-1-
الجرائم الدولية في إقليم دار فور

يحتل اقليم دار فور حوالي خمس مساحة الاراضي السودانية وهو يقع في اقصى غرب السودان وقد بدأت شرارة النزاع بين القبائل العربية والقبائل الاخرى عام 1998 واستمرت الصراعات بصورة متقطعة منذ تلك الفترة وصارت منطقة صراع مستمر امتدت تاثيراته على دور الجوار ومنها تشاد. ويشير تقرير منظمة ( Human Rights Watch ) لعام 2007 بأنه ((منذ مطلع عام 2003 والقوات الحكومية السودانية ومعها قوات الميلشيات المعروفة باسم quot;الجنجويدquot;، ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على نطاق واسع في إطار عمليات القمع ضد حركات التمرد في دارفور غربي السودان، في المنطقة الواقعة على الحدود مع تشاد. وقد تعرض أكثر من مليونين من سكان دارفور المقدر عددهم بستة ملايين، إلى التشريد القسري من ديارهم منذ فبراير/شباط 2003، نتيجةً حملة quot;التطهير العرقيquot; التي تساندها الحكومة ويجري تنفيذها ضمن سياق النزاع الداخلي المسلح. ورغم وفرة الأدلة على دور الحكومة السودانية في ارتكاب الجرائم، إلى جانب الميليشيات الإثنية الحليفة لها المعروفة باسم quot;الجنجويدquot;؛ فإنها تواصل إنكار دورها في تلك الانتهاكات وتعمل على التهوين من حجم الأزمة )).


ثم يضيف التقرير أيضا:(( ويقيم حالياً زهاء مليوني شخص مشرد في المخيمات والمدن، وهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية اعتماداً كلياً، ولا يستطيعون العودة إلى ديارهم وحقولهم؛ بسبب تواصل الهجمات والاغتصاب والنهب والاعتداء من جانب الميليشيا المدعومة من الحكومة، وغيرها من الجماعات المسلحة. وثمة مليون شخص غيرهم بحاجةٍ إلى الغذاء وغيره من أشكال المساعدة بسبب انهيار الاقتصاد وتفشي حالة انعدام الأمن)).


ولاشك ان هذه الانتهاكات تدخل في نطاق مفهوم الجرائم الدولية International Crimes والمقصود بها هي الافعال غير المشروعة التي تقع في اثناء النزاعات المسلحة مثل جرائم الابادة للجنس البشري وجرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد الانسانية وهذه الافعال غير المشروعة قد تقع بفعل مادي ايجابي مثل القتل والاغتصاب والايذاء او تقع بفعل سلبي مثل حجب المياه والطعام عن مجموعة بشرية ووضعها تحت حصار قاس بهدف الابادة. وهذا ما ينطبق على واقعة دارفور في غربي السودان حيث يتضح منها وجود أوامر صادرة من مسؤولين في الدولة السودانية وتحت ذريعة مصلحة البلاد وحمايتها بارتكاب هذه الجرائم مما يخالف قواعد القانون الدولي ويضع العقاب على الفاعلين لهذه الجرائم ويستوجب حماية السكان المتضررين منها. ومما يدخل في الفعل السلبي عدم اتخاذ المسؤولين في السودان الاجراءات الواجبة للحيلولة دون وقوع هذه الجرائم من خلال موقفهم الصامت وتجاهلهم لها وعدم منع الفاعلين. ومن هنا فأن الجريمة اما ان تقع بفعل ليجابي او بفعل سلبي ( جريمة الترك أو الأمتناع ).


-2-
المحكمة االجنائية الدولية

International Criminal Court - ICC
دخل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ في 1 تموز 2002 بعد مصادقة 60 دولة وهو الحد الأدنى لذلك، وقد كانت الغاية من إنشائها محاسبة المجرمين عن جرائمهم العمدية الخطيرة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الضحايا وبالتالي منع وقوع مثل هذه الجرائم التي تمس الرفاه والاستقرار الدولي وتطبيق المعايير الدولية في حماية حقوق الأنسان من أية انتهاكات طبقا لقواعد القانون الدولي الانساني.وقد احتفلت الجمعية العامة للامم المتحدة وبرعاية الامين العام بان كيمون قبل أيام بالذكرى العاشرة لتاسيس المحكمة التي بدأ تأسيسها في اجتماعات روما عام 1998.


