سعيد أبو معلا من الضفة الغربية: انتقد باحثون وأكاديميون واقتصاديون بشدة آلية الحصول على القروض من قبل السلطة ومؤسساتها وما تتسم به من تسيب وعشوائية، لافتين إلى الأعباء الاقتصادية الضخمة التي ستتحملها الأجيال القادمة والاقتصاد الوطني جراء ذلك.
كما حذروا من مخاطر وأعباء جسيمة تتهدد التنمية والاقتصاد الفلسطيني والأجيال القادمة بسبب الارتفاع المتسارع في قيمة الدين العام الذي بات يقترب من ملياري دولار، مؤكدين أن السلطة الوطنية لم تنفق على الأغراض الإنتاجية التنموية.
وأشاروا إلى أن إجمالي مديونية السلطة الوطنية أصبح اليوم 1875 مليون دولار منها 555 مليوناً عبارة عن قروض وديون داخلية، والباقي حصلت عليها السلطة من دول ومؤسسات مالية عربية وأجنبية رغم أنها تسلمت ملفاً نظيفاً من الديون لدى إقامتها قبل نحو عشر سنوات.
وأوضحوا، استنادا لهذه الأرقام، ان كل فرد فلسطيني بات يحمل على كاهله ما معدله 500 دولار مرشحة للزيادة كديون، ما يضعف بصورة بالغة فرص تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية، نظرا لان السلطة ستجد نفسها مضطرة لفرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات التي تستفيد منها الفئات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع للتمكن من سداد هذه الديون وفوائدها.
جاء ذلك خلال لقاء نظمه مركز تطوير القطاع الخاص في جامعة النجاح الوطنية في نابلس حول مديونية السلطة الوطنية الفلسطينية وآليات ادارتها، شارك فيه عدنان عودة، رئيس وحدة البحوث البرلمانية في المجلس التشريعي، والنائب معاوية المصري، عضو لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس التشريعي، والمحاضران في قسم الاقتصاد بجامعة النجاح د. محمود أبو الرب، ود. نائل حطاب ود. هشام عورتاني، مدير مركز تطوير القطاع الخاص.
وأشار عودة إلى الأهمية والخطورة البالغتين على حد سواء للقروض وأثارها على الاقتصاد والتنمية في أي بلد، موضحا أن جوهر النقاش عادة ما يتركز قبل الحصول على أي قرض حول الأعباء والجدوى الاقتصادية التي ستترتب على الاقتراض.
ونوه إلى اعتماد السلطة الفلسطينية المتزايد على الاقتراض بدءاً من العام 1993، حيث حصلت على أول قرض بلغت قيمته 15 مليوناً وصولاً إلى ما مجموعه 62 قرضاً ـ حتى مطلع أيلول 2003 من الخارج ـ حصلت عليها من الخارج وبلغت قيمتها الإجمالية مليار و300 مليون دولار.
وأشار إلى أن تسارع الاقتراض الخارجي ترافق مع تسارع في الاقتراض من مصادر محلية، حيث بلغت قيمة القروض الداخلية مع نهاية آذار الماضي 555 مليون دولار، كما ظهرت في الحساب الختامي للعام الجاري 2004، الأمر الذي يرفع إجمالي الدين العام إلى 1875 مليون دولار.
وأوضح أن حجم القروض الخارجية يمثل نحو 80% من إجمالي الإيرادات العامة للعام 2003، وما نسبته 39% من الناتج الوطني الإجمالي.
وأكد أن استخدام هذه القروض في تمويل الموازنة الجارية وبعض مشاريع البنية التحتية ـ كما أنفقت في فلسطين ـ سيشكل عبئا على الموازنة العامة والمواطن في المستقبل.
ونوه إلى أن الأقساط المستحقة على الديون خلال الفترة ما بين عامي 2013 و2016 تبلغ 24 مليون دولار.

