أحمد سعيد: بدأ نور الشمس بالخفوت شيئا فشيئا، وأخذ القرص المضيء يلملم أشعته المنسابة نحو هذه الصحراء الكئيبة ويعد العدة للمغادرة فاسحا المجال أمام خيوط الظلام لتحيك ثوبا لليل أسود داكن .
ما زال أحمد متسمرا على كرسيه منذ الصباح ، متجهما ، مرتديا كآبته ممسكا بهاتفه المحمول ، متأملا شاشته الصغيرة منتظرا قدوم " مسج " أو حتى " ميسد كول " . أين هي يا ترى ؟ لماذا لا ترد عليه "اليمسد " بأطول منها كعادتها ؟ ميسد كول قصيرة ستسعده لا يهم طالما تجيبه ،فقد أرسل لها خمس مسجات وأكثر من عشرين رنة ولم تجبه إلا برنتين ، لقد سألها عشرة أسئلة ولم تجب . هل حدث لها مكروها ..حتما لا فلو حدث ذلك لشعر بذلك . فمنذ عرفها تبرمجت انفعالاتهما وأحاسيسهما معا فلا يمكن لأحدهما أن يصاب بأقل مكروه دون ان يشعر به الآخر رغم المسافات الجغرافية بينهما.
غابت الشمس وساد سكون مطبق بعد ان زادت عتمة الليل على حياته سوادا احلك من ظلمة المجهول الذي يعيشه .. وأحمد ما زال على حاله منتظرا رد حبيبته ، وإذا برنة قصيرة تخترق جدار الصمت مبشرة أحمد بوصول الرد عبر مسج قصيرة .
" لا تقلق يا حبيبي انني بخير ولكني معجوقة كثيرا ومنشغلة بشراء الثياب التي سأحضر بها عرس زوزو. وبدي ضبط شعري وروح للعرس .... بحبك" . لم تتمكن رسالة الحب هذه بما حملت من تطمينات أن تخمد نار قلقه المشتعلة في رأسه وقلبه ، وخلافا لما كان متوقعا من راحة بال عقب الرسالة زادت حيرته واضطربت حاله .
ترك كرسيه وراح يجول في البيت وحيدا ، يريد أن يصرخ ..لا لن يفعل فقد يظنه الناس انه قد جن ، عليه ان يحتفظ برباطةجأشه . لكن كيف السبيل الى ذلك وناره تستعر كلما تذكر كلماتها" عرس زوزو" أفقدته تلك الكلمة كل اتزانه رغم أنه على علم بذلك العرس.
صحيح انه توتر بالأمس عندما أخبرته ،لكنه استعاد رويته وسهرا معا على الهاتف حتى ساعة متأخرة تبادلا أرق وأكثر المساجات رومانسية وإثارة .ما به اليوم ؟ لماذا كل هذه العصبية ؟ هو نفسه لا يعلم ..هل المشكلة في زوزو .. حتما لا فهو يحبها وينتظر عرسها أكثر منها..ما الأمر إذن ؟
وفيما هو جالس يحترق بنار غيرته وغضبه غير المبررين ، نهض مسرعا، متجها إلى الحمام ،" ربما دوش منعش سيخفف من حماوة قلقي ويخفض درجة توتري " .
دخل الحمام وخلع ثيابه بعجل وفتح مرشة الماء البارد مغمضا عينيه ، تاركا الصابون ينساب على جسده من رأسه حتى أخمص قدميه . ولكنه فجأة فتح عينيه على صوت يكاد يكون ازعج ما سمعته اذن بشرية .. صوت رجل يغني " تعالي إلي يا حبيبتي ....دعيني أقبلك قليلا وأضاجعك كثيرا ..وبعدها إرحلي بعيدا ..يا حبيبتي الجميلة ...".
فرك أحمد عينيه ليتأكد من صحة ما يشاهد وما يسمع ..فوجد امامه رجلا عاريا مغمس بالصابون والماء ..يداعب حينا ويغني دون انقطاع .. انتابت أحمد الدهشة وصاح به:
من أنت وكيف دخلت إلى هنا ؟
الرجل مرنما: لا تخف ..عندما أنتهي من الحمام سأجيبك تابع حمامك ودعني أمارس عملي .
تمارس ؟؟ سأ.... لك يا أيها الغبي .
أفعل ذلك ولن تتزوجها حينها .
