حيدر بن عبدالرضا من مسقط: بالرغم من نجاح بعض الخطط السياحية في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال السياسات التسويقية التي تقوم بها على المستوي الداخلي والإقليمي ومن خلال المعارض السياحية الدولية لاستقطاب المزيد من السياح من مختلف دول العالم، إلا أننا نرى بأن الجزء الأكبر من السياحة الخليجية مازالت تتوجه إلى الخارج بعيدة عن دول المجلس خاصة إلى شرق آسيا لاعتبارات عديدة منها خفض تكلفة السفر والإقامة والمعيشة مقارنة بالدول الأوروبية، ووجود العديد من خدمات السفر والسياحة المتطورة بجانب تنوع المنتج السياحي بحيث يتناسب جميع الأعمار خاصة الأطفال، ناهيك عن بعد المتعاملين في هذا القطاع الحيوي من ممارسة لعبة الاستغلال مع السائح الخليجي أو العربي أو أي زائر آخر مثلما يحصل في بعض الدول العربية التي تنادي بالسياحة.
وإذا تحدثنا عن السلطنة فإننا نستطيع القول بأن الجهات المعنية تقوم بواجبها في الترويج والتسويق للسياحة وفق الموارد المالية المتاحة لها، ولا شك بأن وجود وزارة مختصة للسياحة في البلاد ستعمل على دعم وتحفيز الخطط السياحية في المستقبل القريب، خاصة وأن كل من يأتي إلى السلطنة سواء من أبناء دول مجلس التعاون الخليجي أو من جنسيات عربية وأجنبية أخرى يؤكدون بأن البلاد عبارة عن تحفة سياحية ثقافية حضارية، ويصل مستوى النظافة فيها إلى مستوى أكثر الدول رقيا في العالم، وتجمع العديد من المقومات التي تفتقدها الكثير من الدول في مجال السياحة في العالم، إلا أن هؤلاء يبدون ملاحظة واحدة وهي ضرورة رفع مستوى الخدمات اللازمة التي لا بد أن تتوافر سوى في حالة وجود سائح عربي أو أجنبي أو غيره.
ولا شك أن تحفيز السياحة الداخلية والخليجية والعمل على تطوير وإنشاء المشاريع السياحية المطلوبة وزيادة الخدمات التي يأمل السائح بالحصول عليها من شأنها استقطاب المزيد من السياحة الخليجية والأجنبية إلى السلطنة، باعتبار أن السائح الخليجي حريص دائما على مرافقة عائلته أو أسرته في الأماكن التي يقوم في زيارتها خاصة في فترة الصيف، الأمر الذي يتطلب وجود خدمات وبرامج وأماكن تتناسب وهذه الفئة من السياح. فمن خلال متابعتنا بما يكتب عن مهرجان الخريف الحالي 2004 بصلالة على سبيل المثال، نجد أن بعض السياح الخليجيين يكررون مطلبهم بضرورة توفير الخدمات اللازمة في الأماكن التي يرتادوها الزوار حتى وإن كانت هذه الخدمات تقدّم مقابل مبلغ زهيد. وهذا المطلب يتكرر دائما من الزائرين إلى تلك المنطقة الفريدة بين دول المجلس، بحيث أصبح الأمر ملحا خاصة في الأماكن التي ترتادها هذه الفئات من السياح الخليجيين، بالإضافة إلى تعزيز هذه الخدمات وزيادة عددها على الطرق السريعة أيضا و في أماكن الدخول والمشاهدة.
فأعداد السياح إلى السلطنة في تنامي مستمر، وقد كشفت الإحصائية الأخيرة التي تعدها وزارة الاقتصاد الوطني بالتعاون مع وزارة السياحة حول عدد الزائرين والقادمين إلى محافظة ظفار في فترة الصيف الحالية بأنهم في زيادة مستمرة، بحيث بلغ عددهم في الأسبوع الأول من الشهر الحالي105659 زائرا شكل المواطنون والمقيمون في السلطنة 62263 زائر وبنسبة 59 % من إجمالي الزوار، منهم57215 زائرا مواطنا والباقي من الوافدين، وأن الغالبية العظمى من هؤلاء الزوار وصلوا المحافظة عبر الطريق البري، فيما كان عدد القادمين عبر الرحلات الجوية 5843 سائح فقط .
