(الجزء الثاني)

الجزء الأول

عبد الجبار العتابي من بغداد: نتواصل في حوارنا مع الشاعر العراقي طالب الحيدري الذي يعد احد الشعراء المهمين والذي عاصر احداثا وشخصيات لها حضورها على الواقع العراقي في مراحله المختلفة، وهنا نحاول ان نتعرف على وجهات نظره في العديد من الاشياء والاسماء، وهو هنا يتحدث بصراحة.


في خلوتك لمن من الشعراء تقرأ؟
- في المقدمة منهم اقرأ للشريف الرضي وابو فراس الحمداني واحمد شوقي، لان لديهم مميزاتهم الخاصة وشخصياتهم المؤثرة.

* من تعتقد يستحق لقب شاعر القرن العشرين؟
- من الصعب التحديد، انا غير محيط بكل الشعراء وكنت دائما مشغولا بدراساتي، ولكن تستطيع ان تسألني بمن اعجبت خلال تلك السنوات، فأقول لك: ايليا ابو ماضي وابو شبكة وبشارة الخوري وخليل مطران.

* الا ترى ان هؤلاء الاربعة لبنانيون؟
- لم انتبه الى كونهم لبنانيين وذكرتهم عفو الخاطر، وحين ابدي اعجابي بهم لكونهم في مقدمة المجددين.

* لم تذكر انك معجب بالجواهري وهو شاعر العرب الاكبر لماذا؟
- اليسار العراقي هو الذي خلق من الجواهري اسما كبيرا واعطاه هذا الحجم، وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي مع انه كان معروف بقلقه وعدم ثبوته على مبدأ، وقد مدح من لا يستجقون المديح، لديه قصيدة في مدح الوصي عبد الاله واخرى في مزاحم الباجه جي، وكانت مواقفه هزيلة ولا يستقر على قرار.

* وشعره.. كيف تراه؟
- لا شك انه مدرسة، والكثيرون تأثروا بها، ولا يمكن نكران الواقع، ولكن كيف وصل الى هذا المستوى من الشهرة، ان اليسار العراقي هو الذي اوصله، وهناك شعراء اقران له ولكنهم سكتوا ومنهم الشاعر علي الشرقي.

* الا يمكن النظر الى شعر الشاعر فقط ومستواه العالي؟
- الشعر موقف، وهو يمثل الامة وضمير الشعب ولسان حال المجتمع الذي يعيش فيه ويجب ان يحسب لسلوكه وسيرته حسابا، فليس الشاعر مجرد كتابة قصائد وانما هو مثل يحتذى به، والا فلا خير في الشعر بدون مواقف تتماشى ومصلحة الامة التي ينتمي اليها والشعب الذي هو معبر عنه.

* هل ندمت على قصيدة كتبتها؟
- كثيرا.. ما يندم الشاعر على قصائد كتبها ويندم على الاستعجال في نشرها، انا لم اقف موقفا مشينا، والناس تعجبوا حين قبلت المشاركة في تأبين روفائيل بطي صاحب جريدة البلاد لانه كان مع السلطة، ولكنني ألقيت قصيدة، عندما القيتها قام نوري السعيد غاضبا ومذعورا، وانا مستمر في القراءة، فقد انتهزت المناسبة هذه فعبرت عما يريده الشعب وما يمس الوضع القائم انذاك، وفي القصيدة دعوت الى التغيير والثورة.

* ألم تمتدح احدا من السياسيين؟
- اطلاقا.. لم امدح احدا، لاني امثل الشعب، ولا اخفي عليك ان عبد الكريم قاسم بذل المستحيل من اجا ان يصل الي ّ او اصل اليه، ولكن كنت افضل عدم الاتصال بأي حاكم، وذات مرة امام الجواهري قال فاضل المهداوي في نادي المنصور (اذا يوجد فضل لشاعر على الثورة، فالفضل يعود لهذا (واخذ بيدي)، واضاف المهداوي: ان الزعيم قاسم كان يردد اشعاره، كما ان المهداوي نفسه في احدى مرافعات محاكماته الشهيرة قرأ قصيدة لي، والطريف في الامر ان هذا كان اثناء محاكمة توفيق السويدي الذي كان يصحح للمهداوي قراءة القصيدة!!.

