روث ماكلوسكي: لا نسمع سوى القليل عمّا كان يعتبر منذ حوالى ربع قرن حكمة من الحكم: إن هذا النفط عبارة عن سلعة نادرة ستنضب لا محالة مع ازدياد الطلب عليها وبالطبع سيرتفع ثمنها مع الوقت، ولكن هذه الفرضية قد تظهر مجدداً بفضل نمو الاقتصاد الاستهلاكي الآسيوي وبفضل الغموض الذي يشوب مستقبل أسعار النفط العراقي. وارتفاع أسعار النفط سبق أو صادف تسع حالات ركود من أصل عشر طرأت منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا درس تاريخي يتوجّب على صانعي السياسات ورجال الأعمال والاقتصاد ألا ينسوه أبداً.

وحتى هذه الآونة، قليلون هم من يثقون في التأثير السلبي للارتفاع الحالي لأسعار النفط على الاقتصاد الأميركي، وعلى الأرجح يبدو أن هناك احتمالاً يقدّر بخمسة وسبعين في المئة ومفاده أن الارتفاع الأخير في أسعار موارد الطاقة سيخفّف من وتيرة النهضة الاقتصادية خلال الشهور الستة المقبلة. وهذا قد يؤثر سلباً على التوظيف والاستثمار، وبالتالي سيعقّد جهود محاربة التضخم التي تبذلها البنوك المركزية، ولا سيما مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي رفع مؤخراً معدلات الفوائد القصيرة الأجل بنسبة 46 في المئة في السنة. وبالرغم من أن سعر برميل النفط الخام بلغ حوالى خمسة وأربعين دولاراً أميركياً، في العام الحالي2004 ، لكنه لا يزال زهيد الثمن مقارنة مع ما حدث في العام 1973، عندما بلغ سعر برميل النفط سبعين دولاراً.

وبالرغم من كون العالم الصناعي أصبح أكثر فاعلية في استخدام موارد الطاقة على مرّ العقود الثلاثة الماضية، فإن النفط والغاز مهمّان جداً للقطاعات الحيوية مثل قطاع النقل وقطاع الصناعات البتروكيماوية وبعض الصناعات الأخرى إضافة إلى القطاع الزراعي، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص تعتمد أكثر من سواها على الطاقة وبالتالي فإنها تصبح أكثر هشاشة أمام ارتفاع أسعار النفط.

ثم إن الزيادات المفاجئة في ارتفاع أسعار موارد الطاقة تضرّ بالاقتصاد بطرق مختلفة: أولاً، إنها تضعف المردود الحالي للمستهلكين وتضعف كذلك قدرتهم وإرادتهم ورغبتهم في الاعتماد على سلع وخدمات أخرى مثل السيارات أو في قضاء عطلهم في الولايات المتحدة، كما إن الإنفاق المنزلي على سلع دائمة تراجع في الماضي بسبب ارتفاع أسعار موارد الطاقة. وكذلك، فإن ارتفاع الأسعار يقلّص هوامش أرباح الشركات وبالتالي يقلّص حوافزها ورغباتها في الاستثمار والتوظيف، وهكذا يُجبر المستهلكون والشركات على حدّ سواء على إجراء تغييرات مثل التحوّل إلى استخدام سيارات ذات وقود أكثر فاعلية بحيث تستطيع تقويض إنتاجية الاقتصاد.

وحدث أول ارتفاع مفاجئ في الأسعار في العام 1973، بعد بدء حرب أكتوبر بين العرب واسرائيل، وحدث الارتفاع الثاني في العام 1979 بعد الثورة الإيرانية، بينما حدث الارتفاع الثالث في مطلع العام 1991 بعد غزو العراق للكويت.

