في مدينة أبها.. وبالتحديد في قرية المفتاحة التشكيلية (مركز الملك فهد الثقافي) قدما كل من الفنانة سهىّ عبد الله الزيد والفنان سعد العبد تجارب إبداعية بخامات قد تكون تقليدية إلا أن الأعمال التي قدمت من خلال هذه الخامات تتسم بالرؤية المستحدثة، فقد وظفا كل من فنانيّ المعرض القلم الرصاص بدرجاته الظلية المتناغمة والمتنوعة في إيقاعية تشكيلية أشبه بمعزوفة موسيقية نغماتها تلك الظلال وإيقاعاتها مجموعة من الخطوط التي شَكَلت تارةً البيت الشعبي العسيري وتارةً أخرى تكوينات من وحي الأبجدية العربية ممثلة في نبض الكلمة ومعناها أو في إيقاعية الحروف وتكراراتها وتارات أُخر في مجموعة من الأعمال الفنية التشكيلية التي تشجب وترفض الإرهاب بما يسببه من قلق ودمار وفقدان للأمن والأمان، فكان التعبير الفني التشكيلي الصارخ الذي جسد شدة الحزن والأسى والألم.

بريشة سهى عبداللهالزيد

ولكون العمل الفني رسالة لا تقل في قيمتها عن الكلمة المقروءة فقد انتهجا كل من الفنانة سهىّ الزيد والفنان سعد العبد منهاجاً تعبيرياً درامياً لتجسيد حالة فنية يغلفها الغموض الذي يحرك عين المشاهد داخل العمل ويتبادل معه الحوار الذي يولد الرؤية التعبيرية التي تطلق العنان للعقل كي يتلقي الدلالات المتعددة التي يطرحها العمل الفني على المتلقي.
والمعرض مكون من 133 عملاً فنياً تشكيلياً متنوعاً بين فنون الرسم بالأبيض والأسود والتصوير بالألوان المائية والزيتية، وجميعها تمثل مختلف الاتجاهات الفنية فهناك الانطباعية والسريالية والتجريدية.. ولقد قدمت الفنانة سهى عبد الله الزيد تجربتها الفنية الفريدة التي جمعت فيها بين فنون الرسم والتصوير، فقدمت من خلال رسومها تشكيلات من وحي الأبجدية العربية وأخرى من اللاشعور وثالثة من وحي التراث العسيري ممثلاً في مفردة البيت التقليدي الممثل للموروث الشعبي، وقد أضافت من الخامات والتقنيات ما يتوافق وتحقيق جمالية العمل الفني, وكان حضورها قوياً جنباً الى جنب مع الفنان سعد العبد .. وتركت لوحاتها أثراً إيجابياً في نفس المتلقي ..

بريشة سعد العبد

شاهد الموروث الشعبي من خلال مخزون بصيري تجمع من بؤرة اللاشعور وامتزج مع مكونات البيئة المصرية فنتج من خلال كل ذلك رؤية تشكيلية حداثية عبرت عن عدة محاور منها:-
1) طبيعة البيئة العسيرية وموروثها الشعبي ممثلاً في مفردات البيت والجبل.
2) الأبجدية العربية بوصفها الشكل الرمزي الممثل لخصوصية القومية العربية، فهي الرمز والإشارة والرؤية السيموطيقية التي تحتوي مختلف المعاني والمضامين.
3) الجانب اللاشعوري الزاخر بالرؤى التي تمثل عاطفة الاختلاف والتوافق، النابعة من المزج التشكيلي للرؤى البصرية والثقافات.
4) أعمال فنية تمثل الشهيد.. وهذه الأعمال تجسد حالات شجب العنف والدمار.. برؤية نابعة من أعماق النفس البشرية.. رؤية درامية تشكيلية تمثل رسالة حزينة لما يحدث على الساحة العربية عامة والسعودية على وجه الخصوص من أحداث العنف والإرهاب.
ولقد تنوعت الخامات التي استخدمها الفنان وفقاً لموضوعاته التي تناولها لتحقيق رؤية جمالية تجمع بين رمزية الفكرة و طريقة التعبير.. لتجسد التوافق بين كل من جماليات الشكل وقيمة المضمون. إنها بالفعل مجموعة تجارب إبداعية سجلها كل من الفنانة سهىّ الزيد والفنان سعد العبد لتكون البداية .. بدية الانطلاق التي تجمع بين ثقافتين شكلتها حضارات عريقة.. إنها خطوة إبداعية نقشت وطبع أثرها في تاريخ الفن.. سجلتها قرية المفتاحة التشكيلية... رؤية ازدواجية تمثل وجهين لعملة واحدة.. رؤية تشكيلية جمالية اتحد فيها الإبداع النسوي مع إبداع الرجل.. إبداع تشكيلي سيطرت عليه النزعة الإنسانية التي حققت الهارمونية والتوحد.. إنه إبداع تشكيلي نابع من أعماق كل من الفنانة سهىّ الزيد والفنان سعد العبد.

لوحة مشتركة