بين المحاولات "المستبسلة "وعمليات النصب:
هجرة الشباب المصري.. بحثاعن وطن بديل اولا ثم وظيفة


مصطفى عبد العزيز:تعد الهجرة إلى الخارج من أكثر الأحلام التي تراود الكثير من الشباب المصري، ففرصة السفر والإقامة في دولة أجنبية أهم من فرصة الحصول علي وظيفة حتى ولو بدخل مناسب .فمازالت الدول الأجنبية تستحوذ على أفكار الكثير من الشباب لما توفره من فرص عمل ومستوى معيشي جيد واحترام للموطن .وعلى الرغم من تحول 11 ايلول الى عائق امام تحقيق احلام الشباب ، الا ان عدد كبير منهم يدأب لتحقيق حلمه بالخروج من مصر مهما كلف الامر .. فلا روادع او معوقات قد تثني عزيمتهم ، الهدف محدد والسبل لتحقيقه لا بد ان تثمر يوما ما .
لعل السبب الاساسي وراء سعي اشرف مجدي ( بكالوريوس خدمة اجتماعية) للهجرة هو الاحباط الذي اصابه نتيجة تحذير الاصدقاء بعدم قدرته على ايجاد وظيفة عند تخرجه .." اصبحت الوظيفة مجرد حلم بعيد المنال لذلك توجهت بعد تخرجي مباشرة إلى القنصلية الإيطالية للتقدم بطلب للحصول علي تأشيرة . لكن هذا الامر بات حلما ايضا نتيجة التدابير الصارمة التي وضعتها الدول بعد 11 ايلول ".وامام هذه العقبات يبرز حل غير منطقي الى حد ما وهو توفير حوالي العشرين الف جنيه من اجل الحصول على تأشيرة لاحدى دول اوروباالشرقية التي انضمت الى الاتحاد الاوروبي .." وهو امر من المستحيل تحقيقه، وفي حال تمكنت من توفير ذلط المبلغ فمن الغباء ان استخدمه للسفر ، لانه حينها اتمكن من القيام بمشروع خاص بي " .
وان كان لاشرف تجربة واحدة مع السفارة الايطالية فلمحمد عيد تجارب لاتعد ولاتحصى مع السفارات المختلفة التي لجأ اليها لكن كل محاولاته باءت بالفشل وخرج منتجربته تلك بمجموعة لا باس بها من اختام الرفض على جواز سفره
."لقد امنت كافة الشروط والاوراق التي طلبت مني ورغم ذلك رفضوا منحي التأشيرة ن والسبب " الغريب" كما فسر لي هو انعدام تجارب السفر لدي وهو الشرط الاساسي الذي تعول عليه السفارات لان "المجرب " إذا سافر للخارج وعاد والتزم بفترة التأشيرة فهو لن تكون لديه نية الهجرة والإقامة بصفة دائمة."
وهكذا بقي عيد في مصر يعد الخسائر المادية التي مني بها من اجل تامين كل ما هو مطلوب منه ، لكنه وعلى الرغم من ذلك مستعد للقيام بأي شيء من اجل الهروب من مصر حتى لو توفرت له فرصة عمل ودخل مناسب .." لااريد البقاء هنا " .
منجهته يرى محمود عثمان (خريج معهد حاسب) ان اسباب انتشار أحلام الهجرة بين الشباب والخريجين هو الإقامة في بلد تحترم فيه حقوق الإنسان وتوفر له كل متطلباته الأساسية من فرص عمل ودخل مناسب وبيئة نظيفة والهروب من المجتمع المصري الذي بات ينفجر من ارتفاع معدلات البطالة التي تزيد عن 70% في ظل وعود الحكومة التي تعلن من وقت لأخر بتوظيف عشرات الآلاف من الخريجين وهي وعود كلها فقط لا يقتفها أي التزام أو تطبيق." لدي العديد من الاصدقاء المقيمين في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بعضهم سافر قبل تشديد القيود علي السفر قبل أحداث سبتمبر وقبل أن تغلق السفارات الأجنبية أبوابها أمام العرب وبعضهم الأخر سافر عن طريق الزواج من أجنبية حتى يتمكن من تحقيق حلمه أملا في الحصول علي وظيفة وتحقيق مستوي معيشي افضل" .