وتوقّع تكرار ما حدث في السبعينات أمر منطقي وواقعي لأنه في ذلك الحين واجه الاقتصاد الغربي أكبر نسبة من البطالة والتضخم، ففي بريطانيا استبعد المحافظون في العام 1974 وعادوا في العام 1979، أما في الولايات المتحدة، فخسر رئيس الحزب الجمهوري، جيرالد فولد، مكانه في البيت الأبيض في العام 1976. كما لعب النفط دوراً في فوز جيمي كارتر في العام 1976 وفي خسارته في العام 1980، وبالتالي فإن كارتر مني بالهزيمة في العام 1980 بسبب ارتفاع أسعار النفط وفشله في تحرير الدبلوماسيين الأميركيين الذين كانوا رهائن في إيران قبل إجراء الانتخابات. وكذلك خسر جورج بوش الأب الانتخابات في العام 1992 بسبب الانكماش الذي نجم عن ارتفاع أسعار النفط الناجم بدوره عن اجتياح صدام حسين للكويت.

كما نرى، إن الزيادات السابقة في ارتفاع أسعار النفط أي ما حصل في العام 1973-1974، وفي العام 1979-1980 وفي العام 1990-1991 قد نجم عن أحداث سياسية جرت في المنطقة، وعلى أي حال فإن الزيادة في ذاك الوقت نجمت عن عاملين: الأول يتمثل في عملية الطلب في الاقتصاد العالمي لا سيما في الصين إضافة إلى الخلل الذي طرأ على الصناعات النفطية في روسيا، والعالم اليوم ينتج يومياًَ ثلاثة ملايين برميل أكثر مما كان ينتج في العام المنصرم، ولكن حتى الطلب يزداد أكثر: فالصين وحدها باتت تستهلك مليون برميل أكثر مما كانت تستهلك في العام 2000، وهذا ما يجعلها مصدراً مهماً يستطيع الضغط والتأثير على معدلات الأسعار.

أما العامل الثاني الذي يؤثر في أسعار النفط هو عامل الاضطرابات التي يشهدها العراق، إذ إن الاستمرار في زيادة أسعار النفط يلحق الضرر السياسي بالرئيس بوش فالناخبون الأميركيون يهتمون اليوم بمسألتين لا ثالث لهما وهما الاقتصاد غير الجدير بالثقة وعدم الاستقرار في العراق، وفي المقابل بذل المرشح الديمقراطي جون كيري كلّ ما في وسعه ليربط بين المسألتين وقال: "نحن في حالة حرب، حرب إرهاب بمعظمه في الشرق الأوسط، أتعرفون ماذا يوجد في الشرق الوسط أيضاً؟" وأضاف "النفط".

ويؤكد مستشارو حملة كيري الانتخابية أن الأوضاع في العراق ساهمت في زيادة ثمن برميل النفط الواحد بمقدار 15 دولاراً، وفي خطاب حديث لكيري قال: " إن عدم الاستقرار وشيوع الخطر في الشرق الأوسط يؤدّيان إلى زيادة أسعار النفط... وزيادة الأسعار هذه تضعف اقتصادنا وتخلخل الأمان الذي ننعم به ولكن الأمور لا يجب أن تكون على هذا النحو"، وبالإضافة إلى العراق، يبدأ "كيري" بجعل زيادة أسعار النفط العنوان الأبرز لحملته الانتخابية.

إذن فإن ارتفاع أسعار النفط قد يهدد رئاسة بوش الابن، فمسألة الانتخابات التي ستجري في نوفمبر الحالي ترتبط إلى حدّ بعيد بما يحصل في العراق وفي أسواق النفط، والمسألتان مرتبطتان ببعضهما البعض.

ويراهن الرئيس بوش على الرئاسة بتأكيده أنه يستطيع وبسهولة كسب الحرب في العراق وأنه يتوقع تخفيض سعر برميل النفط بين 25 و30 دولاراً، وهذا لم يحصل بعد. وفي الثاني من نوفمبر المقبل، سيقرر الشعب الأميركي إمّا سيبقي جورج بوش في البيت الأبيض أو سيعيده إلى تكساس.