الخطاب الثقافي ( 2-3 )



ثمة حقيقة اجتماعية اثبتتها تجارب الشعوب منذ بدء الخليقة الى الآن ، وراحت الاساطير والافكار والفلسفات تؤكد اهميتها في تنفيذ البرامج والخطط والمشاريع وصولا لاهداف الجماعات على اختلاف الوانها سعيا منها للتأثير على العوامل الموجهة للحياة البشرية . وهذه الحقيقة نأخذ اشكالا متعددة ، الا انها ذات طبيعة واحدة وهي ( التعاون والتجمع ) ورغم اشتراك جميع الكائنات الحية بهذه الغريزة الكونية بيد انها لدى الشعوب ، اخذت تتشكل وتتطور تبعا لانزياحات الفكر والمعرفة وتتشعب مفاهيمها تبعا لتعدد فلسفات العقل البشري . واخذ الفلاسفة والعلماء يتبارون في تفسريها انطلاقا من تصوراتهم المبنية على خصوصيات تجاربهم البيئية والعلمية . وكثيرا ما يحدث هذا ويتسارع بعد الانعطافات السياسة والاقتصادية المهمة والكبيرة على امتداد كوكبنا العاصف بالاحداث والاكتشافات العلمية المتجددة . فتنهار بنى اقتصادية وثقافية قديمة لتنبثق في رحمها بنى جديدة وهكذا .
وهذا التعاون والتجمع الجديد لن يتم الا بالتقاء مصالح جديدة خلقتها المرحلة والتي قد تمتد لمراحل اخر او تنفرط لتوفير اماكن اقامة وحركة لتجمعات اخر. وما يحدث هنا قد يحدث هناك وما يصلح في مكان قد لايصلح في اخر .
ان المتغيرات الجديدة في المجتمع العراقي وما تبعها من انهيار سياسي واقتصادي وثقافي قديم والذي كان يستمد وجوده من هيكل الهرم القمعي . دفع بالمقهورين عامة والمثقفين خاصة الى الدعوة لاعادة تشكيل بنى اقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية جديدة تتفق والمصالح المبنية على اساس ديمقراطي تعددي انساني خاص وعام . فانبثقت كيانات وتجمعات جديدة وعديدة متباينة في الرؤى والاساليب اخذت مواقعها بين قطبي السلم والعنف . وبعد انهيار كيانات دولة الرعب والخوف، وحلول مناخات حرية التعبير والتطلع للمجتمع الديمقراطي وما نشهده اليوم من انبثاقات لحركات وتيارات اجتماعية وسياسية وثقافية وعلمية وغيرها، دليل واضح على مدى المعاناة التي كانت تعتمل في صدور العراقيين جراء ارهاب الفكر الشمولي المبني على عبادة الفرد المهيمن على حركة المجتمع ونبذ واضح للدكتاتورية بشتى اشكالها وردة فعل فيزيائية وسيكولوجية للتحرر من شبكة القمع المقيتة ، ليتنفسوا عبق الحرية والتعبير في الذوات عن احلام مشروعة ، تاركين لعوالمهم الروحية حرية التشكل والانزياح للمناطق الاكثر انسانية وصدقا . لتبدو ذواتهم اكثر جلاءً لما هو حلمي وكوني ونقي . انها عودة لسجية الذات وعفويتها وطفولتها وبراءتها ومن ثم اعادة تشكيل علاقاتها الاجتماعية من جديد على اساس المصلحة الانسانية الذاتية والموضوعية . وبالتالي فهو انقلاب ثقافي نحو فضاءات الحرية في المجتمع العراقي والذي سيؤدي بمثقفيه في النهاية الى ضرورة اعادة التفكير بتجمعات اكبر واشمل لتتناسب ومصلحة الوطن الاعظم الناهض للتحرر من دولة الدكتاتورية والارهاب والخوف الى دولة المدنية والتحضر والاخاء بين ابنائه من صوب وبينه وبين شعوب العالم من صوب آخر . ان بناء عراق ديمقراطي فيدرالي موحد يتطلب حكمة في الرؤية والتطلع والاساليب والالتقاء بين ابناء الوحدة الادارية الواحدة بشتى الوانهم الفكرية للتفكير في كيفية اعادة البنى الاقتصادية والثقافية والبحث عن سبل خلاقة لربطها بمصالح الوحدات الادارية الاخر والتي هي بحاجة ضرورية وملحة للارتباط بالوحدة الادارية المركزية ( العاصمة ) على اساس من التمثيل الدستوري والقانوني لتنظيم مسارات الحقوق والواجبات الخاصة والعامة . وبعيدا عن التمزق والتخندق العرقي والطائفي والسياسي لذا من الواجب على مثقفي القرية والمدينة والوطن الواحدالتوجه الى وحدة الكلمة لانجاز المهام الملقاة على عاتقهم وعلى شتى المستويات وباختلاف آرائهم وافكارهم وتجمعاتهم للحركة مجتمعين من اجل البناء الديمقراطي الشامل لمناطقهم ووطنهم. ومن هنا تأتي اهمية التجمعات الثقافية ودورها . بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والعرقية والطائفية للالتقاء من اجل تحقيق اهداف تتعلق بحق المواطن في البناء الشامل والتمثيل القانوني ضمن الدستور.ان مثل هذه التجمعات الثقافية ليست بديلا لاي حزب سياسي ،او انتماء ديني اوقومي، بل هي لم شمل ووحدة كلمة لكل المثقفين سواء كانوا من المنتمين اومن العازفين عن الانتماء للاحزاب .