ولا شك ان محاسبة الفاعلين وكل من تثبت إدانته، فاعلا وشريكا ومساهما في الجرائم، لا يعد تدخلا في الشؤون الداخلية للدول التي تحصل فيها جرائم إبادة الجنس البشري والاغتصاب وجرائم الحرب وغيرها من الجرائم التي تمس صلب الحقوق الاساسية للبشر وحقهم في الحياة وسلامة الجسد من الضرر. ومن هنا أرتبطت نشاطات هذه المحكمة بالامم المتحدة ونشاطاتها الدولية وأهدافها في حفظ الامن والسلام حيث تختص بالجرائم الاكثر خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي ولهذا سميت بالقضاء الدولي لأن القضاء الوطني لا يستطيع القيام بدوره في هكذا جرائم على درجة من الخطورة ولأن القضاء الوطني لا يمكن ان يكون مستقلا وشفافا في ظل الأنظمة الدكتاتورية.


وطبقا للمادة 5 من النظام الاساسي للمحكمة فانها تختص بالنظر في عدد من الجرائم موضع إهتمام المجتمع الدولي وهي: جريمة الابادة الجماعية،الجرائم ضد الانسانية مثل الاغتصاب والتعذيب والاسترقاق والاستعباد وابعاد السكان، جرائم الحرب، وجريمة العدوان. وتختص المحكمة في النظر بالجرائم المذكورة التي ترتكب بعد 1 تموز 2002 ولهذا لا تنظر الجرائم التي وقعت قبل هذا التاريخ (المادة 11 ).


تسري أحكام المحكمة على الدول الأطراف في هذه المحكمة لأنها صادقت على النظام ووافقت على الخضوع للقضاء الدولي، اما الدول التي لم تكن طرفا فيها ولم تصادق على نظامها الأساسي ( مثل السودان ) فان طريقة الخضوع لأحكام القضاء الدولي يكون برفع المحكمة توصية الى مجلس الامن الدولي لاصدار قرار يلزم الدولة بتنفيذ الأحكام وفقا للمادة 51 الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. والى هذا ذهبت منظمة (هيومن رايت ووتش ) حيث جاء في تقريرها لعام 2007 ((وبما أن السودان ليس طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن المحكمة لا تستطيع التحقيق في جرائم دارفور وملاحقتها قضائياً إلا بموجب إحالةٍ من قبل مجلس الأمن الدولي. وقد أحال المجلس الوضع في دارفور إلى هذه المحكمة في مارس/آذار 2005. وبعد توصله إلى أن الجرائم في دارفور تقع ضمن اختصاصها، فتح المدعى العام لويس مورينو أوكامبو التحقيق في يونيو/حزيران 2005، وهو يقدم إلى مجلس الأمن منذ ذلك الوقت تقريراً نصف سنوي عن سير التحقيق )).


لقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم 10 تموز 2008 بيانا بينت فيه بكل وضوح بانه طبقا لتقرير بعثة الأمم المتحدة في دارفور ووفقا لتحقيقات المحكمة والحقائق التي توصلت اليها فقد احالت الى مجلس الامن الدولي كل هذه الادلة وشرع مجلس الامن في دراسة الحالة فاذا صدر قرار مجلس الأمن الدولي بمحاسبة المتهمين عن ارتكاب الجرائم الواقعة ضمن إختصاص المحكمة حينئذ وجب تطبيق العدالة الدولية واحضار المتهمين للقضاء الدولي بالقوة الدولية، وهو ما يدحض مزاعم السلطة السودانية من انها ليست طرفا في الموضوع ولا ولاية للقضاء الدولي على السودان.

-3-
لا حصانة مطلقة لرئيس الدولة السوداني

يحاول البعض نفي وتبرير الجرائم في دارفورد بزعم إن ( من الناحية القانونية تتمتع القيادة السودانية بحصانة الدولة وهو مبدأ مستقر في القانون الدولي واكدته محكمة العدل الدولية...) وهو كلام غير دقيق حيث تشير القواعد العامة للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية ومنها إتفاقية منع ابادة الأجناس والمعاقبة عليها لعام 1948 ان لا حصانة للمتهم بالجرائم العمدية الخطيرة ويراد بها الجرائم الدولية التي ترتكب بقصد جنائي وان الجاني يريد الوصول الى النتائج بوسائلة الأجرامية.


