الإختلاف جنحةٌ .. وعقوبته السّجن:
الجنس بين المثليّة والإزداوجيّة

نسرين عزالدين : "إنهم يتكاثرون .. إنهم في كل مكان " ، وكأن مجموعة من المخلوقات الفضائية حطّت رحالها على كوكب الأرض وبدأت بتنفيذ مهمتها .. زيادة عدد مثليي الجنس.
للشاذين جنسيا أو لمثليي الجنس في العالم بشكل عام وضع خاص ، وفي العالم العربي وضع خاص جدا ، أما في لبنان فالوضع مختلف تماما .
وسواء شاءت هذه المجموعة "المختلفة" أم أبت الإعتراف فإن درجة تقبلهم من المجتمع مقبولة جدا ، بل أكثر من ذلك بأشواط مقارنة مع بقية المجتمعات العربية . ففي هذا البلد ، الغريب بتركيبته والمنفتح بشكل كبير على جميع أنواع الإختلافات شهدت " سرية اللواط والسحاق" إنفتاحًا كبيرًا خلال السنوات الماضية. حتى أن البعض يرى أن المجتمع قد "سبق" المجتمعات الأوروبية بأشواط في تقبل مثيلي الجنس ،ولعل ذلك يعود إلى تمسك البعض بفكرة "ضرورة تقبلهم كي لا نكون شرقيين جدا " فتمّ تقبلهم " أكثر من اللزوم" كما تعتبر فئة من اللبنانين . إلا أن هذا التقبل لا يعني بالضرورة أنهم يعيشون في "سبات ونبات"، فالشذوذ الجنسي قانونيًا جنحة ..والتعبير المعتمد " جنحة اللواط أو السحاق " وعقوبتها السجن لمدة عام .
فمن يملك الشجاعة للإعلان عن ميوله المثليّة أمام أهله و أصدقائه عليه التستر أمام القانون ، وإلا كان السجن مصيره .. والتهمة وببساطة أن أحدهم إختار إنطلاقا من حريته الشخصية ونتيجة لمشاعر أو تركيبة بيولوجية معينة لجسده ميوله . أحب المختلف عن المتعارف عليه .. شذ عن القاعدة المتدوالة ، فليكن السجن عقابه أو ليصمت ويختلف في الخفاء .

الإكتشاف والإعلان:

لبعض مثليي الجنس مظهر خاص يمكّنك من كشف ميوله عن بعد أميال، وللبعض الآخر مظهر عادي لا يوحي بأي توجهات جنسية " غير عادية" . "لطالما كنت ناعم الملامح والتصرفات" يلوح راجي بيده في الهواء " حين كنت طفلا وصفت بالمدلل وحين كبرت تحولت إلى المريب" . لا يحاول راجي التعمق في الأسباب التي جعلته مختلفا عن غيره كطفل و منجذب إلى بني جنسه كرجل " لا أهتم حقا ، لا أهتم إن كان خللًا هرمونيًا أو رغبةً ملتويةً . أنا هكذا ومن لا يريد أن يتقبلني لا أريد أن أتقبله في المقابل فليدعني وشأني " .
وإن كان راجي قد تمكن من الإفصاح عن ميوله لأصدقائه إلا أن أهله ما زالوا " يشكّون في الامر .. وإنما لا يعلمون بشكل مؤكد " . وهكذا فالخوف من إكتشافهم يتربص له في كل مكان يقصده ويتصرف فيه على سجيته مع " حبيبه" . " لا أحب التحدث عن تجربتي الأولى ، فلنقل أنني علمت منذ البداية انني مختلف والآن أنا أحب الرجال وكفى" .
من جهتها لا تزال سعاد تحتفظ بسرها لنفسها ولمجتعها الخاص من السحاقيات " عندي مجموعتين من الأصدقاء ، الأولى العادية و الثانية من السحاقيات مثلي ." مجموعتان تسعى بشتى الطرق إلى منع أي لقاءات مشتركة بينهما خوفا من إنكشاف سرها .
صدفة بحتة كانت وراء إكتشاف سعاد لميولها " كنت أعجب بالفتيات و بمظهرهن وإعتقدت حينها أنه أمر طبيعي لأنه وكما يقال الحلو حلو وعلى راس السطح . إلى أن التقيت بصديقتي الحالية ". وهكذا قامت ديانا صديقة سعاد بالخطوة الأولى " خفت بداية
الأمر لكنني سعيدة جدا الآن . أحبها وتحبني وأتمنى لو أمضي بقية حياتي معها ".
وهنا تبرز معضلة جديدة ، فعلى سعاد في مرحلة ما ، وفقا لتوقعات أهلها ، الإقتران بأحدهم وتكوين أسرة "لا أفكر بذلك حاليا ، أعلم أن وقت التصادم بات قريبا .. لكن حتى يأتي ذلك أفضل أن أستمر بسعادتي بلا منغصات لما قد أو قد لا يحدث في المستقبل " .
تنوعت التحليلات وإختلفت النظريات حول الأسباب التي تجعل من أحدهم مثليي الجنس وآخر طبيعي . وإن كانت الدراسات بشكل عام تشير إلى تركيبة هرمونية مختلفة وبالتالي "إختيار" الميول أمر غير وارد وإنما مفروض كنتيجة حتمية لتركيبة بيولوجية مختلفة ، إلا أن البعض يميل إلى إلقاء اللوم على حادثة أو تجربة معينة .فتتكرر قصة " إغتصبت خلال طفولتي" من ناحية الشبان بشكل كبير ، رواية قد تكون صحيحة في بعض الحالات . وبعيدا عن إطلاق الأحكام ، فإن تشابه القصص بطريقة غريبة ، يجعل من الرواية برمتها موضع شك .

