يعود الحديث في العراق الى ما يعرف بجولات التراخيص الممنوحة للشركات النفطية الكبرى وفق شروط كبلت البلاد بمديونية هائلة للشركات النفطية، ما جعل العراق يدفع معظم ما يدر عليه النفط لهذه الشركات.
&
محمد الغزي: أدى هبوط سعر النفط إلى ما دون الثلاثين دولارًا للبرميل، للمرة الأولى منذ 12 عامًا، مع توقعات بتعرض السوق لضغوط بسبب الآثار المترتبة على عودة مرتقبة لإيران، الى تجدد الحديث في العراق عن جدوى جولات التراخيص النفطية وما اذا كانت قد عادت بفائدة&عليه ام انها سرقة علنية ومشرعنة للثروات النفطية العراقية وإمكانية اجراء تعديلات عليها.
&
وسجل منتقدو جولات التراخيص ملاحظات تذهب الى مطالبة الحكومة اليوم بإلغائها أو تعديلها لانها كبلت العراق بأعباء مالية.
&
ويرى ميثم الجبوري عضو اللجنة المالية في البرلمان خلال حديث لـ"إيلاف" أن هذه الجولات "سرقة علنية وكبيرة"، موضحاً بأن "مقدار ما قامت بزيادته جولات التراخيص هو مليون و600 الف برميل يومياً، وهذا يعني 21.9 مليار دولار في السنة وهو كل ما جنته جولات التراخيص في مقابل 24 مليار دولار مجموع ما نعطيه للشركات الأجنبية، ومعنى ذلك اننا نعطي نفطنا وزيادة فوقه&ملياري دولار"، مؤكدًا ان "كل الزيادة بالانتاج النفطي تذهب أموالها لتلك الشركات على الأسعار الحالية".
&
التكلفة الزائدة
&
ونبّه الى انه في العقود المبرمة مع الشركات بموجب جولات التراخيص ثمة ما يسمى (التكلفة الزائدة) والمتعلقة بتغطية نفقات (الأجهزة وسفر الموظفين ومنامهم ومدارس أطفالهم وغيرها) وهذا كله تدفعه الحكومة العراقية، وقال: "اكتشفنا ان هذه الشركات سعّرت جهاز اللابتوب مثلاً على الحكومة العراقية ما بين (3000 ــ 4000) دولار وطاولة المكتب بألف دولار وان قنينة الماء بعشرة دولارات".
&
ويواجه العراق تحديًا كبيرًا في ظل انهيار أسعار النفط الى ما دون 30 دولارًا للبرميل، إذ انه وضع موازنته للعام 2016 على أساس معدل سعر مقداره 45 دولارًا للبرميل الواحد ومعدل تصدير 3.6 ملايين برميل.
&
عضو لجنة النفط والطاقة البرلمانية النائب مازن المازني رأى ان "جولات التراخيص أدخلت العراق بمديونية ثقيلة"، واكد انه في ظل انهيار أسعار النفط الى ما دون 30 دولارًا لن يجني العراق شيئًا بسبب "الالتزامات التي كبل نفسه بها للشركات الأجنبية"، كاشفاً عن "تخصيص 26.700 ترليون دينار عراقي الى شركات جولات التراخيص ووزارة النفط".
&
وعن ملاحظاته بشأن تلك الجولات، قال انه "تم تمديد فترة جولات التراخيص من 20 سنة الى 25 سنة وتقليص حصة الشريك الحكومي الى ما دون 5 % من الحصة الاصلية بسبب فشل الوزارة التي وضعها العراق ضمن مسؤوليته عند توقيع العقود".
&
وأشار الى انه ضمن العقد الأصلي في النسخة العربية هناك نص يشير الى ان "العراق يدفع للشركات تعويضًا عن كمية النفط الذي بمقدور الشركات انتاجه وتفشل الوزارة بتخزينه أو تسويقه" وهو ما حصل فعلاً، بحسب المازني، في عامي 2014 و2015 نتيجة الظروف السيئة في موانئ التصدير، فيما تكشف مصادر عن ان المبلغ الذي دفعه العراق كتعويضات للشركات هو 270 مليون دولار.
