نسرين عزالدين : .. إلتفتت بإصرار باتجاه الباب ، رأسها في حالة من الخدر التام. كان عليها ألا تخدر نفسها بتلك الطريقة .تلمست طريقها إلى عيونها وفركتها بقوة ، رأسها الأرعن يقوم بلعبة خطرة ..التفتت مجددا نحو الباب.
هي تعلم أنه لن يأتي ، لقد ودعها بالأمس ، ودعها ، لا لم يودعها لقد هجرها ورمى قلبها في سلة المهملات .
هي تعلم أنه لن يدخل عبر الباب ، لكنها لا تزال تلتفت .
تناولت طعامها بهدوء مريب ، مشاعرها انحشرت في حنجرتها ، تكاد تنفجر، الألم يعتصر قلبها بقوة .إلتفتت مرّة جديدة . مسحت الدموع عن خديها .دفعت فاتورتها وانطلقت .
الطرقات تبدو بلا نهاية ، أغمضت عينيها لبرهة.. لم تر سوى وجهه .
لقد حذرتها أمها من عواقب الحب ، لقد حذرتها مرارا و تكرارا ألا تستسلم لمشاعرها ، أن تفكر دائما بأسوء الإحتمالات .وكيف تفكر بذلك وهو صديقها وحبيبها ومن أنجب وجودها وخلق كيانها . لكنها أدركت الآن أنها مخطئة ، لقد سقطت بلا هوادة..إنه الحب اللعين .
تكومت في فراشها وبكت ، بكت بقوة على أمل أن تجف دموعها دفعة واحدة .نامت على صوت نحيبها .
تحاملت على جسدها ومشت، مشت لسنوات عله يجدها مجددا ..إلتفتت نحو كل الأبواب وانتظرته عند كل مفترق ..حملت هدايا جميع الأعياد ورمتها .
أحنت رأسها بيأس واستسلمت، غدا زفافه .غدا ستسرق اخرى حلمها ، غدا ستعلم أنه لن يعود .
وضعت رأسها على وسادتها، أرادت أن تصلي لكن كلاماتها خانتها .أرادت أن تصرخ أن تبك لكن صوتها اختنق بخيبته .أغمضت عينينها وتمنت ألا تبصرا النور يوم زفافه، فلتغرق الدنيا في ظلمات يأسها غدا .
عقارب الساعة تعزف لحن موتها ..هكذا أرادت أن تسمعها . هكذا نعت نفسها .هي تعلم أن الله لن يقبل لها بهذا الألم . ستموت الليلة .. هي تعلم ذلك .
غدا زفافه . ماذا ستفعل . هي ليست نجاة الصغيرة ، لن ترفع الطرحة عن وجهها ، بل ستهشمه ، لن تقدم التهاني ، ستمسك برأسه وتقتلعه من مكانه .أجل هذا ما ستقوم به .
الهاتف يرن ، ترد بانفعال ، من المتصل في هذا الوقت المتأخر .
"نعم ... من المتصل؟"
"إشتقت اليك ".يا الهي .. لقد توقف الكون عن الدوران ، لقد ابتلعت البراكين حممها وانقلبت الدنيا رأسا على عقب . إنه هو .
صمتت .لم يعد لديها ما تقوله. كل الأحاديث التي دارت بينهما في رأسها لسنوات اختفت.سألها عن أحوالها فلم تجب . قال إنه اشتاق إلى صوتها . تنهد وتمنى أن تجيبه .
أجابت . سألته ماذا يريد .لم يجب . سألته مجددا ..قال إنه يريد رؤيتها .
إنسابت دموعها ، لم تكن دموع فرحة طول إنتظار ، بل كانت دموع خيبة زادت .."أغدا تتزوج؟ "
"نعم .. يجب أن اراك ".
بكت بصوت مرتفع . لام نفسه لأنه اتصل بها . فضعفت وعاجلته بالموافقة .