الإزداوجية الجنسية

تبرز فئتين من مثيلي الجنس ، الأولى ملتزمة كليا بميولها الأحادية والأخرى التي تتنقل بين الجنسين ، إلا أن الأمر لا علاقة له من قريب أو بعيد بطريقة التصرف ، الأنثوية ليست حكرا على مثيليي الجنس حصريا . ففي الوقت الذي تجد فيه علامات فاضحة لبعض الاشخاص تبرز تلك الفئة التي "تتفاجأ" حين تكتشف ميولها .." لا أحب التمثل بالنساء ، ولا أعتقد أنه وبسبب إنجاذبي إلى الرجال علي أن أكون أشبه إلى الأنثى" . هكذا يفسر فراس نظرته إلى مثليي الجنس " الأمر الذي أعتقد أنه ينطبق على السحاقيات وإن كان وضعهم يختلف أحيانا ..كون إحداهن تلعب دور الرجل " .
أما داني فيعترض بقوة على تصنيف كل "مثليي الجنس" كراقص في النوادي الليلة أو راقص تعرّ أو شاب يتبرج . الميول لا علاقة لها بالشكل أو بالمهنة ." فداني متزوج ويشغل منصب مدير عام لإحدى الشركات ، لكنه إكتشف ميوله مؤخرا " أعلم أنه يجب أن أصارح زوجتي في مرحلة ما عن إزداوجية ميولي الجنسية(bisexuality) ، لكنني لا أعرف من أين أبدأ. الخيانة خيانة ولو كانت مع ذكر مثلي " .
معضلة مماثلة تقض مضجع عادل الذي يحب صديقته لكنه يشعر في الوقت نفسه بإنجذاب هائل تجاه الشبان ، " لا أعلم إن كان ذلك يعني أنني أحب الشبان ، هو مجرد شعور لغاية الان . فلم أقم علاقة مع شاب لأن في ذلك خيانة لمن أحب " . عدم إستقرار كبير نتيجة رغبتين مختلفتين تماما تنمو داخله تنذر بإنقلاب كبير " أشعر بضغوطات كبيرة ، وأعتقد أن الحل هو الإفصاح قريبا قبل إقدامي على ما قد لا تحمد عقباه " .
إن كانت الإزدواجية الجنسية لدى الذكور " مشكلة " فيبدو أنها أكثر سهولة لدى الفتيات ، بل قد تخدمهن إلى حد ما ، في أحيان كثيرة " صديقي لا يمانع ، على العكس يجده حلم تحول إلى حقيقة " تبتسم رولا بمرح " حصل على إثنتين بدل واحدة " .
وإن كان صديق رولا قد تقبل الوضع " بسعادة " لا توصف ، فإن صديقتها تبدو أكثر تملكا " هي تحب أن تلعب دور الرجل أحيانا .. لا تحب مشاركتي مع أحد . لكنني كنت واضحة معها منذ بداية العلاقة .هي لا تحب الرجال مطلقا .. أنا أحب النوعين " .

أماكن تواجدهم

لهم أماكنهم الخاصة وأسلوبهم وإشاراتهم التي تمكنهم من التعرف على بعضهم البعض . وإن كانت إمكانية لقائهم فيما مضى صعبة ، إلا أن الوسائل المتاحة الآن جعلت التجمعات أكثر سهولة . فيكفي أن تتعرف إلى واحد فقط ، وهو يتفكل بإدخالك ضمن المجموعة ، وإن كنت لا تعرف أحد يمكنك وببساطة زيارة مواقعهم الخاصة على الإنترنيت وهناك ستجد المعلومات الضرورية . كما يمكنك إضافة نفسك إلى اللائحة البريدية وسيتم تأمين شريك لك كما يمكنك وببساطة الذهاب إلى الأماكن التى حددها الموقع ، وإن كانت امكان تواجدهم معروفة بشكل عام . فلمثليي الجنس في لبنان نواد ليلية خاصة ، قد يقصدها أحيانا أصحاب الميول " العادية" لكنها و بشكل عام خاصتهم .
ما يثير تساؤلا ، فإن كانت التعليمات المدرجة على الموقع صارمة جدا حول ضرورة تفادي الشرطة وعدم الإعتراف في حال تم توقيف احدهم ، فهل هذه الشرطة نفسها لا تعلم بهذه المواقع التي شرحت بالتفصيل الملل المكان و الزمان و الإشارات المعتمدة .
..من المسلم به جدلا أن " جنحة اللواط والسحاق" التي ذكرها القانون اللبناني لا تطبق بصرامة ، وسواء صنف ذلك تساهلا أم غض نظر، فالوضع لا يزال على حاله ، وهذه الفئة ملاحقة قانونيا وعرضة للإعتقال في أي وقت . فمثلي الجنس لا يختلف عن غيره بشيء ، فهو إنسان عاقل يفكر و يحلل ، ومواطن يعمل و ينتج ويدفع ما يتوجب عليه من ضرائب . إختار ميوله طوعا أو نتيجة تركيبة بيولوجية مختلفة لا فرق فعلا ، فالقرار نابع عن حريته الشخصية .. وهذه الحرية هذه المرة لم تمسّ حرية الآخرين .. فالبعض كتم سره والبعض الآخر أعلنه وحمل ميوله الى أماكنه الخاصة بعيدا عن حريات الآخرين .