وخلافا للمثابرة السابقة فإن ايهاب محمد (ليسانس حقوق) فإن الصعوبات التي تواجه المغترب كانت كفيلة بعدوله عنمشروع السفر "فارتفاع نسبه المخاطرة واحتياج الشاب لاموال كثيرة من ناحية وزيادة نسبة المعاديين للعرب في الخارج واستهدافهم من قبل أجهزة الشرطة والمضايقات التي يتعرضون لها نتيجة عروبتهم وديانتهم الإسلامية من ناحية أخرى كل هذا جعلني أتخلى عن الفكرة حتى لو لم أجد فرصة عمل مناسبة بالقاهرة".ويستغرب إيهاب حال الشباب المصري المستعد للتخلي عن الامان الذي يعيش فيه ويغادر الى بلاد بات وضع المسلم فيها محفوف بالمخاطر ،"من المرجح انني ساعيد النظر بموضوع السفر عندما تتحسن ظروف العرب والمسلمين في الخارج" .

هذه الهجمةالشبابية جعلت من طلبات الهجرة وما تتطلبه من تكاليف موضع اهتمام عدد من الافراد الذين وجدوا فرصة للاستفادة من احلام هؤلاء الشباب . الامر الذي يؤكده باحث بمركز البحوث الاجتماعية محمد البهي ،" يمكنك رصد العصابات التي اتخذت فروعا لها في عدد من محافظات الجمهورية في الدقهلية والشرقية والغربية وأسيوط حيث يستغل هؤلاء الأفراد ويجمعون أموال تزيد عن العشرين ألف جنيه من راغبي السفر للخارج ". هذه الوعود التي غاليا لا تنفذ " هي عملية تصب لااكثر ". وما حدث مؤخرا من قيام مجموعةمن المصريين بالتعاون مع شركاء ليبيين بالنصب على حوالي أربعين شابا من إحدى قرى محافظة الدقهلية وحصلوا عن كل فرد علي مبلغ 25 ألف جنيه على أن يتم ارسالهم إلى إيطاليا بحرا عن طريق السواحل الليبية التي تقترب كثيرا من السواحل الإيطالية في قاربين مطاطيين . هذه القوارب التي عادة لا يمكن زيادة حمولة اي منها عن ثمانية أفراد كما لا يتحمل الصمود أمام تلك المسافة التي تزيد عن 300 كيلو متر وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى مصرع 34 شخصا و إصابة سته آخرين علي يد شرطة خفر السواحل المالطية.
وإضافة إلى عملية النصب التي حدثت مؤخرا حيث اقنع ثلاثة اشخاص 17 فرد من محافظة الشرقية بقدرتهم على تامين سفرهم إلى اليونان مقابل 15 ألف جنيه للشخص الواحد .
وبعد ذلك قام هؤلاء باصطحاب "الحالمين " في رحلة بالأتوبيس متجولين الطرق الصحرواية بين الإسماعيلية والسويس والإسكندرية ثم بالقوارب وبعد عشرة أيام وجدوا أنفسهم امام السواحل الإقليمية أمام مدينة العجمي بالإسكندرية.
هذه الحوادث و"الاستبسال " من اجل تحقيقها باتت تشكل ظاهرة اجتماعة ينبغي التوقف امامها ودراستها جيدا حتى يتم تحديد اسبابها وتطويق خسائرها المادية البشرية ،ناهيك عنالسمعة السيئة التي قد تلحق بمصر نتيجة الهجرة غير الشرعية .وهو الأمر الذي بدأت تدركه وزارة الخارجية مؤخرا وسمحت بإنشاء مكاتب رسمية ومصدقة من قبل وزارات الخارجية من قبل عدد من الدول مثل استراليا ونيوزيلندا وكندا حتى تتسم عمليات الهجرة بين الأفراد الراغبين فيها بصفة قانونية ورسمية وتكون بعيدا عن عمليات النصب.
وسواء كانت الهجرة شرعية ام غير شرعية فانا الوضع واحد ، شباب بمواجهة وضع اقتصادي واجتماعي لا يرحم .. فلم تعد الهجرة حلم وظيفي لا بل تحولت الى حلم بإيجاد وطن جديد .