اما دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام 2005 والذي صدر بعد توقيع اتفاقية السلام مع الجنوب واستمد أغلب قواعده من دستور عام 1998 فانه ينص في المادة 60 صراحة على تمتع رئيس الجمهورية والنائب الاول بحصانة في مواجهة اي اجراءات قانونية ولا يجوز اتهامهما في اي محكمة اثناء فترة ولايتهما ويجوز توجيه الاتهام امام المحكمة الدستورية في حالة الخيانة العظمى او الانتهاك الجسيم لاحكام الدستور او السلوك المشين المتعلق بشؤون الدولة.


ولا يخفى على حصيف بأن أغلب الجرائم الدولية ترتكب في أنظمة الحكم الشمولية تحت غطاء الدستور والقوانين وباسمها بحجة الحفاظ على سيادة الدولة وعلى المصلحة الوطنية العليا كما هو الوضع في السودان، وكذلك الجرائم التي ارتكبها نظام صدام في العراق ضد الكورد والشيعة حيث لم تسعفه الحصانة التي وضعها في الدستور العراقي لعام 1970 لحمايته وأركان نظامه، وجرت محاكمتهم علنا ونالوا جزاؤهم العادل.


ولهذا ليس لهكذا نص دستوري ( ونقصد حصانة الرئيس والقادة ) قيمة أمام علوية القواعد القانونية الدولية ولأحكام القضاء الدولي ولمن يرتكب جرائم الابادة للجنس البشري او جرائم الحرب او الجرائم ضد الانسانية او جرائم العدوان. وطبقا لنص المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فانه لا حصانة لأي شخص مهما كانت صفته الرسمية او الوظيفية سواء أكان رئيسا لدولة او حكومة او غير ذلك، كما نصت المادة 28 ايضا على مسؤولية القادة والرؤوساء المباشرة عن هذه الجرائم وهي ليست سياسية حتى ولو ارتكبت بباعث سياسي وانما هي جرائم عمدية وفي مرتبة الجنايات في القانون الجنائي الدولي.


لقد تطورت قواعد القانون الدولي الى الدرجة التي قيدت من مفهوم السيادة المطلقة للدولة فوضعت القيود على هذا المفهوم بهدف حماية حقوق الانسان كما تطورت قواعد القضاء الدولي وصارت توجه الاتهام حتى لرؤوساء الدول وهم على كرسي الحكم انطلاقا من ذات المفاهيم الانسانية ولكي لا يتوهم الحاكم بانه يتمتع بحصانة وفقا لقوانينة الوطنية او بحجة ممارسته لاعمال السيادة. أما ما يشار الى ان المحكمة الجنائية الدولية تفتقر للجهاز التنفيذي لضمان تطبيق الاحكام الصادرة عنها فهذا غير صحيح لان المحكمة هي على صلة بمنظومة الامم المتحدة وان مجلس الامن الدولي قادر على تنفيذ الاحكام بالقوة الدولية لكي لا يفلت المجرمون من العقاب.
وعلى هذا الأساس فأن الرئيس السوداني سيلاحق قضائيا عن الاتهامات الموجهة اليه من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن جرائم الابادة للجنس وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية في دارفور لأنه الرأس المدبر لابادة قبائل افريقية في هذه المنطقة وما على الرئيس السوداني والمتهمين معه إلا أن يثبتوا براءتهم امام القضاء الدولي وفقا لمحاكمة دولية عادلة وشفافة في لاهاي ndash; هولندا مقر المحكمة.


ولا نعتقد في هذا السياق بإمكانية استفادة هؤلاء المتهمين من أحكام نص المادة 16 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تنص على امكانية ارجاء التحقيق او المقاضاة إثني عشر شهرا لأن هذا مرهون بموافقة مجلس الأمن الدولي، واحتمالات هذه الموافقة ضعيفة، وهو ما تحاول ان تسعى له جامعة الدول العربية. كما لانعتقد بامكانية حصول تسوية مع السودان بتسليم بعض المسؤولين عن الجرائم في دارفور على غرار التسوية التي حصلت في قضية لوكربي في ليبيا.


-4-
جامعة الدول العربية وقضية الرئيس السوداني

في تصريح للسيد عمر موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، و تعقيبا منه على قضية إتهام السيد عمر البشير من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى هامش الأجتماع الطارئ لجامعة الدول العربية يوم 19 -7 ndash; 2008 قال ( ان التعامل مع الازمة يجب ان يكون من الناحية القانونية حيث إن لرؤوساء الدول حصانة....) وهو يشير بذلك الى إن الرئيس السوداني حتى وإن قام بهذه الجرائم فانه يتمتع بحصانة، وهذه الحصانة تنبع من أعمال السيادة.