* لماذا لم تتصل بعبد الكريم وانت كنت من مؤيدي الثورة؟
- انا موقفي هذا، عدم الاتصال بالحكام اطلاقا، اريد ان اكون ارفع من ذلك، لا اريد الانزلاق والخروج عن موقفي كمعبر عن الشعب.

* قبل اشهر اعتذرت عن استلام درع الثقافة لماذا؟
- انا اكره الدروع وتعودت في كل المواقف ان اتقحم الميادين حاسرا وبدون دروع، انا درعي القصيدة، كما ان لي رأيي الذي هو (ان الوزير الذي يتفضل عليّ انا اجلّ منه وارفع).

* الا ترى ان هذا غرور؟
- بل انني اضعه في خانة التواضع، انا اريد ان ابقى في حياتي دون تكريم، ولكنني انتظر من الامة ان تكرمني بعد موتي!!.

* هل فكرت في كتابة مذكراتك؟
- مذكراتي في شعري، وفيه كل ما مر بي وبالعراق وبالامة العربية، وانا دائما احاول ان اكتب للجماهير وليس للخواص.

* خريج اي جامعة انت؟
- خريج جامعة الحياة، فكل ما تعلمته فيها، اما دراستي ففي الحوزات العلمية في الكاظمية والنجف.

* اية وظيفة لديك؟
- انا اشتغل بالتجارة، ولم اتوظف في اية دائرة حكومية ابدا.

* ما الذي تمثله المرأة لك؟
- تمثل لي الحياة بوجهها الباسم ودفئها، وانا مع المرأة في كل حقوقها لانها نصف المجتمع.

* والحب؟
- الشاعر بدون حب لا يكون شاعرا، والحب ليس للمرأة وحدها، بل الحب لكل جميل، الشاعر بدون حب لايكون عنده الاندفاع الحقيقي لكتابة ما يستحق الحياة والديمومة.

* اينك من شعر الغزل؟
- عندي عدد من الدواوين في الغزل، وكنت قد كتبت في امرأة لوحدها اكثر من 400 قصيدة، امرأة احببتها، وتغزلت بها، كما كتبت في طبيبة اشرفت على علاج عينيّ في عاصمة عربية ديوانا كاملا ، والكثير من شعري ذهب في مداهمات امنية مع وثائق كثيرة، وبالمناسبة انا اعد ّ الرثاء لونا من الوان الغزل، ذلك لان الحب هو الدافع الحقيقي للرثاء، سواء كان الحب عاطفيا او فكريا، وقد رثيت الكثير من القادة والمفكرين والفنانين ومنهم سعاد حسني واحمد زكي.

* تقول انك رثيت سعاد حسني وانت ابن الحوزات العلمية الدينية.. لماذا؟
- انا لا ارثي الا من احبه او احبها سواء كان الحب عاطفيا او فكريا كما قلت لك، وحين كتبت رثاء في سعاد حسني ذلك لانها كانت تحمل الاما كبيرة، وعلى الرغم مما فيها من الام الا انها كانت تحاول اسعاد الناس بفنها، وليس غريبا ان اقوم برثاء فنانة، فقد سبق للشيخ جواد الشبيبي ان كتب قصيدة ترحيب بأم كلثوم وكذلك فعل ابنه محمد باقر الشبيبي، وما كتبته هو دليل على تحرري وخروجي عن تقاليد البيئة والمقام الذي يشغله ويحتفي بالفن واهل الفن ويعطيهم حقوقهم، وكما يرثي الشاعر العلماء يرثي الفنانين.

* ما الخلاصة التي خرجت بها من تجاربك الحياتية الكثيرة؟
- خلاصة تجربتي في الحياة هي ان على الانسان ان يعطي ما يستطيع لناسه وان لا يتوقع المقابل عنه.

* هل لديك نية لطبع دواوين شعرية؟
- اعد ّ لطبع اربعة دواوين كبيرة وهي: المعلقات، الرحلة، المرايا وديوان المراثي، وتبدأ من بداياتي الى اليوم، من ما قبل الخمسينيات متسلسلة بتواريخ، وبعد هذه اتفرغ لاعداد وطبع (رباعيات طالب الحيدري) وتقع في اكثر من 5000 رباعية وهي عبارة عن نظرات في الحياة وتأملات في ما وراء الطبيعة، وبسببها اطلق عليّ البعض لقب (خيام العرب).