احمد عبدالمنعم :على مقهى شعبي في وسط القاهرة جلس كاميرن باورز الأميركي صاحب السبعين ربيعا مع زوجته الحسناء كريستينا التي لم ينجح الزمن فى النيل من وجهها ،فظل محتفظا بنضارة تجعلك تخطئ بضع سنوات في تقدير عمرها الحقيقي. لم يعبأ كثيرا بنظرات الدهشة التي ظلت تطارد تلك الآلآت الموسيقية الشرقية التي بحوزتهما، فقد اعتادا هذا الأمر منذ وجودهما في الولايات المتحدة حيث وضعا اللبنة الأولى لفرقتهما الموسيقيةالتي تخصصت بتقديم الأغنيات العربية ليحققا نجاحا كبيرا خاصة بين الأميركيين من ذوي الأصول العربية .
علاقة الحب التى جمعت كاميرون بالموسيقى العربية بدأت قبل سنوات حين سمع إحدى أغنيات أم كلثوم،فطرب لها وأدرك انه وجد ضالته الطربية التي طالما بحث عنها دون جدوى في الموسيقى الغربية.
إنبهار كاميرون بصوت أم كلثوم ولد حالة من الشبق المعرفي للموسيقى العربية ثم ما لبث أن تحول الى اهتمام بالثقافة العربية بشكل عام ليتحول بعدها ذلك الكهل الأميركى الى تلميذ متعطش لكل معلومة جديدة عن هذا العالم الذي يبعد عنه آلاف الأميال . وبقدر انبهاره بالموسيقى العربية كان انبهاره بدفء المشاعر الانسانية التى وجدها في العواصم العربية التى زارها فهو كما يقول " يمكنك أن تعرف العربي من بين ملايين البشر والجنسيات، فهو ذلك الانسان الذي يبدو على وجهه دفء انساني عندما يتحدث اليك " .
جولة كاميرون وكريستينا في العواصم العربية لم تكن بغرض تقديم حفلات الموسيقى العربية التي احترفاها، بل كانت رسالة احتجاج على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بدءا من التحيز الأعمى لاسرائيل وانتهاء باحتلال العراق تحت مزاعم تصدير الحرية التي ربما باتت أميركا نفسها هي الأكثر حاجة اليها في هذه الأوقات .

تلك الجولة حقا لم تكن مجرد نزهة لسائحين يبحثان عن المتعة أو مغامرين يسعيان الى الشهرة، بل كانت تنطوي على قدر كبير من المخاطرة . فقد كانت بغداد محطتهما الأولى حيث الجرح العربي الغائر، لم يعبأ الناشطان الأميركيان بحجم المخاطر التي سيواجهانها بارادتهما الكاملة فقد وجدا أن الرسالة التي يريدان إيصالها الى الشعب العراقي أهم بكثير من حياتهما . وفي ميدان الفردوس في قلب العاصمة العراقية بغداد ،كانت حفلتهما الرائعة التي تحولت الى صرخة احتجاج ضد الاحتلال الأميركي ولتكشف أن الشعب العراقي قادر على التمييز بين المحتل والصديق وان حملا نفس الجنسية .
كاميرن وكريستينا ليسا الأميركيين الوحيدين المناهضين لسياسة بوش في الشرق الأوسط ،فيبدو أنهما زرعا تلك المبادئ داخل كثير من الشباب الأميركي وهو ما بدا واضحا على ابنة كريستينا لورنز التي حضرت الى القاهرة في جولة سياحية . لورنز تلك الحسناء الأميركية- التي تشبه بدرجة كبيرة بريتني سبيرز في شقاوتها- لم تجد حرجا فى الاعتراف بانتمائها لشعب يجهل الكثير عن شعوب العالم معتبرا بلده مركزا للكون ما ترك العنان لحكومته الهوجاء لتتخذ ما تراه من سياسات وتحتل ما يحلو لها من بلدان .
كريستين صديقة لورنز التي رافقتها خلال جولتها في القاهرة وعلى الرغم من هدوئها الشديد وندرة كلامها ،الا انها تحمل سخطا كبيرا من السياسة الأميركية في المنطقة خاصة بعد انهيار أمامها حاجز الخوف من العرب الذي بنته وسائل الاعلام الأميركية فى نفوس الأميركيين طيلة الأعوام الثلاثة الماضية .
ربما لو كان المسؤولون الأميركيون يحملون داخلهم قلب كريستينا وعقل كاميرون لصارت الأمور أفضل بكثير مما هي عليه الآن .. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه !