لندن: سجل سعر الخام الامريكي الخفيف مستوى قياسيا جديدا في بورصة نايمكس يوم الثلاثاء فوصل الى 44.24 دولار للبرميل وهو أعلى مستوى تشهده البورصة منذ أن بدأت العمل بعقود النفط الاجلة في عام 1983 . وفيما يلي بعض العوامل التي أسهمت في رفع أسعار النفط..

زيادة الطلب

أعطى النمو الاقتصادي الصيني دفعة كبيرة للطلب العالمي على النفط مع اجتذاب واردات هائلة من النفط الخام والمنتجات المكررة من مختلف أرجاء العالم. وما لم يهدأ النمو الاقتصادي الجامح في الصين يتوقع المحللون أن يواصل الطلب الصيني على النفط النمو على مدى عامين أو ثلاثة أعوام مما يشجع صناديق التحوط على المراهنة على أن أسعار النفط ستظل على ارتفاعها.

ومن المتوقع أن ينمو الطلب الصيني على النفط بمقدار 500 الف برميل يوميا أي بنسبة ثمانية بالمئة في العام المقبل بعد القفزة المتوقعة هذا العام بنسبة 14.5 بالمئة مع ارتفاع ملكية السيارات وتنامي احتياجات توليد الكهرباء. كما يتسارع الطلب الهندي على النفط. والنمو القوي الذي يشهده الاقتصاد الامريكي الذي يبتلع ربع اجمالي انتاج النفط العالمي يدفع المنافسة بين اسيا والولايات المتحدة على الامدادات. وفاجأت معدلات نمو الطلب المحللين في مؤسسات مثل وكالة الطاقة الدولية اذ خالفت توقعاتها. وثبت أن توقعات الاستهلاك كانت منخفضة للغاية وانها شجعت منتجي أوبك على تقييد انتاجهم بدرجة أكبر من المطلوب لمنع زيادة المخزونات.

وارتفاع الطلب يعني أن نقص الطاقة التكريرية الذي تعاني منه الولايات المتحدة على مدى الاعوام الاربعة الماضية قد امتد الان الى اسيا مما يجعل بدوره نظام امدادات النفط العالمي أكثر عرضة للاضطرابات.

الافتقار الى طاقة امداد اضافية ..

منذ أن تجاوزت الاسعار مستوى 40 دولارا للبرميل الذي هدد باضعاف النمو الاقتصادي العالمي زادت أوبك انتاجها الى أعلى مستوياته منذ 25 عاما في محاولة للابقاء على الاسعار تحت السيطرة. فلم يترك ذلك سوى القليل من الطاقة الانتاجية غير المستغلة خارج السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم.

وزيادة الاعباء على نظام الامدادات العالمي جعلته أكثر عرضة لاضطرابات الامدادات كما فاقمت من احتمالات ارتفاع الاسعار. واجتذب ذلك المزيد من عمليات الشراء من جانب صناديق التحوط التي تراهن على أن الاسعار قد ترتفع بدرجة أكبر.

وقالت مؤسسة بي.اف.سي انرجي الاستشارية ومقرها واشنطن في تقرير "زيادة انتاج أوبك الذي عادة ما يخفف من نقص الامدادات له بالفعل تأثير رافع للاسعار مع ادراك الاسواق لمحدودية ما يمكن أن تفعله أوبك."

وسعت شركات النفط كذلك للعمل بدرجة أعلى من الكفاءة بتحرير نسبة أكبر من رأسمالها عن طريق الابقاء على مخزونات أقل. قلل ذلك من الحماية التي تتمتع بها صناعة النفط من مخاطر الاضطرابات المفاجئة في الامدادات.

وخفضت موجة اندماجات في أعقاب انهيار الاسعار بين عامي 1998 و1999 عدد الشركات التي تملك مخزونات. وتراجعت المخزونات بسبب سلسلة من تعطيلات الامدادات في العام الماضي منها حرب العراق والاضراب العام في فنزويلا والاضطرابات العرقية في نيجيريا.

وعملت أوبك المسؤولة عن نحو نصف الصادرات العالمية كذلك في الاعوام القليلة الماضية على الحد من زيادة المخزونات خاصة في الولايات المتحدة خلال فترات الانخفاض الموسمي للطلب.

وأعلن الوزراء خططا لخفض الانتاج قبل أن تبدأ الاسعار في النزول فعليا مما أسهم في خلق ظروف مواتية للاستمرار في تسعير النفط في السوق الفورية بعلاوة على أسعاره في التعاقدات الاجلة. وهذه الحالة لا تترك فرصة للمصافي لتعزيز مخزوناتها من النفط أو منتجاته بأسعار أقل وتضطرها للشراء في اللحظة الاخيرة.

التوترات السياسية في الدول المنتجة للنفط ..

قوضت التوترات السياسة في الشرق الاوسط وأعمال العنف في العراق ثقة المتعاملين في أمان الامدادات من المنطقة التي تضخ ثلث النفط العالمي. فصادرات العراق تضررت بسبب هجمات تخريبية.

ويخشى المتعاملون أن يستهدف متشددون اسلاميون البنية الاساسية النفطية في السعودية أكبر منتج للنفط في العالم. وعززت الهجمات في مايو ايار الماضي على العاملين الاجانب في شركات نفطية في الخبر المخاوف من هجوم أكبر على المنشات النفطية المحاطة بحماية مشددة في المملكة.

وأدت الازمة المالية التي تشهدها شركة يوكوس ‬‏ الروسية العملاقة والتي تنتج نحو 20 بالمئة من انتاج روسيا من النفط الخام الى تفاقم المخاوف. فقد حذرت الشركة من أنها قد تضطر لخفض انتاجها مع سعي الحكومة لتحصيل متأخرات ضريبية مستحقة علي الشركة تبلغ 3.4 مليار دولار.

ومازال انتاج فنزويلا من النفط متأثرا بتداعيات الاضراب الذي هز البلاد منذ 18 شهرا وخفض الطاقة الانتاجية. وقد يعطل استفتاء مقرر هذا الشهر على حكم الرئيس هوجو شافيز الصادرات مرة أخرى من أحد أكبر الدول الموردة للولايات المتحدة. والاضطرابات المدنية في نيجيريا العضو في أوبك تمثل قلقا كذلك.

ودفعت المخاوف من تعطل الامدادات العديد من الدول لزيادة مخزوناتها الاستراتيجية وسحب الامدادات من سوق يعاني بالفعل من نقص الامدادات. فالولايات المتحدة مازالت تسعى لتعزيز احتياطياتها الاستراتيجية رغم ارتفاع الاسعار. وبدأت دول أخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية وتايوان والصين في زيادة مخزوناتها أو انها تخطط لبدء ذلك في وقت قريب.

وزادت التوترات في العلاقات بعد هجمات 11 سبتمبر بين السعودية والولايات المتحدة من المخاوف من أن الا تكون الرياض مستعدة للعمل كضامن لامدادات النفط الرخيص كما فعلت في التسعينات.

اختناقات التكرير بالمصافي

تعمل القيود البيئية على رفع أسعار تصنيع الوقود وتجبر الشركات على اقامة منشآت جديدة مكلفة وتزيد من صعوبة شحن الامدادات بين المناطق المختلفة.

ارتفع الطلب الامريكي على البنزين فيما يرجع جزئيا الى تنامي أعداد السيارات الرياضية ذات الدفع الرباعي التي تستهلك بنزينا أكثر على الطرق السريعة الامريكية. وتستهلك الولايات المتحدة نحو 45 بالمئة من الاستهلاك العالمي للبنزين.

والطلب على البنزين الامريكي يتطلب كميات متزايدة من الخام الخفيف الذي تنفض فيه نسبة الكبريت. وتنافس الصين على هذا النوع من الخام لمواجهة الطلب على وقود المواصلات مما يرفع سعر هذا الخام. وأغلب أنتاج أوبك من الخام الثقيل الذي تزيد فيه نسبة الكبريت.

وقالت بي.اف.سي انرجي "بصرف النظر عن مدى ارتفاع انتاج أوبك فان المصافي مازالت تجاهد لزيادة مخزوناتها المنخفضة من المنتجات والحصول على الخام الخفيف وهما عاملان ليس لاوبك سيطرة تذكر عليهما."

وفي الولايات المتحدة تطلب ولايات معينة مجموعة متنوعة من أنواع البنزين وهو ما يصعب نقل الامدادات بين الولايات واستيرادها من الخارج.

وزادت القيود البيئية من تكلفة اقامة مصافي جديدة وزادت صعوبة الحصول على التصاريح المطلوبة.

ندرة النفط

زادت صعوبة العثور على مكامن نفطية كبيرة وزادت كلفة تطويرها. فأغلب الحقول النفطية خارج أوبك بلغت مرحلة النضج وهو ما يعني أن الاكتشافات أصبحت أقل وتحتاج لتكنولوجيا أكثر تكلفة لتطويرها. كما أن شركات النفط تتوخى الحرص في الانفاق منذ انهيار الأسعار في عامي 1998 و1999 الذي خفض أسعار أسهمها وأثار موجة من الاندماجات فيما بينها. فقد ركزت الشركات على مشروعات كبيرة الحجم تحقق لها هوامش ربح أكبر. والعديد من المشروعات الجديدة في مناطق نائية وهو ما يتطلب معدات مكلفة ويكون أكثر عرضة للتأخير. وكان نمو الامدادات من خارج أوبك وروسيا قبل انهيار الاسعار يزيد في المتوسط على مليون برميل يوميا. ومنذ ذلك الحين أصبح لا يذكر. وكانت توقعات نمو الامدادات من خارج أوبك مبالغا فيها باستمرار.

ودفعت زيادة تكاليف استكشاف وتطوير الحقول خارج أوبك المضاربين للاعتقاد بأن أسواق النفط أصبحت رهانا جيدا على المدى الطويل. وعززت المشكلات التي تشهدها احتياطيات رويال داتش/شل الرأي بأن النفط أصبح صعب المنال. وداخل أوبك التي تسيطر على ثلثي احتياطيات العالم فان العديد من الدول الكبرى الاعضاء في المنظمة اما لا تسمح بالاستثمارات الاجنبية في قطاع النفط أو أن الاستثمارات والقواعد القانونية غير جاذبة للشركات. وأدى ذلك الى تباطؤ نمو الطاقة الانتاجية في دول أوبك مما يعني أن أغلبها ينتج بالفعل بكامل طاقته لمواجهة الطلب.