لن أتزوجها ؟ من ؟ ولماذا ؟ وما علاقتك أنت و... بالأمر .؟
لن تتمكن من ذلك إلا إذا قطعت خاصتك ؟
يبدو اني فعلا جننت ، وكأن الإثارة التي حصلت عليه معها بالأمس قد فعلت اليوم فعلها ..حتما أنني أخاطب نفسي ..(يتابع حمامه ضاحكا )
أنت فعلا مجنون ومهوس بها ... ولكنك لم تفقد إتزانك بعد
هل يعقل أنه يوجد هنا أحد غيري ..غير ممكن هذا جنون مطبق جلبته لي هذه الصحراء اللعينة
هون على نفسك يا رجل إهدأ ودعني أتابع عملي ..لا أريد أن أتأخر عليها في المساء.
يا إلهي المعبود ..ماذا أصابني ؟ سامحني إن كنت أخطأت ...
يا أيها الأبله لا تزال كما تركتك معتوها ولا تتذكر الله إلا ساعة المحن ..انظر جيدا أيها الأبله ألم تعرفني بعد ؟؟ أكل مرة تستدعيني ..يجب أن أذكرك بنفسي ..
أنت ...!!
أجل أنا أنت!! الشخص الآخر الراقد في ذاتك وعقلك ..صحيح طالت الفترة منذ التقينا آخر مرة ..ولكني ما زلت كما أنا ..شابا وسيما وذكيا ..
أخيرا ظهرت أين كنت ؟؟لقد بحثت عنك طويلا وناديتك كثيرا ..
أعرف ولكني كنت مشغولا ولم تكن أنت بحاجة ماسة لي فرحت امارس هوايتي ..
حسنا، حسنا ..لا أعرف يا صديقي ما بي ..انني مضطرب وقلق وخائف
مم أنت خائف ..؟
لا أعلم ..ولو كنت أعلم لما ناديتك أيها الغبي
اهدأ قليلا وكن صريحا مع نفسك - أي معي أنا - .وقل لي أليس الذي يقلقك هو ذهابها إلى عرس " زوزو" ..فأنت منذ عرفت بذلك ولم يهدأ لك حال
لا ليس هذا ما يقلقني ، فأنا أعلم انها سوف تذهب وهذا أمر طبيعي وسوف ترقص وتفرح وتستمتع ..
إذن هذا هو الأمر .. أنت تحسدها لأنها ستفرح وتستمتع وتضحك بينما أنت قابع هنا في بلاد الموت هذه والأموات يسيرون حولك ..هي سترقص كحورية في الجنة وأنت مسجون هنا في بلاد الممنوع والمحظور ..
ليس هذا ..أنت تعلم أنني أحبها وهي نفسي وروحي وعيوني التي أرى بها وقلبي الذي يبث فيّ الحياة ويهمس مع كل دقة باسمها ...حبها يجري مع دمي .. فهل يعقل أن أحسدها .؟؟؟
إذن ما زلت كما أعهدك عدو الفرح وتكره السعادة
لا يا صديقي لقد تغيرت كثيرا منذ عرفتها وأحببتها..بل قل أنها غيرتني وبدلت حالي, معها عرفت طعم السعادة الحقيقية، وعبر عينيها أبحرت إلى بر الفرح ، وبقلبها أدركت سبب وجودي ..فضحكتها ترفعني إلى أحضان السماء وكلماتها تسحر عقلي قبل قلبي ..فهل يعقل أن لا أتمنى لها السعادة ؟أيعقل أن أغضب عندما ...أرى الإبتسامة مرسومة على شفتيها....
: قل لي ذلك من الصباح! لكنا انتهينا وذهبت
ماذا ؟؟أعرفت سبب توتري ؟
ببساطة جدا ..هو .. عدم رؤيتك للبسمة التي سوف ترتسم على شفتيها وهي تبارك لصديقة عمرها..هذا هوالأمر..
لا ..ربما .. لانني لا أستطيع أن أتخيل جمال عينيها المكسوتين بالكحل ، وروعة حمرة شفتيها ، ورونق خصال شعرها المرفوع الشامخ أبدا... كيف هما خديها ؟ وما هو لون فستانها .. كيف وكيف ... لا أستطيع أن أتصور أن كل هذا الجمال معروض أمام الجميع وأنا الوحيد الذي أستحقه محروم منه لماذا ؟؟؟؟
تمهل ..تمهل سوف تنغص عليها سهرتها ما بك ؟ألهذه الدرجة وصلت أنانيتك ... صحيح أنها حبيبتك ولكن جمالها هو لها تماما كحريتها وشخصيتها وعقلها ..لا يمكنك أن تحتكر كل هذا لنفسك ..كل هذا لها وهي صاحبة القرار بهم .اليوم أنت محروم من هذا هي بعيدة عنك ولكن بعدها سيتغير
الحال.. هذه هي ضريبة الحصول عليها فيما بعد .. لا شيء
مجاني في الحياة ..فكف قلقك عني ودعني أتابع عملي ..
