كن جميلا ترى الوجود اجمل
مجرد تجميل..لا تغيير

سعيد الحسنية :بعد أن مهدت محبوبتنا المهضومة نانسي عجرم السبيل القويم للجميلة الصغيرة ماريا وأختها المغنية المثيرة نجلاء ، وأهدتهما إلى الطريق المؤدي إلى قلوب
الملايين ودفعتهما إلى السطوع في سماء الفضائيات ومن ثم الاشتراك في حرب النجوم والسباق نحو قمة الإثارة والغنج والتنافس في مسابقة كشف أكبر قدر من اللحم الطري.
وتقديم أكبر عدد من هزات الأرداف والأثداء ،أصبح للغناء نكهة ورونق خاص ما استدعى دخول الأثداء والشفاه والعيون والأرداف ليشتركوا مع الحبال الصوتية ويشكلوا معا هرمونية الدمج بين الهزة والبحة .
فتخرج صورة مشهدية غنائية "بورنية "موحدة . ومما لا شك فيه أنه لا يكتب لهذه النجمة السطوع ولا لتلك البروز وأسر العقول وسحر العيون وإثارة الكبير والصغير ، ودفع الجميع إلى دنيا الأحلام والاحتلام ، وفتح الأفواه واستفحال ذكورة ما او إثارة شهوة مكبوتة لولا جمالهم الخلاب الأخاذ في عالم تحكمه الأفخاذ وتسيره ارداف من مختلف الأحجام والأشكال.
وفي زمن الإنفتاح أصبح الجمال مفتاح العبور إلى عالم الشهرة والنجاح. ولكن هل ذلك الجمال حقيقي أم هو مجرد باقة من ارقى مستحضرات التجميل ومساحيق التبييض والتلوين ؟ام نتيجة فعل ارتكبته أنامل جراح ماهر بارع في إخفاء التضاريس وتكبير الصغير وتصغير الكبير ونفخ ما أمكن نفخه، وقد تمكنت أدواته من طمس ملاح وتشكيل أخرى؟ وهل حجم هذا الثدي حقيقي أم هو مجرد بالون منفوخ ؟وماذا فعلت هذه بمؤخرتها كي تلتصق العيون بها وهي تستعرضها على جمهور اثقلت كاهله المحظورات ، فاستباح المحرمات .

قوام رشيق وقد رقيق

لا يخفى على أحد الفرق بين الجمال الطبيعي والمصطنع المركب بفعل التجميل ، فحتمًا معظم المشاهير قد خضعوا لعمليات تجميلية متنوعة في أنحاء متعددة من أجسادهم . وجاء عصر الفضائيات المفتوحة والمشفرة لينشر ثقافة التجميل ويكرس مقاييس ومعايير محددة لجمال معمم وفق الجميلات المشهورات في دنيا الغناء والتمثيل او الأزياء. وهكذا اصبح الـ LOOK " او المظهر الخارجي الجديد مطلبا عصريا ،ولم يعد ينحصر الهوس به فقط عند المراهقات، بل وصلت عدواه إلى السيدات وحتى الرجال فأصبح الكل يتنافس مع الآخر في (اللوك) او الشكل.. مستعينين
بجمال المغنين والمغنيات واتخاذهم مقياسا للجمال ليصبح الجمال ضرورة من ضرورات حياتنا العصرية. وقد انتشرت في الآونة الأخيرة عمليات التجميل وبكثرة في مختلف دول العالم بغية الحصول على القوام الرشيق والقد الرقيق وان كان محشوا بالسيليكون او منفوخا كالبالون. وتضاعف أعداد المقبلين على إجراء عمليات تجميلية جراحية ، بما فيها عمليات تصغير الأنف وتجميل الصدر وشفط الدهون لكلا الجنسين ، إلى جانب الإقبال "الحريمي" اللافت على عمليات الحقن التجميلية لمنطقة الوجه، ليكون تكبير الشفاه الأكثر طلبا بينهن .

