مصطفى عبد العزيز:قد يتصور البعض أن المدمن هو من يتناول الخمر بشكل دائم أو المخدرات، لكن هذه الفكرة خاطئة ، فالادمان قد يتخذ أشكالا اخرى غير جسدية . هذا الادمان غير الجسدي او النفسي قد يكون معظم الاحيان اسوء من الجسدي ، فهذا الاخير عوارضه واضحة وطرق واساليب ومراكز معالجته موجودة .اما الادمان النفسي فهو يتملك المرء تدريجيا وانما من خلال عوارض غير واضحة تماما . ومن "الادمانات النفسية "التي ظهرت مع دخول الألفية الجديدة وباتت أمرا ملحاً ومثيراً للبحث والدراسة ،إدمان الإنترنت.

فمع تزايد عدد مستخدمي الإنترنت عاماً بعد عام ، وبعد دخوله الكثير من الدول العربية وانتشاره في البيوت والمقاهي اصبح ظاهرة لا يمكن الاستغناء عنها في العصر الحديث. واصبحت كثافة استخدام الشباب لهذه الشبكة أمر مثير للدهشة والغرابة، فصاروا يجلسون بالساعات أمام شاشات الكمبيوتر منغلقين علي أنفسهم يسبحون في عالم الفضاء الإلكتروني لا يدرون بما يحدث من حولهم يحاولون التعرف على أصدقاء أو صديقات عبر غرف الدردشة التي استحوذت علي عقول اكبر عدد من المستخدمين.وفي حال كان "المستخدم " اكثر وعيا وقرر عدم الانجرار خلف غرف الدردشة والتعرف على الفتايات فإن اي نشاط اخر كإقامة المنتديات الأدبية أو الفنية او تأسيس صفحات الكترونية لشخص ما تحول هذا الشخص لا شعوريا الى مدمن انترنت ،الامر الذي تؤكده الكثير من الدراسات الغربية والعربية .هذه الدراسة التي اجرتها أستاذة علم النفس بجامعة بيتسبرج في برادفورد في الولايات المتحدة الأميركية كيمبرلي يونغ أظهرت ان 6% من مستخدمي الإنترنت في العالم في عداد المدمنين .

وإذا كانت هذه هي النسبة العالمية ففي مصر يصل عدد مدمني الإنترنت الى60% بين الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين الـ 18 عاما و24 عاما .
هذه النسبة التي خرج بها دكتور قسم الاجتماع في جامعة عين شمس محمود محمد تؤكد أن متوسط عدد الساعات التي يقضيها الشباب الذكور تبلغ في الأيام العادية أربع ساعات مقابل ثلاث ساعات ونصف الساعة للإناث، بينما تزيد إلى ستة ساعات للذكور وخمس ساعات للإناث في أيام العطلات والإجازات.وتؤكد الدراسة على أن جلوس الشخص لأكثر من ثلاث ساعات يوميا علي الإنترنت تجعله مشروع مدمن وبالتالي عليه الانتباه وعدم الاسراف في امضاء ساعات إضافية .