ولكننا نعتقد إن هذا الكلام غير دقيق من الناحية القانونية والواقعية، حيث إن حصانة رؤوساء الدول غير مطلقة لا داخليا ولا دوليا حينما يتعلق الأمر بارتكاب الرئيس للجرائم الدولية ومنها جرائم ابادة الجنس البشري وجرائم التعذيب والاغتصاب وجرائم الحرب وكل الافعال التي تتعلق بانتهاكات القانون الدولي الانساني، وهذا ثابت تاريخيا الى درجة إنه صار سابقة قانونية، فضلا عن النصوص القانونية في هذا الشأن.


إضافة الى ذلك فأن قواعد القانون الدولي الجنائي المتعلقة بحقوق الأنسان انما هي قواعد آمره وليست طوعية التنفيذ، كما أن سيادة الدول لم تعد مطلقة وانما تقيدها قواعد القانون الدولى والأخلاق الدولية من أجل حماية حقوق الانسان، وبخلاف ذلك يعني إفلات المجرمين من العقاب، وهو أمر مناف للعدالة الدولية.


ومن جهة أخرى أعلن وزير العدل السوداني بأن لا ولاية قضائية للمحكمة الجنائية الدولية على السودان لأنها ليست عضوا فيها ولم تصادق عليها وهي ليست من الدول التي إنظمت الى اتفاقية روما لعام 1998، وهو زعم غير قانوني لأن ولاية المحكمة الدولية لا علاقة لها بانضمام الدولة او عدم إنضمامها، وانما جاء قرار الاحالة للرئيس السوداني طبقا لمعطيات دولية حيث كانت البعثة الدولية للأمم المتحدة موجودة في دارفور التي هي مسرح للجرائم التي ارتكبت من الحكومة السودانية تنفيذا لأوامر رئيس الدولة وللتسهيلات والدعم اللوجستي التي اعطيت للجنجويد والتي هي مليشيات عربية مدعومة من حكومة البشير واقترفت جرائم السلب والنهب والقتل والاغتصاب وترحيل السكان.


-5-
المسؤولية المباشرة للرؤوساء والقادة أمام القضاء الدولي

إن هذا المبدأ ( مسؤولية الرؤوساء والقادة عن الجرائم الدولية ) ليس جديدا في المجتمع الدولي فقد برز قبل الحرب العالمية الأولى إلا إنه عرف بصورة واضحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث طبق بصورة صريحة وواضحة على القادة والرؤوساء في محاكمات الحرب العالمية الثانية التي شكلت أساسا للقضاء الجنائي الدولي سواء أكان هؤلاء قد قاموا بأصدار الأوامر بارتكاب هذه الجرائم أو لعدم قيامهم بما يلزم لمنع وقوعها، وقد طبق هذا المبدأ في محاكمات نورمبرغ وخاصة على رؤوساء الحكومات اليابانية وعلى وزير الخارجية الياباني بين الاعوام 43- 45 وعلى وزير الداخلية في الحكومة النازية وعلى رئيس أمن شرطة الرايخ، ويمكن القول أن إتفاقية لاهاي الرابعة المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 هي أول اتفاقية جماعية تنص على مبدأ مسؤولية القادة والرؤوساء عن جرائم مرؤوسيهم وكذلك إتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949، وتم النص على هذا المبدأ في اتفاقية منع إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها لعام 1948 (المادة 3)، كما تأكد بصورة واضحة في البروتوكول الأول الاضافي الى إتفاقيات جنيف الخاصة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية لعام 1977. وقد طبق هذا المبدأ بشكل صريح في اثناء محاكمة مجرمي الحرب في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا اثناء محاكمة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش وبعض أركان نظامه، وطبق أيضا على الدكتاتور الشيلي السابق بينوشيه، وعلى الرئيس التشادي السابق.


