخية مجتمعة، تلك التي تعود به إلى تفاصيل عقده الذكورية العنصرية ونظرته الشهريارية المتعالية على ذلك الكائن quot;الرغبويquot; الذي إذا نطق إنما ينطق عن الهوى!


الأصولية ليست عاهة دينية وحسب، بل هي التهاب في سحايا الدماغ العربي، منذ داحس والغبراء إلى اللحظة التي أسطر فيها هذه الكلمات، ما خلّف لدينا شللا رؤيويا في البصر والتبصّر، مستعصيا على العلاج أوإعادة التأهيل. إنها القبضة المتشنجة على حنجرتنا، والنظرة الأحادية للعالم المحيط بنا، بمتغيراته وثوابته كافة. هي انكماش في زوايا من التاريخ غامضة لا مخرج لنا من ظلمة كهوفها وشبكة عناكبها وخفافيشها الأسطورية. الأصولية هشاشة بنيوية لا نجد انعتاقا من رواسبها العقائدية والأبارثيدية، بل نمعن منها، كل يوم، إيغالا في دوائرالانقسام على الذات، والتخبط في طميّ الشيزوفرينيا.

متى نتعلم أن نقف وقفة موضوعية وحيادية من الذات أولا، والعالم تاليا، وقفة تساعدنا على نقد التاريخ والحاضر في آن، واستيلاد سياقات ذهنية تُجاري العصر، والخلوص، نتيجة، إلى إعادة تصويب مسارنا السوسيولوجي الذي أدخلنا في زواريب من الاكتئاب الثقافي، ما سيودي بنا إلى انتحار جماعي على طريقة الحيتان الضالّة؟

متى نتعلم أن نقرأ بدافع الاستيعاب الجمالي والنقد العلمي المترفّع عن الإدانات الجاهزة والتهويش العصابي والنزعة الديماغوجية والإسقاطات الغثة لما يفترض أنه سياق أدبي إبداعي إيسثيتيكي بحت؟


في نص quot;أفعى في بنطلونquot; مقاربة تخييلية جمالية لقصيدة فلاديمير ماياكوفسكي الأشهرquot;غيمة في بنطلونquot;. ومحاكاة للتجربة الحياتية الأميركية لمرح البقاعي ـ على تواضع مسيرتها الشعرية ـ مقارنة بالشاعر العابر للعصور فلاديمير ماياكوفسكي، وذلك بزخم شعري يشدّ من أواصر الحبكة في النص، وينحت هيئته الرمزية، في معالجة بينيّة لتقاطع شرطي الزمان والمكان للتجربتين. أما القارئ الفصامي، من فئة أصحاب الهواس أو الرهاب الجنسيين، فلم يجد في مقام المجاز من عنوان النص هذا إلا استعارة محسوسة لتفاصيل فحولته!

متى يتحرر هذا الصنف من القارئ ـ الذكر من لوثة ثقافته الكبتية وتعليبه المرأة، في الظلاميّ من زواريب دماغه، في مشاهد ثلاثة أزلية: أيقونة من جبس، غانية من شهوة، أو منقّبة من تمر! متى يتعلم أبجدية الجسد وشرطه؟ متى يعترف لنفسه أن المرأة التي من لحم وعصب، هي أيضا تجوع، تصرخ، تقترب، تكتئب، تشتهي، تعتزل، تنتشي، تكفر، تمارس الحب، أو تتصوف!


يحضرني هنا ما كتبه حنا عبود في ترجمته لرؤى كاسندرا بريام، قال: quot; الإنتاج الأدبي مضطر أن يكون جمالياً، فلا يشيع بين الناس العلاقات المادية الشائهة. إن المتنبي الذي مدح حاكم مصر كان يخاطبه بما يجب أن يكون عليه الحاكم الصالح، وعندما هجاه كان يرسم معالم الحاكم الشيطاني، وفي هذه النقطة بالذات تكمن أخلاقية الأدب الجمالية.

مرح البقاعي
* بعض الروابط التي يتوفر عليها نص quot;أفعى في بنطلونquot;:

http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2008/7/344903.htm