كما بينت الإحصاءات أن الإماراتيين يشكلون نسبة 66% من الزوار القادمين من خارج السلطنة حيث وصل عددهم 28852 سائح خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي وفق بيانات الإحصائية، وقد قدم 96% منهم عن طريق البر، فيما بلغ عدد السعوديين 7792 سائح أي ما نسبته 18% من إجمالي القادمين من الخارج، ووصلت نسبة 69% منهم عن طريق البر وبذلك احتلوا المرتبة الثانية ضمن الزائرين للمحافظة من خارج السلطنة، في حين جاء الكويتيون في المرتبة الثالثة، وقد وصل عددهم 1298 سائح قدمت نسبة 60% منهم عن طريق رحلات جوية، ثم يأتي كل من القطريون والبحرينيون في المرتبة الرابعة والخامسة على التوالي من حيث عدد السواح الخليجيين إلى محافظة ظفار.
وحيث أن الجزء الأكبر من الزوار هم من المواطنيين فهذا يؤكد نجاح مسعى الجهات المعنية في السلطنة في استقطاب السياحة المحلية والداخلية، كما أن وجود هذا العدد الكبير من أبناء دول المجلس في المحافظة يؤكد أيضا نجاح الخطة التسويقية بزيارة السلطنة في هذه الفترة من السنة، ولكن المطلوب هو الاستمرار في هذه السياسة بحيث تبقى السلطنة بمختلف مناطقها ومحافظاتها مركز جذب للسياحة الخليجية والأجنبية إليها طوال العام، واستغلال كل مقوّم سياحي في البلاد والترويج له من خلال مختلف وسائل الأعلام الرسمية والخاصة.
كما نشير هنا بأن مؤسسات سياحية غربية تؤكد بأن إنفاق السائح الخليجي في الدول الغربية يبلغ ضعف ما ينفقه السائح الأوروبي وفقا لبيانات المنظمة العالمية للسياحة، فقد بلغ متوسط إنفاق السائح الخليجي في عام 2001 نحو 1814 دولارا للرحلة الواحدة بمعدل إنفاق مقداره 135 دولارا في اليوم، متجاوزا بذلك إنفاق الفرد الأوروبي الذي يبلغ 836 دولاراً للرحلة بمعدل إنفاق يبلغ 88 دولاراً في الليلة الواحدة، وهو ما يشجع المؤسسات السياحية الغربية على بذل ما في وسعها لكي تكون أوروبا هي الوجهة السياحية للخليجيين سنويا.
ونحن أولى في المنطقة الخليجية باستقطاب جزء بسيط من اؤلئك المتجهين من أبناء دول المجلس سنويا إلى الدول الأوروبية والآسيوية، وهذا لا يتم تحقيقه إلا إذا تضافرت جهود الجهات المعنية بالسياحة الخليجية من جانب، وتعزيز مساعي مسؤولي شركات الطيران والسفر والسياحة الخليجية بإقناع الزوار بالتوجه إلى دول المجلس من جانب آخر.
ولو أخذنا دولة خليجية واحدة (السعودية) على سبيل المثال لوجدنا أن 47% من الأسر السعودية توجهت خلال فترة الصيف الحالي إلى الدول الأجنبية، فيما توجهت 29% من الأسر السعودية إلى الدول العربية، بينما نالت السياحة الداخلية نصيبا مقبولا بحيث وصلت نسبتها24%. أما العدد الإجمالي للسياح السعوديين خلال فترة الصيف الحالي فقد بلغ 3 ملايين سائح وسيصل إنفاقهم الإجمالي وفقا للبيانات الرسمية إلى 30 مليار ريال سعودي. وما هو حاصل في السعودية يتكرر في دول خليجية أخرى، فهناك مجموعات كبيرة من العائلات الكويتية والإماراتية والبحرينية والقطرية بجانب العائلات العمانية تتوجه إلى الخارج كل عام لمختلف الأغراض. وإذا استطاعت الدول الخليجية جذب 50% من أبنائها إلى السياحة الداخلية والخليجية فإنها سوف تشكل مصدر دخل جيد للكثير من الأسر والمؤسسات الخليجية.
أظن بأن مسألة جذب السياحة الخليجية إلى داخل دول المجلس تتطلب بذل مزيد من الجهود خلال الفترة المقبلة، فهذه المبالغ الكبيرة التي يتم صرفها على السياحة الخارجية يمكن أن تشكل قاعدة للمشاريع السياحية والخدمية التي تنوي دولنا إنشاؤها في المستقبل، وبالتالي تشكل مساهمة جيدة لقطاع السياحة في تعزيز الموارد المالية لدول المجلس من ناحية، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وتوفير مزيد من فرص العمل لأبناء دول المجلس من ناحية أخرى.