من الدوحة: يناقش الكاتب القطري الدكتور احمد عبدالملك في كتابه الجديد "إعلاميون من طراز جديد" الصادر عن دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة ضمن سلسلة كتاب الرافد العلاقة بين وسائل الاعلام الحديثة والثقافة في الوطن العربي من وجهة نظر نقدية حيث ينظر الى تجربة الذين تسنموا ذروة المسئولية في اجهزة الاعلام العربية باقنيتها الثلاثة المكتوبة والمرئية والمسموعة من اطلق عليهم وصف الاعلاميون الجدد نظرة ساخرة ويصفهم بالانتهازية وضعف الاداء المهني والتهافت على المصالح وعدم استيعاب البعد الثقافي لرسالة الاعلام المرتبطة جدليا بالثقافة فيشن عليهم حملة ضارية تسخر منهم ومن ادائهم على حد سواء فكتب يقول: "الاعلاميون الجدد شخصيات عابثة داست على قيم الاعلام وابعدت اصحاب الثقافة الجادة والمستنرين من ابناء الامة عن الوسائل الاعلامية لانهم يعون حديثا لا يعيه هؤلاء الجدد، الاعلاميون الجدد موضة تاتي مع الهامبورجر واحاديث الانترنت تختصر علوم الاعلام وخبرات ومعاناة كل الذين عصرتهم الغربة خلال فترات دراستهم الاعلامية وتسوق المتلقين الى غياهب الجهل والاغتراب". ويقول ايضا: "الاعلاميون الجدد صحفيون جاؤا من الشوارع الخلفية المظلمة ليندسوا بين الشرفاء ويحيكوا المؤامرات على الطريقة البوليسية ضد الذين يدعون الى تأصيل الثقافة وانماء الوعي انهم جزء من مخطط ظلامي وتدميري يستهدف النيل من القيم والتقاليد الصحفية الحقة ويشيع ثقافة التكالب واستلاب الامة من تاريخها وحضارتها وثقافتها ويجعلها رقما غير ذي جدوى في معادلة العولمة ومخرجاتها. انهم لا يدركون مدى اللباقة ولا حدود التلقائية فبدت برامجهم وكانها احاديث شاي الضحى او حوارات المجالس التي لا تليق بمكانة الاذاعة والتلفزيون فصار ان نالوا مكافآت مجزية لقاء التخريب الذي مارسوه بحق الاعلام والمتلقين وصاروا هم القاعدة واصبح المؤهلون العارفون بدهاليز الاعلام استثناء"

ويرى الدكتور عبدالملك ان هؤلاء الاعلاميين نتاج مؤامرة تهدف الى اشاعة ثقافة الفوضى والتجريح معتبرا اياهم اعشاب ضارة تحركها اياد مخربة فيقول "الاعلاميون الجدد صحفيون يظهرون فجاة كالاعشاب الشرسة تحركهم بعض الايادي لضرب بعض الرموز وتشويه الراي العام بقصد تحقير شخصيات معينة او اضفاء هالات التكريم على شخصيات اخرى انهم يتحركون كالروبوتات وتفتح لهم صفحات الجرائد لينقلوا وجهات نظر تريدها فئة في المجتمع على حساب الامانة والمهنية والمسئولية الاجتماعية انهم يؤجرون اسماءهم للاخرين وتقوم بعض الصحف بتاجير مساحات لاعمدتهم بعد ان يتم الاتفاق مع جهات محددة للايقاع باحدهم او تسفيه رايه او هز موقعه الوظيفي او المهني" ثم يصف عبدالملك هذه الشريحة بانها من صغار الصحفيين فيقول إنهم من صغار الصحفيين الرسميين الذين ينشدون الشهرة وسرعة الارتقاء يساندهم في ذلك مناخ تكالبي يؤمن" بالمؤامرة ويسعى الى ثقافة الفوضى والتجريح دون اي اعتبار او مسئولية او نظرة الى المصلحة الوطنية اوالقيم الانسانية"