إنتظر ..ليس هذا كل ما يقلقني ...انني خائف من
...
ضاحكا أنت خائف ..." عشنا وشفنا " ومما أنت خائف
؟
أخاف أن يسبقني الزمان وأجد نفسي في منتصف الطريق
فجأة ولا أستطيع ساعة إذن أن أستمتع بحياتي ...أخاف من
شبح الموت ..تصور دائما كنت أنادي الموت ليأتي إلي ولكنه
كان جبانا ..واليوم أخاف أن يأتي ..أخاف أن ألتقي به
متربصا لي ويريد أخذي قبل أن أحقق حلمي وأملي

حلمك ..حلمك ..لقد أتعبني ذلك الحلم ...فكلما
اقتربت من تحقيقه أجدك تبتدع حلما آخر ..قلت لي انت تحلم
بالسفر والعمل وها أنت مسافر وتعمل ومع هذا تحلم أكثر
وأكثر ..حلمت بها وها أنتما ارتبطتما ..ماذا تريد بعد
..لقد اقلقتني دائما بشكواك انه لا أحد يحبك وأنت تحب
الجميع ..وبعد أن أحبتك حبا كبيرا يتمناه أي إنسان ومع
هذا عدت تسأل لماذا أحبتك ..لقد أتعبتني يا رجل ..أرجوك
أرحني من أحلامك الغبية وشكواك الأبدية ..كفاك تعذيب
نفسك ..كفى أرجوك دعني أمارس عملي وهوايتي ..
هوايتك ..هوايتك ..لقد أتعبتني تلك الهواية التي
لا أعرفها ..ما هي بالله عليك؟؟
إنها هواية ممتعة لو جربتها لما تخليت عنها أبدا
..
ما هي ؟
إنها مشاهدة النساء عاريات ..حيث أتسلل إلى
مخادعهن وغرف نومهن أتفحص مفاتنهن وأتابع أدق تفاصيل
أعضائهن ...وأستمتع بمشاهدتهن وهن يستحممن عاريات ..
عيب ما تفعله ؟ ومن أين أتتك هذه العادة المشؤومة ؟
ومن أين ستأتي من غير عندك ؟ فأنت من نقلها إلي أنسيت أننا واحد..أنا أنت وأنت أنا..
لا أمارس هكذا عادة أبدا
أنسيت مشاهدتك لتلك الأفلام الإباحية وأولئك المغنيات النصف عاريات وتلك الفيديو كليبات...و ..و..؟
إنها عبر التلفاز وقد تخليت عنها نهائيا ..
وماذا ينفع الأمر الآن بعد أن عودتني عليها
وأدمنت ممارستها .. وبما انك لا تشاهدها وبالتالي حرمتني منها ..فوجدت لها بديلا أكثر متعة من مشاهدتها عبر الشاشة ، أي مشاهدتها بطريقة حية ومباشرة ..
عبر التسلل للمنازل واقتحام خصوصيات الناس ؟؟؟
لا تعظم القضية إنها بسيطة ..فلا أحد يراني ..إلا هو....
أتخافه ؟؟
أجل وكثيرا
إذن توقف عن ممارسة تلك الهواية ..ما رأيك؟؟
... لا ..لقد وجدت البديل ..
وهو ؟؟
مشاهدة المرأة الوحيدة التي يحق لي مشاهدتها وهي زوجتي أمام الله...
من هي؟؟؟
انت تعرفها جيدا وتعجبك جدا وتحبها و...
أتقصد حبيبتي و..
ومن غيرها تظن ..
إياك أن تجرؤ على ذلك...سوف أقتلك..
ما بك يا رجل؟ فقد سبق لي أن شاهدتها وهي تروق لي
لا .. لا تفعل
عذرا لا أستطيع إلا أن أفعل ..سامحني ..فغضبك علي أهون من غضب الله ..وبما اني مدمن على الجمال والعراة فلا يمكنني إلا أن أفعل ..و لا تنسى انه أنا أنت وأنت أنا....أراك فيما بعد.. علي أن أذهب وأنتظرها في غرفتها قبل أن تعود من العرس حتى لا يفوتني شيء من حسنها وهي تنزع ملابسها وربما سأستحم معها إذا رغبت بذلك
..وداعا ..وتذكر لا تزعجنا الليلة بمسجاتك ورناتك إننا مشغولين وداعا ....

خرج الرجل.. و خرج أحمد خرج خلفه وهو يصرخ: " ..سوف أقتلك ..لا تفعل ذلك أبدا .." ولم يدر بحاله إلا وهو واقفا عاريا والصابون فقط يكسو جسده والناس يلتفون حوله ويقولون " لا حول ولا قوة إلا بالله .."