الوقت متأخر جدا ، لكنها ستراه ..مسحت دموعها وانطلقت كالمجنونة تفتش عنه . هي تعلم أنها ستجده هذه المرة .
ها هو أمامها ..جسدها يرتعش بقوة ، لم تعد تشعر بدقات قلبها ، إقترب منها و احتضنها . بكى .. فبكت لبكائه .قبلها وتلمس وجهها يمسح دموعها .
جلس بقربها ممسكا بيدها . سألها عن أخبارها فأجابته باقتضاب .إبتسم لها .
أخبرها عن شوقه لها .. فابتسمت .
"أغدا تتزوج "؟
" نعم ".
بكت رغما عن كبريائها أمامه . "لا أعلم إن كنت أحبها".
أرادت أن تسأله لما يخبرها بذلك .. لكنها لم تستطع ..أحنت رأسها بصمت .
ها هي الآن بعد كل عذاباتها تجلس بقربه ، تمسك بيده ..ويخبرها أنه سيتزوج سواها غدا .
أخبرها نكتة فضحكت .وضع رأسه على كتفها وهمس أنه يحبها ولن ينساها أبدا .
قبلها مجددا وهما يراقبان شروق الشمس .لقد حان موعد زفافه .
"أتتزوج اليوم؟ "
"نعم .. هل تريدين أن نذهب إلى منزلي ؟"
لما يسألها ذلك .. هي لا تعلم . زفافه بعد ساعات ،وهو يطلب منها أن تذهب معه إلى منزله .
"لا أعرف ،هل أعتبر عشيقة لو ذهبت معك الان ، أم علي أن أنتظر حتى تتزوج ويصبح لقبي الرسمي؟ "
"انت من أحب ولست عشيقتي . أنا أحبك ،ومشتاق لك حتى الثمالة . هي موضوع آخر ، هي مكان غير معقد ، مكان يمكنني أن أتعايش معه بسهولة تناسبني".
وضعت رأسها بين راحيتها ، أخفت حزنها وابتسمت .. "نعم لنذهب".
ذهبت معه لأنها تتوق إليه ،لأن مشاعرها لم تخمد يوما.. لأنها تحبه .
ذهبت معه لأنها انتصرت .
ذهبت معه لأنها ستكون عروسه صباح زفافه .
.. هاتفها يرن ."أين أنت ،أتصل بك منذ أيام لماذا لا تجيبين ؟"
صمتت "كيف كان العرس ؟"
"لا بأس ، أين أنت ؟"
"ماذا تريد؟"
" أريد أن أراك "
ضحكت بحرقة "لكنك ما زلت في شهر عسلك ، إنتظر حتى تنتهي منه على الأقل".
غضب منها و أقفل الخط.
أوهمت نفسها بأيام أفضل و تابعت حياتها . لم تعد ترفع عيونها خوفا من أن تصطدم بعيونه صدفة .غريبة حميمية هي العيون ، كم يمكنها أن تكون فاضحة . وضعت رأسها في الرمال وبكت هناك .
هاتفها يرن مجددا .." لقد نلت عقابي .. أنا اشتاق لك طوال حياتي وأعلم انني لن أراك مجددا " .
أرادت أن تسأله ولما تخبرني بذلك .لما لا تخبرها هي .لكنها لم تفعل . صورته وهو يقبل الأخرى أو يمسك بيدها أو يحتضنها ليلا تكاد تفجر رأسها . لكنها الآن هي الأخرى .
" لقد قرأت شعرا منذ فترة لا أذكره تماما، للماغوط على ما أعتقد عن أربعة عيون مغمضة .قال سوف تنال منها ما تشاء،
دون أن تلتقي عيناك بعينيها !!
قد تنال منها حتى أحشائها
دون أن تلتقي عيناك بعينيها ".
صمت طويلا ،"لن أزعجك مجددا "
"كلانا يعلم أنك ستفعل .. فلنقل إلى اللقاء".