وفي مكان اخر من الكتاب يؤكد الكاتب احمد عبدالملك ان الاعلاميين الجدد يتخفون تحت رداء حرية التعبير ليعيثوا في الارض فسادا فيقول ( تحت غطاء حرية التعبير يتخفى هؤلاء الاعلاميون ويعيثون في الارض فسادا ويتخذون من الصحافة لعبة ترفيهية والاغرب ان يستجيب بعض رؤساء التحرير ممن يحبون المغامرة والاثارة لعبث هؤلاء الاطفال الذين يتسابقون في المجالس على بذر مآثرهم في الايقاع باحدهم والمساهمة في فصله من وظيفته او تشويه سمعته او مضايقته )

كما يشكك عبدالملك في مصداقية هؤلاء الاعلاميين ونواياهم الاخلاقية وتعاملهم مع مفاهيم نظريات الاعلام الحديثة فيقول ( الاعلاميون الجدد استوردوا بعض مفاهيم حرية التعبير واصبحوا يتغنون بها دونما التفات الى ان هذه الحرية سوف تنقلب عليهم وسوف يحق للاخرين ان يحاربوهم بها وهم غير مستعدين لمثل هذه الحرب اذ
ان صوت العقل والمنطق والخبرة لا بد ان يتفوق على الضجيج والمواقف المركبة والتكتيك المصطنع دون قواعد او منهجية واذا ما تقابلت شهوة الشر واقلام الضعفاء فان الحقيقة والخير سيضربان في مقتل ولو مؤقتا ذلك ان الراي العام يحتاج لوقت طويل كي يعدل من مواقفه تجاه الاحداث والمواضيع ويخلص في ختام مرافعته الى التنبيه الى الخطر الداهم الذي يحيق بالبلاد العربية اذا استمر وجود هؤلاء في وسائل الاعلام والى دورهم في استبعاد الجادين والعارفين الحقيقيين واذا ما استمرت موجة هؤلاء الاعلاميين الذين دمروا الاجهزة ويحاولون تدمير العقول فان المجتمع العربي سوف يصاب بشلل التفكير ولسوف يخرج جيل من العرب يكره لغته ويعادي رموز الامة من رجال دين وعلم ومعرفة بل ولسوف ينفك هذا الجيل عن تاريخه المشرف وحضارته وبلاغته مما يهدد الهوية الشخصية العربية ولا يوجد لها مكانا بين الامم

ودعا الدكتور عبدالملك الحكومات العربية الى انتشال الاعلام من ايدي الصبية – على حد تعبيره – فقال ( ان الحكومات العربية بحاجة الى انتشال الاعلام من ايدي الصبية في بعض البلدان العربية والعودة الى الرصانة والقوة والديناميكية التي تؤثر حوار العقل لا حديث الاغاني ) كما يؤكد في مكان اخر ان الاسئلة التي يوجهها المتصلون في البرامج الحية غاية في الغباء والسطحية فيقول ( واذا حسبنا الساعات لتي يهدرها الاعلاميون الجدد نجد الكثير منها غاية في الغباء والسطحية من المتصلين كالسؤال عن الصحة وحالة الجو في البلد الاخر ووجود الفقع ( الكماة) وغيرها من المواضيع السطحية التي يطرحها الاعلاميون الجدد ان تجديد الاعلام يعتمد على احترام المتلقي وتقديم المثير والجيد والجديد له بصورة عصرية تعتمد على الانفتاح وعدم رفض الاخر والتعايش الحضاري مع سكان الارض بعيدا عن النزاعات الاقليمية التي يفرضها الاعلاميون الجدد الذين يصرون على تصنيف البشر ويحقنون الجيل الجديد بالعنصرية البغيضة )