اقتراض عشوائي

ورأى ان الاقتراض يفتقد استراتيجية وطنية واضحة، ويتسم بالعشوائية وغياب المعايير والضوابط نظرا لعدم وجود إدارة مركزية واحدة تتفاوض وتدير المسائل المتعلقة بالديون والاقتراض، عوضاً عن عدم وجود جهة تتحمل مسؤولية دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه القروض وغياب الرقابة البرلمانية على هذه القروض التي لا تعرض على المجلس التشريعي لمناقشتها وإقرارها.
ودعا إلى سن قانون الدين العام استنادا للمادة (9) من القانون الأساسي الفلسطيني، وعدم إقرار أية قروض قبل موافقة المجلس التشريعي، وتشكيل وحدة لإدارة القروض وتحديد الأولويات والشفافية في إدارة المال العام.
وأكد ضرورة الالتزام بالشفافية فيما يتعلق بالمعطيات المتعلقة بالقروض الداخلية والخارجية ووسائل إدارتها وتدقيق الحسابات المالية لمؤسسات السلطة عبر أجهزة الرقابة ونشر تقاريرها بنزاهة وشفافية.
بدوره، لفت معاوية المصري إلى حالة الضبابية وعدم الإفصاح التي تحكم تعامل السلطة بالقضايا المالية والموازنات، مشيرا إلى أن السلطة تتكتم وتستر على هذه القضايا أمام المجلس التشريعي أيضا.
وأشار إلى أن الكويت كانت اشترطت على السلطة قبل عدة سنوات الحصول على موافقة المجلس التشريعي لمنحها قرضا كانت طلبته من الكويت، حيث رفض المجلس الحصول على القرض حين سئل بطلب من الكويت.
وأضاف: "ولكن تبين لنا لاحقا أن السلطة حصلت على هذا القرض رغم معارضة المجلس وأبلغت الكويت أن التشريعي وافق على القرض واستلمته".
وقال: لقد فوجئنا في المجلس التشريعي العام 98 ببند في الموازنة يطالب بتسديد قرض حصلت عليه السلطة سرا من الكويت رغم أن المجلس التشريعي كان رفض الحصول على هذا القرض.
وأشار إلى عدم وجود جهة محددة للإشراف على القروض والحصول عليها وإدارتها وقال: "إن مختلف الجهات تحصل على قروض بمفردها، فوزير التخطيط وكذلك التعليم يجرون اتفاقات بمفردهم، ويحصلون على قروض، وكذلك سلطتا الطيران والمياه، وهذا الأمر ينطبق على سفيرنا في النرويج أيضا، حيث عقد هو الآخر اتفاقا وحصل على قرض.

تسيب في إدارة المال العام

ورأى المصري أن السلطة لا تحتاج لاقتراض أية مبالغ، موضحاً ان إجمالي دخل السلطة الوطنية العام 1997 يقدر بنحو ملياري دولار يأتي 700 مليون دولار، منها من الضريبة التي كانت تجبيها إسرائيل على السلع، وذلك إضافة إلى نحو مليار دولار هو دخل الشركات الاحتكارية التي تمتلكها السلطة البالغة موازنتها نحو مليار دولار واحد فقط.
وانتقد حالة التسيب والفساد في إدارة المال العام، وقال: إن الضريبة لم تكن تدخل في حسابات الموازنة، بل في حسابات خاصة، وقد حاول وزير المالية الحالي د. سلام فياض، توحيد وجهة العائدات المالية للخزينة، حيث نجح في بعض الأمور، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في الأمور الكبيرة.
وأشار عورتاني إلى وجود أكثر من نصف مليار دولار كديون للقطاع الخاص على السلطة، لافتا إلى آثار ذلك على أداء هذا القطاع الذي أفلست العديد من مؤسساته جراء ما شهدته الأراضي الفلسطينية خلال السنوات الأربع الماضية.

قانون لسداد الدين

وشدد أبو الرب المجلس التشريعي على سن قانون لسداد الدين المترتب على السلطة للقطاع الخاص خلال فترة زمنية محددة، مؤكدا ضرورة بحث الجدوى الاقتصادية من أي قرض قبل الإقدام على الاستدانة، موضحا "أننا نعمل على إدارة الأزمة وأرجائها وليس حلها".
وأشار إلى أن مثل هذه السياسة من شانها أن تفاقم الأزمات الآنية وتحولها الى أزمات شديدة وحقيقية ستنفجر في المستقبل، سيما وان سداد هذه الديون سينعكس سلباً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
ولفت إلى مشكلة ودوامة مركبة قد تترتب على الاقتراض غير المدروس والمديونية العالية للسلطة الوطنية.
وقال: "إن المشكلة لا تقتصر على السؤال المتعلق بكيفية سداد هذه القروض أو الديون حين تستحق، بل مرتبط أيضا بالسؤال المتعلق بكيفية تمكن الاقتصاد الفلسطيني الضعيف من الوفاء بفوائد القروض وفوائد الفوائد التي ستترتب عليها بصورة تصاعدية مع مضي الوقت، وانعكاسات ذلك على فرص التنمية".
وأضاف: "إن خدمة الدين العام العام 2004 بلغت 22 مليوناً، الأمر الذي يعني بإننا سندخل في دوامة سداد الدين وخدمة الدين وخدمة هذه الخدمة أيضا".