عبدالرحمن المنصور

إيلاف من الرياض: بعد أن خرج من السجن في عام 1964 وحتى هذا صباح هذا اليوم الذي مات فيه، لم يعرف للشاعر السعودي عبدالرحمن المنصور أي قصيدة، وظل طوال تلك العقود الماضية يعيش في صمت مطبق. ولكن المنصورترك خلفه العديد من الذكريات الأدبية والمهنية المهمة التي عادت من جديد مع نبأ إعلان وفاته.

ولد الشاعر عبدالرحمن المنصور في محافظة الزلفي (وسط السعودية) عام 1920 وتوجه إلى مدينة الرياض وهو لم يتجاوز الـ 11من عمره، وعمل في خدمة مفتى الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم ولكنه قرر تركه عندما إلتقى بالمؤرخ السعودي حمد الجاسر في مكة الذي أقنعه بالبقاء والدراسة في المعهد السعودي في مكة.

واحتضنه الشيخ حمد الجاسر الذي أسكنه معه في ذات الغرفة وأدخله المعهد وعلمه حروف الهجاء بالكتابة على بقايا قطع القماش الملقاة في السوق. وأوصى الجاسر وزير المالية السعودي آنذاك الشيخ عبدالله السليمان بصرف مكافأة شهرية(20 ريال) لهذا الشاب النجدي النابه الذي كان يرى له مستقبلاً واعدًا.

ابتعث بعد ذلك الشاعر المنصور إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف ليحصل على البكالوريوس في الشريعة الفلسفة واللغات الشرقية ومن ثم نال شهادة الماجستير من جامعة عين شمس في علم النفس والتربية. ليعود بعد ذلك إلى السعودية ليعمل مفتشًا عامًا في مصلحة العمل والعمال بالظهران التي استقطبت عددًا كبيرًا من أصحاب الأفكار الشيوعية، وعمل بعد ذلك مديرًا عامًا لشؤون العمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وتبرز قيمة المنصور المهنية بأنه أول من وضع نظام العمل في السعودية. أما قيمته الأدبية الطاغية على مشواره فتبرز بعدة وجوه. فالمنصور يعد رائد الشعر الحديث في نجد، وذلك عندما نشر قصيدة النثريةquot; أحلام الرمالquot; وذلك في أول عدد من مجلة اليمامة الصادر عام 1952. وهو الذي كتب القصيدة المشهورة في نقد رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما شاهد تصرفاتهم بعد عودته من مصر. تقول مطلع القصيدة:
وتثاقلت نفسي تُدمدم في الطريق
شعثاء جلّلها غُبار الراكضين
الراكضين بلا ضمير
الراكضين بلا عقول
الراكضين مع الرياح
أنى تميل
أنفاسهم فيها.. عذاب
أيديهم.. ظُفْر وناب
يمزّقون وينهشون
كل المشاة.. على الطريق

كما أن له العديد من القصائد التي تعد تمردًا وخروجًا على الطريقة التقليدية القديمة.وأعتنق المنصور الفكري الشيوعي في وقت مبكر الأمر الذي أثر على قصائده التي جاءت ثائرة ومتمردة وتلمح إلى الفقر والطبقية،وهو الذي أدى إلى سجنه في نهاية الأمر هو و مجموعة من الأدباء السعوديين، وإعفائه من عمله كوكيل لوزارة العمل. وبعد أن خرج من السجن انغمس في مرحلة طويلة من الصمت لم تنتهي إلا بوفاته صباح اليوم.

لم يصدر الشاعر المنصور أي ديوان، ولم يكن حتى يحتفظ بقصائده،وأصدر عنه الكاتب السعودي محمد السيف كتاب بعنوانquot; من رواد الشعر السعودي الحديث:عبدالرحمن المنصورquot;، ويتضمن هذا الكتاب الوحيد الذي تم تأليفه عن المنصور نصوصه الشعرية والدراسات التي كتبت عنه والمقابلات الصحفية التي قام بإجرائها.

الشاعر المنصور الذي عرف في يوم من الأيام بثوريته وتمرده على الواقع اختار أن ينزوي و يصمت وهذا ما حققه طيلة 45 عامًا ولكن خبر وفاته كسر هذا الصمت، ومن المؤكد انه سيظل عالقًا في أذهان الكثيرين بصورة الشاعر الرائع و الثائر الذي احتفظ بالكثير من إبداعه لنفسه.

مطلع قصيدة quot; أحلام الرمالquot;:

أحلام الرمال
مات الرجاء
والفجر لاح
والهضب في غلائله أقاح
وعلى الرمال النائمات على الظمأ
الحالمات
جفونها بالارتواء
فاح الشّذى
شذى زهور لا ترى
قد ضمها
جفن الرمال الحالمات
هي كالصدى
هز الكهوف
فتراعشت منه الذُّرى
من صوته الدَّاوي المخيف
لن يمنع الجبل الصّدى الداوي
تردده الكهوف
لن تقطف الأيدي زهوراً لا تُرى
وإن زُكِمَتْ بعبيرها الوردي أنوف