وينتقد الكاتب القطري ظاهرة الاعلاميون الجدد في الوطن العربي عموما والخليج خصوصا حيث يؤرخ لتجربته الاعلامية في حقبة السبعينيات في احدى فصول الكتاب. اذ يرى انها نتاج سيادة الراي الواحد والسياسات الفوقية وغياب التخطيط السليم فيقول ( كان من سوء طالع بعض البلاد العربية ان ابتليت بنماذج من الراي العام الاحادي الذي تبثه وسائل الاعلام فتغيب الحقائق وتزيف الوقائع وتحيد بالعقول عن جادة الصواب وهي بذلك تهدر المال والوقت بما يتعارض مع المفهوم الاخلاقي للاتصال والتربية ايضا وبما يعوق صياغة انسان متكامل وقادر على التعامل مع معطيات العصر كما يشكل الاعلام الوافد في بعض من جوانبه عامل تشكيك في قيم وسلوكيات المجتمع الاخر وبما يجعله ينبذ الاتجاهات المحلية ويكثر من انتقاد السياسات والمشاريع والعلاقات الخارجية وفي ظل الصراعات العالمية وتفنن وسائل الاتصال في تمرير المعلومة المدروسة بعناية واختلاف القيم والمصالح لا بد من وجود تخطيط اعلامي يحدد المفاهيم ويدعم مواقف الدولة – اية دولة- مما يعترضها من هجمات اعلامية خارجية ومن المعروف ان كل جماعة سياسية تواصل الجهود للبحث وايجاد امكانات جديدة لاثارة اهتمام الجماهير بخدمة مصالحها.

ان هذه الخدمة يكمن فيها تخطيط اعلامي هو مصدر تستخلص هذه الجماهير منه طريقا تتوجه على ضوئه توجها و يساعد على صنع سياسة البلاد عندما تصغى هذه الجماهير الى الاذاعة او تقرا صحيفة او كتابا ويرى دكتور عبدالملك ان الخوف من الاعلام حاد به عن المنهجية والاهداف المرسومة له فيقول في مكان اخر من الكتاب "هذا الخوف والتوجس من الاعلام حاد به عن منهجيته المعروفة التي وضعتها الدولة وتم تغييب المواطن عن الاعلام وصار اعلاما فوقيا يصدر الاوامر والنواهي واعتمد الترفيه اساسا وحيدا في الاتصال فغابت الرؤى الفكرية الناضجة وغابت الشخصيات الفاعلة في المجال الثقافي وهذا ماحدا با لكثير من الكتاب الى اطلاق مصطلح( كباريهات الفضاء ) على المحطات الفضائية. ان التخطيط السليم يجب ان يرتكز على الحفاظ على المصالح والاماني والاهداف العليا جنبا الى جنب مع خط سير سياستنا التي توصلنا الى تلك الاماني والاهداف الا ان ما نلاحظه على الاعلام العربي انه فاقد لهذه الميزة اذ يعتمد على ردة الفعل ويغرق المشاهد بدعاية فجة وصور يملها الجمهور انه اعلام تديره شخصيات مؤقتة تختفي بمجرد حصول اول خطأ يغضب النظام لذلك وبعد اكثر من 40 عاما من الاعلام الرسمي في العالم العربي لا نجد اعلاما مؤساستيا بل ادارات تتبدل نهوجها واتجاهاتها حسب المزاج العام للدولة وهذا ادى وساهم في بروز الاعلاميين الجدد".

وينتهي الكاتب في نقده الى الاعلاميين الجدد بانهم يفتقدون الى مقومات العمل الاعلامي الصحيح لانهم يعانون من تناقضات اساسية ودوافع مختلفة فيقول: "من يعمل من هؤلاء الاعلاميين الجدد في التلفزيون يعاني من عدم وضوح اهداف الاتصال لديه وعدم المام بحرفية الاعلام والتلفزيون خصوصا وبث روح الفرقة والعنصرية بين فئات المجتمع وتحقير بعض الجنسيات الوافدة والاستهزاء بلغتهم وحضارتهم واستخدام لغة الشارع او المجلس في البرنامج وتحقير بعض الاماكن التي يعيش فيها المتصل بالبرنامج اما الذين يعملون في الصحافة فيقول عنهم ( في الصحافة – وهي مشاريع اهلية – كان التشجيع الوحيد الذي ناله الكتاب هو نشر مقالاتهم وصورهم واحيانا يتلقون مقابلا ماديا بسيطا لقاء ذلك وكان الكتاب في اوائل السبعينيات يعدون على الاصابع ولم يكن فيه من يمارس مهنة الصحافة الاساسية كالتحقيق والمقابلة والتحرير بل كانوا مجموعة من الكتاب الهواة الذين جذبهم الاعلام