من اجل ايصال صوت المثقفين ضمن اهداف اقتصادية واجتماعية للعراقيين اولا، والمثقفين ثانيا ، باعتبار ان المثقفين فئة اجتماعية رائدة من مجموع الفئات الاجتماعية التي تشكل العراق الجديد الديمقراطي الموحد . والاتفاق على من يمثلها اداريا ودستوريا . والسعي من اجل ادارة المؤسسات الثقافية من قبل اكفاء ومخلصين واختصاصيين غيورين على الثقافة العراقية - سيما وانها احتضنت وربت ووهبت للعراق والعالم اسماء لامعة في مختلف مناحي العلوم والثقافة والسياسة وعلى مر العصور – ان شتات المثقفين وضياع اصواتهم وغياب تمثيلهم الدستوري وشيوع الفوضى والفساد الاداري وغياب الامن ادى الى بروز خطابات ثقافية متطرفة تعتمد العنف واثارة الفتن الطائفية والعرقية وتعبث فسادا قتصاديا امنيا وسياسيا في البلاد . واخذت تهيء الاجواء لظهور عناصر طارئة ومتزلفة وانانية في اجهزة الدولة وبعضهايعمل من اجل التخريب الاقتصادي في السوق المحلية مستغلة اساليب التخفي بازياء طائفية وعرقية متناسية ان اساليب المراوغة واللعب على الاوراق ستفضحها فضاءات الديمقراطية .
من اجل ما تقدم وغيره حري بالمثقفين الغيارى الاكفاء توحيد كلمتهم ليقولوا للمتلاعبين بمقدرات شعبنا وتطلعات مثقفيه .. دعونا من تصرفاتكم اللامسؤولة … دعونا نمر لنعيد بناء مؤسساتنا الثقافية بقلوب عامرة بالمحبة لا بالضغينة والحقد والعنف ودعونا نلتقي على مائدة واحدة ونتحاور بالكلمة الطيبة لا بالفتنة التي هي اشد من القتل . دعوا حرابكم وبنادقكم جانبا ولنتعانق على محبة الله والمعرفة والوطن . وتعالوا معنا لنقرأ مواد وفقرات الدستور العراقي الجديد لا مواد وفقرات الخطب الرنانة ووصايا وافكار هواة انهار الدم .
ولنعمل معا من اجل اثارة الوعي بالوطنية الجديدة ونشر ثقافة جديدة هي ثقافة حماية الدستور والمؤسسات الدستورية . ولنتكاشف غير هيابين من بعضنا . كفانا تلقيا سلبيا من الما فوق . ولنكن فاعلين ومؤثرين في صنع القرارات التي تخدم مصالحنا جميعا لا مصالح جماعة دون اخرى . فديمقراطية المجتمع المدني لا تأتي بالتمني والسحر بل تتطلب منا تضحيات من نوع آخر وجديد .
تضحيات تقوم على مبدأ انساني هو احترام الرأي الآخر والاستماع اليه ولو كان على خطأ . كفانا قمعا لبعضنا ولنتفق على ماهو عام وايجابي ومفيد بدل تبني الخطابات التعبى والنصوص المغلقة ومصادرة حرية الاخرين وآرائهم والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم دون واعز من ضمير او عرف او دين . ولنتوحد على اساس اجتماعي تعاوني انساني عام لايصال صوت العراق الهاديء المشرف والنبيل والحضاري بعيدا عن المتاريس ومفازات التناحر والصراخ والزعيق . وليكن صوتنا كمثقفين هادئا وجميلا كجمال اهوارنا وجبالنا وآثارنا العظيمة . ولنتصرف بمعرفة ودراية وحكمة بدل الخبل والجهل والتخلف ولننشر بذور الخير والنماء بدل الفتن والضغائن والاحتراب . ولنرفع باقات الورد بدل البنادق . ولنعمل بروية وتأن لاستشراف آفاق المستقبل العراقي المشرق . ولنشتغل بجد ومسؤولية لتحويل العراق الى فردوس محبة لا صحراء ضغينة وخصام.