&
وتساءل المازني كيف تصبح الأمور اذا زادت الطاقة الإنتاجية مع عدم اكمال مستودع ومضخات الفاو الذي لن ينجز حتى عام 2018 ؟، ولفت الى ان كلفة انتاج النفط ارتفعت عن السابق بين جولة وجولة وشركة وأخرى وقد تصل الى 21 دولارًا للبرميل وفقًا لجولات التراخيص بينما كانت لا تتجاوز ثمانية دولارات في سنوات سابقة.
&
كما اشار الى ان "شراء ونصب عدادات التحاسب التجاري ينبغي ان تكون من مسؤولية الشركات نفسها الا انه تم شراؤها من قبل شركة نفط الجنوب".
&
أخطاء شائعة
&
من جهته، حدد الخبير النفطي حمزة الجواهري أخطاء وصفها بـ"القاتلة" وقع بها منتقدو عقود جولات التراخيص، وقال انهم لم يستطيعوا حتى الآن تقديم خلل حقيقي واحد بعقود الخدمة، والتي سُميت بعقود التراخيص، وان التهم التي وجهت للعقود كانت تتمحور حول مواضيع لا تمس بنودها، لكنها تؤشر على ضعف عام في إدارة العقود من قبل وزارة النفط واللجان المشتركة التي تدير العقود".
&
وأشار الجواهري في تقرير موسع، تسلمت "إيلاف" نسخة منه، الى ان "هناك اتهامات للعقود النفطية وهي في حقيقتها تتعلق بهدر المال العام وإدارة سيئة لهذا المال" وتساءل: "ما ذنب العقود النفطية عندما تكون إدارة المال العام من قبل الحكومة غير كفوءة؟".
&
وأضاف "أما الباقي فهو القيام بأخطاء حسابية من قبل حتى بعض المختصين، وهذا لا يمكن اعتباره خللاً في العقود ذاتها، لكنّ ضعفًا لدى من تصدى لهذا الملف".
&
وقال الجواهري انه "من الأخطاء الشائعة التي يقع بها منتقدو الجولات هو خلط ثلاثة أنواع من الكلف واعتبارها كلفة الإنتاج"، وأوضح ان "الكلف الأولى هي كلف رأسمالية، وتعد الأكبر وتستمر حتى تنتهي عمليات التطوير الأساسية، وهي تتعلق بكلف إنشاء المحطات بأنواعها وكلف مد الأنابيب الرئيسية والثانوية وحفر الآبار وغيرها من المشاريع التطويرية أو التوسعية مستقبلاً".
&
اما الثانية، والحديث للجواهري، فهي "كلفة الإنتاج" وهي متعلقة بالموازنة التشغيلية للشركات، ومعظمها يذهب كرواتب للموظفين وعمليات لوجستية، وصيانة. في حين تعنى الكلفة الثالثة بأجور الشركات، وهي بالمتوسط الوزني العام أقل قليلاً من دولار واحد للبرميل، بحسب العقود.
&
حقن الماء
&
من جهته، قال الخبير النفطي عبد الزهرة جودة المحمداوي لـ"إيلاف" ان "من انقذ العراق والقطاع النفطي فيه هي جولات التراخيص" ، موضحاً أن الانتقادات التي توجه لها متأتية "إما من عدم دراية وجهل، أو تضرر مصالح وكتل سياسية افتقدت حصة من الكعكة بسبب عقود الخدمة التي طبقت في جنوب العراق بدلاً من عقود المشاركة في الإنتاج بكردستان العراق".
&
واكد المحمداوي انه توقع حدوث مشاكل في جولات التراخيص ليس بسبب الجولات نفسها، بل بسبب ادارتها، مشيرا الى ان " شركة اكسون موبيل لم تدخل في جولات التراخيص الأولى ولا الثانية لكن آثرت التنافس على مشروع حقن الماء في الجنوب، وهو أمر كان ينبغي للحكومة الانتباه له، لانها باتت تتحكم بجميع المشاريع وبمعظم التحالفات النفطية والشركات الأخرى، وبالتالي تعطل الإنتاج، بحجج منها البيروقراطية وتأشيرات مهندسيها وغيرها".