وركزت الدراسة المصرية التي تناولت التأثير الاجتماعي لاستخدام شبكة الإنترنت على اختيار عينات عشوائية لطلاب وطالبات من جامعة القاهرة مع مراعاة تمثيلها لشرائح من كليات مختلفة في محاولة لاعطاء إشارة واضحة إلى ارتباط استخدام الإنترنت بمفهوم العزلة الاجتماعية.هذه العزلة التي تعتبر أحد الاسباب الرئيسية للاغتراب الاجتماعي بناء على العلاقة العكسية بين معدل الساعات التي يقضيها الشباب أمام جهاز الكمبيوتر وبين ممارسة الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية الأخرى. فمن البديهي انه كلما زاد عدد الساعات التي يقضيها المرء في استخدام الشبكة كلما قل معدل تفاعله الاجتماعي وما يتبعه بالضرورة من مشاكل وعزلة .
من المؤكد ان هذا العالم الافتراضي يقدم الكثير مما يسعى اليه المرء ،هذه الخدمات التي غالبا ما تكون مجانية مسلية خالية من المشاكل والهموم من المغريات التي يستسلم لها العديد بلا مقاومة . فلا يهمه صفة مدمن او غير مدمن ، فهو مرتاح البال يقوم لساعات طويلة بامضاء وقته بعيدا عن مشاكله وواقعه. وان كانت خدمات الانترنت لاتعد ولا تحصى الا ان المجالات الاكثر استخدما واضحة بشكل عام .اولا
غرف الحوارات الحية أو غرف الشات (chat rooms) : حيث يقوم الناس بالتعرف على أصدقاء جدد وقضاء أوقاتاً طويلة في الثرثرة معهم عن مشاكلهم الشخصية أوالتحدث عن أمور العامة. وفي احيان اخرى تتحول العلاقات الى حب واو الى علاقة جنسية .. افتراضية بداية الامر ثم لا تلبث ان تتحول الى واقع حين يلتقي الطرفان . ثانيا المواقع الإباحية التي تعرض الصور والافلام الفاضحة :تنشر المواقع الاباحية بشكل جنوني على الانترنت ، هذه السلعة التي تجني الملايين من خلال جذب متصفحي الانترنت اليها ان عبر خدمات مجانية محدودة او غرف خاصة للدردشة .
ثالثا ، ألعاب الإنترنت التي تماثل ألعاب الفيديو .
رابعا ،نوادي النقاش أو المنتديات : حيث يقوم كل نادٍ أو مجموعة بتبني قضية معينة أو هواية معينة، ويتم النقاش من خلال عرض مقالات او ابحاث ثم فتح باب الردود على هذه الافكار .
خامسا ، عمليات البحث على الإنترنت : حيث يحتوي الإنترنت على كم هائل من المعلومات.هذه الخدمة التي تستقطب الملايين من الباحثين عن معلومات قد تعتبر هبة من السماء للبعض وادمانا لا شفاء منه للبعض الذي يحاول الحصول على كل معلومة جديدة .
وبشكل عام فإن أكثر الناس عرضة للإدمان هم المصابون بالاكتئاب وحالات الـ " disorder bipolar " والشخصيات القلقة ،إضافة الى الاشخاص الذين يحاولون التخلص من ادمانهم للسجائر او الكحول او الاكل .
ويعتبر الملل احد الاسباب الرئيسية التي تدفع الى ادمان الانترنت وتعتبر ربات المنازل الاكثر عرضة .
قد تطول اللائحة وقد تشير الدراسات الى الاف الحالات القابلة للادمان ، هذه الحالات التي قد تكون مرضية في معظم الاحيان كالوحدة او الخوف من العلاقات الاجتماعية ، لكن ادمان الانترنت اكثر تعقيدا .فهو ليس حكرا على ذوي المشاكل النفسية بل قد تطال اكثر الناس وعيا لمخاطر الانترنت وادمانها .ولعل استنتاج العلماء أن الناس الذين لديهم قدرة خاصة على التفكير المجرد هم أيضًا عرضة للإدمان بسبب انجذابهم الشديد للإثارة العقلية التي يوفرها لهم الكم الهائل من المعلومات الموجودة على الإنترنت خير تفسير لذلك .
وكي تعرف إذا كنت مدمنا ام لا فإن العوارض بسيطة ، فهناك القلق والتوتر حين يتم الابتعاد عن الكمبيرتر والراحة والسعادة حين يعود الى استخدامه ناهيك عن حالة الترقب بين المرحلتين . وكأنها حالة عشق يكاد يعد الساعات التي يعود فيها الى ذلك العالم الذي يعيش فيه كما يحلو له ، يخترع لنفسه ما يريد من احلام وانجازات بعيدا عن كل مشاكله وهمومه وواقعه .
وبعيدا عن الباحثين عن التسلية او الحب او الجنس ، فان الانترنت باتت واقعا يفرض نفسه ، والهرب منه مستحيل . فمعظم الوظائف باتت تعتمد وبشكل كبير على الكمبيوتر والانترنت وبالتالي فإنها شر لا بد منه . الحد الفاصل بين انجاز المطلوب والادمان هو الادراك التام ان الساعات الطويلة التي يمضيها المرء باحثا في الانترنت هي من متطلبات وظيفته تنتهي مع انتهاء دوامه.. جزء من عمله لا اكثر .