تعميم ثقافة التجميل

وفيما بقيت عمليات الجراحة التجميلية في العالم العربي طيلة العشرين عاما الماضية مقتصرة علي الجانب العلاجي للمصابين بتشوهات او حروق او حكرا على طبقة معينة مرفهة من المجتمع مع حفظها طي الكتمان، إلا ان الاعلام المفتوح عبر الفضائيات والانترنت وانتشار نمط جديد من برامج التجميل الحية قد ساهم في رفع درجة الوعي بعدم خطورة إجراء العمليات الجراحية التجميلية وسهولة اجرائها في فترات زمنية لا تتعدي ثلاثة ارباع الساعة كما في عمليات الحقن. الأمر الذي دفع شرائح مختلفة من المجتمع على الاقبال على عمليات التجميل ومن فئات عمرية تبدأ من سن السابعة
عشرة بمن فيهم طلبة الجامعات اناثا وذكورا ومضيفات الطيران والممثلات والسكرتيرات. لم تعد العمليات التجميلية حكرا علي الأغنياء بل تعدته الي الطبقات المتوسطة والفقيرة لدرجة تدفع بالبعض للاستدانة او تحصيل قروض بنكية في سبيل الظهور بأنف مستقيم او وجنتين وشفتين ممتلئتين تشبه الى حد كبير شفاه
الفنانة نانسي عجرم التي أصبحت شفاهها مقياسا لجمال الشفاه تسعى إليه الكثيرات من السيدات والفتيات من مختلف الاعمار. ومن جهة اخرى أخذ الذكور يزاحمون الاناث في عالم الجراحة التجميلية ، حيث تعتبر عملية شفط الدهون من منطقة الصدر لتصغير الثديين الاكثر شيوعا في محاولة للتخلص من الحرج وتفادي التعليقات خاصة أثناء ممارسة هوايتهم المفضلة الصيفية السباحة .

إصلاح السقف العربي المثقوب

حتمًا إن "الله جميل يحب الجمال" وقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، وبما ان ظاهرة التجميل شقت طريقها في نواميس حياتنا بل تكاد تكون مدماكا أساسيا في معيشتنا وكأن من لا يقوم بالتجميل هو متخلف يعيش خارج العصر والزمان.ولكن الغريب في الأمر هو القبول الكبير الذي لاقاه فن التجميل للوجوه والصدور خاصة بالافراد بمقابل الرفض الشديد بل المنع والوقوف صدا منيعا امام أي محاولة تجميل لدولنا وانظمتنا المترهلة السائدة .وطالما ان التجميل يختص بتنسيق وإبراز لما هو ظاهر، فلماذا إذن لا يسمح أولياء الأمر بتجميل أنظمتهم وتعديل قراراتهم وتحسين وجوههم الممسوخة المشوهة، وتقويم اعوجاج أحكامهم ، وحشو وترقيع وترميم ما كان مترهلا وعفنا ومفلطحا، " تصغير المتضخم وتكبير المضمحل غير البارز وشفط ما هو مدهْن وحشو ما كان جلدةَ على عظم، و تصبيغ وتشقير ما هو شايب وتبيض ما كان مسّودا ومحروقا ". فالمطلوب فقط عملية تجميل لا إصلاح وتبديل. فالهدف والحلم الممنوع والحل الضائع هو غاية في الوضوح.. مجرد عملية إصلاح السقف المثقوب للبيت العربي وإيقاظ الأمة الغارقة في سبات عميق . لقد آن للمستضعفين النائمين في الحفر ، وأولئك المعلقين على الشجر، أن يدركوا سبيل الخلاص ووسيلة التغيير والإصلاح المناسبة والنابعة من مجتمعنا والمنطلقة من عاداتنا وشرقيتنا ومتوائمة مع تراثنا وديننا .

تصليح وتقويم...لا تغيير

الكل محتاج عندنا للتصليح والتعديل . و التقويم هو مطلب داخلي بحت قبل ان يكون مطلب خارجي ، وهو شيء يبدأ من الداخل ولا يجب ان يكون مفروضاً علينا بقوة المحتل من الخارج .لكن إن معظم المطالبين بهذا التغيير يتبجحون ويعلنون
ويطالبون وهم قابعون في أحضان الغير ، تاركين سياط القهر والذل والعبودية والتخلف تلسع اقفية المساكين الأحرار الحقيقيين في الداخل بانتظار دبابة المحتل والفتح العظيم الذي سيرافقونه مع افكارهم الديموقراطية الجديدة .الا ان المحتل لا يقوم بتحرير العبيد الخاضعين لكنه قد يدخل التلفاز إلى الزنزانات ليتمكن الثائرون من إخماد نيران ثورتهم في مغطس حمام نجلا ، ومن المؤكد أنه لن يقوى أحد مهما كان يملك من عدة وعتاد وأسلحة وجيوش جرارة على التغيير ما لم توجد رغبة وإرادة التغيير لدى المقهورين. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،لكنها لن تجدي نفعا ولن تثمر في
إصلاح الوطن والمواطن، لسبب بسيط وهو اننا لم ولن نتغيير، فالخلل متغلغل فينا ولكن لا بد لكل أمر من بداية ونهاية ،ما عدا " أمر اليوم " العسكري الذي لا نهاية له .