كما أعتمد هذا المبدأ في المحكمة الجنائية الخاصة برواندا طبقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 955 لسنة 1994، وهو مبدأ نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي سيحال اليها الرئيس البشير، هذا فضلا عن إن القضاء العراقي أخذ بهذا المبدأ في محاكمة صدام حسين وأركان نظامه من العسكريين والمدنيين طبقا للقانون رقم 10 لسنة 2005 وهو دليل على إن السوابق القضائية الدولية فضلا عن الأدلة القانونية تكشف صراحة على إن حصانة رئيس الدولة ليست مطلقة عندما يتعلق الأمر بأنتهاك قواعد القانون الدولي الانساني، وهذا ما يدحض بقوة مزاعم السيد عمر موسى أمين عام جامعة الدول العربية الذي تذرع بوجود حصانة لرئيس دولة السودان كما بينا سابقا، سواء أكان السودان عضوا موقعا على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أو لم يكن كذلك إذ لا عبرة بكون الدولة طرفا أم ليست بطرف لأن قوة الالزام بتنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة يأتي بغطاء دولي، وهو قرار مجلس الأمن الدولي، لأن المحكمة هي احدى هيئات الأمم المتحدة.


إننا نعتقد أن تحرك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني باصدار مذكرة إلقاء القبض عليه وإعداد لوائح اخرى ضد متهمين آخرين عن الجرائم في دار فور انما هي خطوة مهمة و انتصار للعدالة وتعزيز لسلطة القانون الذي سيحقق الأمن والاستقرار في العالم، لأن السكوت على جرائم سياسة الأرض المحروقة من إبادة للجنس البشري واغتصاب ونهب وسلب للأموال وقتل وتشريد للسكان انما هو مشاركة في هذه الجرائم، إذ لا يجوز للمجتمع الدولي أن يبقى صامتا أو غافلا عنها لأن هذا يشجع على الظلم وينتهك حقوق الأنسان ويزعزع الأمن ليس في المنطقة فحسب وانما في العالم، وعلى المجتمع الدولي أن يقف مع المظلومين وينصفهم ويمنع الفوضى.


كما نقف داعمين لسلطة القانون وضد مبدأ السيادة المطلقة للدول وضد أي تبرير بوجود حصانة لرؤوساء الدول والحكومات وغيرهم من القادة العسكريين والمدنيين المباشرين وغير المباشرين لأن الأنتصار للعدالة الدولية انما ضمان لمنع إستمرار سياسة إنتهاكات حقوق الانسان التي صارت منهجا مؤسفا في كثير من دول العالم مما يوجب تفعيل قواعد القانون الدولي الانساني التي صارت قواعد آمرة واجبة التنفيذ بالقوة ومن الأمثلة على ذلك تدخل الأمم المتحدة في العراق بموجب قرار رقم 688 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 5 نيسان 1991 لحماية العراقيين من بطش نظام صدام الدكتاتوري وكذلك تدخل مجلس الأمن الدولي في يوغسلافيا سابقا بموجب المادة 51 ndash; الفصل السابع لحماية حقوق الأنسان ومحاسبة الرئيس الصربي.


إن قواعد المسؤولية القانونية توجب معاقبة المتهمين الذيت تثبت عليهم الجرائم المرتكبة في دارفور وتعويض المتضررين ماليا ومعنويا من خزينة الحكومة السودانية، كما لا يجوز العفو عن هؤلاء المجرمين لا عفوا عاما ولا عفوا خاصا، وإن جرائمهم لا تسقط بمرور الزمان ولا يحق لهم الحصول على حق اللجوء الانساني أو السياسي، ولا تثبت لهم أية حصانة، ولا يجوز لهم التذرع بقواعد السيادة أو الحفاظ على مصلحة البلاد أو العباد.


إن عصر ملاحقة الحكام العرب المستبدين طبقا لقرارت مجلس الأمن الدولي قد بدأ منذ إعتقال صدام حسين من قوات التحالف الدولي ومن ثم إجراء محاكمته أمام محكمة جنائية عراقية وصدور الحكم عليه وعلى بعض القادة من مساعديه بتهم جرائم ضد الأنسانية وجرائم الابادة، وقد تلى ذلك تشكيل محكمة وبقرار خاص من مجلس الأمن الدولي لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السيد رفيق الحريري والمقصود بذلك طبعا هو بشار الأسد رئيس الجمهورية السورية مع بعض أركان نظامه، والقضية الأخرى وليست الأخيرة هي توجيه الاتهام المباشر والصريح لرئيس دولة عربية وهو على رأس سلطته الشمولية، ونعني الرئيس السوداني، الذي يجمع بيده كل السلطات، ويعد من الشخصيات العسكرية التي ساندت صدام وبشاعة حكمه، وهذا دليل على إن أنظمة الحكم الدكتاتورية بدأت تتآكل بقوة القانون وبحزم المجتمع الدولي.

الدكتور منذر الفضل