&
وكان العراق تعاقد مع شركة اكسون موبيل في عام 2009 بمشروع حقن المياه المالحة بهدف ايصال 12 مليون برميل من المياه المالحة من الخليج الى خمسة حقول نفطية كبيرة في الجنوب مع نهاية عام 2013, ليتعطل المشروع بعد عام حين انهت اكسون موبيل عقدها لصالح حكومة الاقليم في كردستان العراق بمشروع حفر آخر هناك.
&
وقال المحمداوي إن "دخول اكسون موبيل على خط إقليم كردستان لتأخذ هناك رقعاً جغرافية، يعني ان مؤشرات انفصال الإقليم باتت قائمة، فلا استطيع ان أرى نشاط اكسون موبيل بعيدًا عن مزجه بالسياسة".
&
تعديل&
&
المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد كشف عن تعديل لبعض عقود فقرات جولات التراخيص بما يخدم مصلحة الوزارة، فيما اكد ان الوزارة وضعت خطة لتطوير الحقول النفطية لفترة تزيد عن عشرين عاماً .
&
وقال جهاد في تصريح صحفي إن "الوزارة تقوم بمراجعة العقود مع الشركات العالمية"، مبينًا أن "بعض الفقرات التي ترى الوزارة انها بحاجة الى مراجعة سيتم تعديلها"، مذكرًا بأن "هذه الجولات عبارة عن عقود خدمة ابرمتها الوزارة مع شركات عالمية هدفها تطوير الحقول النفطية وادخال التكنولوجيا الحديثة والاستفادة من خبرة تلك الشركات والاستثمارات التي ضختها في هذا المجال".
&
وهنا يقول الخبير النفطي حمزة الجواهري إن المادة 12، من العقود تشير بوضوح إلى إمكانية التغيير، وهناك بنود أخرى تعطي الطرفين الحق بالتعديل لأسباب موضوعية مقنعة، كما أن بنود العقد لا تشكل قيدًا على الحكومة بشكل عام، بل تشكل التزاماً قانونيًا وأخلاقيًا.
&
فيما رجح الخبير النفطي عبد الزهرة جودة المحمداوي عدم رفض الشركات تأجيل استلام مستحقاتها بسبب الازمة المالية الى سنوات مقبلة، ما دامت هناك فائدة، وقال إن"الشركات ستأخذ بموجب العقود قروضًا من البنوك العالمية بفوائد سيتحملها الجانب العراقي باعتبار أن عقودها محترمة دوليًا، فالطرف الثاني هو الحكومة العراقية"، مشيرًا الى ان هذا الحل "قد يكون ملائمًا للعراق في حال كانت الفوائد ضمن الحد المعقول".
&
دفاع&
&
وكان وزير النفط عادل عبد المهدي نفى تقارير تفيد بأن كلفة عقود جولات التراخيص تفوق إيراداتها، مشيرا إلى أن ما دخل للعراق من تلك العقود تجاوز 340 مليار دولار، فيما أكد أن إنتاج النفط في العراق تجاوز الأربعة ملايين برميل.
&
وقال "ما دفع من مستحقات للشركات ما هو الا عشر الإيرادات أي حوالي 34 مليار دولار"، مؤكدًا العمل على "تقنين اكثر لهذه العقود بالتعاون مع الشركات النفطية من خلال التفاوض معها، وحل الكثير من الامور التي كانت ظرفياً بفترة توقيع هذه العقود".
&
وزير التعليم العالي ووزير النفط الاسبق حسين الشهرستاني دافع عن جولات التراخيص، وقال إنها "انقذت" العراق، معتبرًا انه لولا تلك الجولات "لما استطاع العراق تأمين ربع الرواتب".
&
وقال الشهرستاني خلال حديثه لبرنامج "حوار خاص" بثته قناة "السومرية"، إن "جولات التراخيص النفطية هي من انقذت العراق وتمكنت من تأمين التمويل المالي المطلوب خلال السنوات الماضية"، مبيناً أن "انتاج العراق يقترب حالياً من أربعة ملايين برميل يومياً، ولولا جولات التراخيص لما تجاوز انتاج العراق مليون برميل".
&

&