الضرورات تبيح المحظورات

إن الشيء المضحك والمبكي في آن معا هو صدور فتاوى دينية تبيح عمليات التجميل وتجد أنه لا مانع منها لمن عنده عذر شرعي وعيب خَلقي ولمن يسعى أو تسعى لطلب الرزق . وإذا كان الشكل الخارجي هو العائق الوحيد في عدم تحقيق ذلك الطلب، يجوز القيام بتلك العمليات وبما أن الضرورات تبيح المحظورات ، فإن عمليات التجميل مباحة والله أعلم. وبالرغم من أهمية الإصلاح وضرورته لطلب رزق المواطنين ومن الحاجة الماسة لتصحيح أوضاع دولنا المترهلة ،إلا أنه لم يجرؤ أحد من شيوخنا الأبرار الأفاضل على إصدار فتوى واحدة تحبذ الإصلاح وتحث عليه.
لذلك سنقوم بإصدار مطالب تجميلية .. لعل احدهم يتبناها وينادي بضرورة تطبيقها :

- شفط الأموال من جيوب حكامنا وإعادتها إلى المواطنين .
- حشو أرداف قادتنا وجنرالاتنا بخطاباتهم وشعاراتهم الفضفاضة.
- نفخ شفاه وزرائنا ونوابنا لكي نزيد من قباحتهم لعلهم يقدمون على تفجير رؤوسهم حين يرون بشاعتهم في الصباح.
- نفخ أثداء رؤسائنا الوارثين والمورثين وورثتهم إلى أكبر حد، فإما ينفجروا أو يطيروا ويرحلوا،تاركين حكم البلاد والعباد، ولعلهم بذلك يتعظون ويتوقفون عن شفط مؤسساتنا و حشو رؤوسنا بكل صنوف الخنوع ونفخ عقولنا بانتصارات زائفة، وكم أفواهنا وتكبيل أيدنا، لعل وعسى أن تتوقف المعركة التي لا يعلو صوت صوتها .

وما نطالب به بسيط جدا ، وهو:

- تقصير رقاب زعمائنا كي لا تطالها أيدي أي كان وتوجه " السحاسيح " لها .
- تقصير أيادي زبانيتهم وأعوانهم لتكف عن نهب خيرات بلادنا .
- الحد من النسل وتقليل عدد الورثة .
- تعديل أو تجليس انوفهم كي يتمكنوا من شم رائحة الفقر والموت الذي يعصف باوطانهم .

هزة أرداف شاكيرا ..خير تعبير

وفي انتظار إجراء تلك العمليات والتأكد من نجاحها ، فربما أفضل عمل نقوم به في الوقت الراهن هو أن نقلد محبوبتنا المهضومة، او زميلتها الكولومبية شاكيرا التي
عندما تغني - تدير قفاها للجمهور المتعطش لأسلوبها الغنائي الذي تمّيزت به عن غيرها في هز الأرداف - أو المؤخرة- لبضع دقائق ومن ثم الغناء. حركة نستحقها مواطنين وحكام بامتياز .. ويبقى ان عمليات التجميل وتغيير خلقة الله هي طريق الوصول وهي سر و مفتاح النجاح المضمونان لكل من يريد أن يصل في هذا الوقت ، فلولا عمليات التجميل لما سطع نجم نانسي عجرم و إليسا و روبي وهيفا ونجلا وماريا وغيرهن من الفاتنات و تربعن على عرش قلوب المقيدين وأولئك الذين سيطرت شهواتهم على عقولهم وحددت مساراتهم وأفكارهم . وعودة إلى ذي بدء فان من يعتقد أننا مجتمع لا يريد و لا يحب التغيير، فهو مُخطئ ولا يعرف ماهية المتغيرات الجذرية التي تحدث لنا حالياً وباستمرار وفي كل نواحي الحياة. إن ما نطلبه هو مجرد تجميل لواقعنا المترهل وتحسين قدر المستطاع لحالنا وواقعنا. فنعم للتجميل لا للإصلاح المستورد . وحتما لا توجد مادة على وجه الأرض يمكن أن تزيل عنا اعوام من التخلف والتذلل ويمكنها حذف تضاريس الخنوع عن وجوهنا، فجراحات التجميل قد تعدل من أوضاعنا ولكنها لن تغييره ..
واخيرًا نشدد على ضرورة ان يكون التغيير نابع من الداخل ، لا أن نستورده من بلاد البقر، لأنه لا يصح زواج الجمال من الأبقار. والله أعلم ...