(كنتُ انتظر دينا خِلْتُهُ خلاصا للناس والأرض بملائكة ما زالوا يرتادون الأرض بوحيٍّ ضاع منا نبيه، ولكني وعيتُ بعد حين أن النبي ضاعت ملائكته)

***

"كل الحروف مريضة حتى الألف أُقيمُها فتنحرف:(النِفري)

(إن نقده للأخلاق الفلسفية والدينية كان لأخذه أمرين عليها..الأول؛ أنها تحالفت مع الكذب، والثاني أنها لا تهيأ الإنسان لان يكون شخصية.. وهو في هذا لا يقول الا ما كان يجب ان يقال منذ زمن بعيد.)ألبرت اشفيتسر في نيتشه

***

أن يُسميك ابن سينا فيلسوفا بفهمك أروقته، غيره أن تسميه أنت حطاما بجهله أزقتك..
قال متألم يوما؛ الإنسانية تتكلم بقلبها الصامت لا بعقلها الثرثار.
أن تولد مسلما، غيره ان يلدك الاسلام.
ان يصلي على جثتك إمامٌ أرهق دينك، غيره أن تجثوا الصلاة أمامك تلعن دينه.
..سمعتها جميلةً؛ قم فأذِّن ياقتيل سيُصلي جبرئيل.
أن تصلي في مسجد ضاع آذانه، غيره أن يصلي المسجد فيك ليسمع آذانك.
أن تحارب من اجل دينك، غيره ان تتدين من أجل حربك.
وأن ترى دينك حلالا وحراما، غيره أن تأبى حُرْمَتُك غير قيمه.
أن تؤذن على ناقوس كنيسة وفأسك فوقها، غيره أن تجعل مأذنتك ناقوسا، فأسك لها.
ان تموت من اجل كنيسة في اسلامك.غيره ان تموت الكنيسة بإسلامك.
أن تبني كنيسة تلد مسجدك في قلب الاخر.غيره ان تبني مسجدا يهدم كنيستك فيه..
يموت موسى وعيسى ومحمد في وجه واحد، ورجال دينهم يعيشون بالف وجه..
يهدي الانبياء للانسان كلمة تحمله في الوجود قبل ان يحملها..ولكنها مع الآتين لم تحمله يوما الا في الحروب والجيوب، وبين السلطان والدكان.
كلمة واحدة بين الانبياء والسماء جعلوها ألفاً !! كيف؟؟! وليس هنالك غير جبريل واحد
أن تموت مع الله بدون دين، غيره ان تموت في دين بدون الله.
أن تقول الله اكبر غيره ان يجدك الله كبيرا.
........أن تتوجع من قدرك، غيره أن تشتري قدرا لاوجاعك.


لايمكن ان اضع اقرب وجه للتاريخ يتمثل به امامي، في كلمة تأخذ ماهيته سوى كلمة الرماد..لانه بقية الحريق ليس الا. كلمة تتبادر للعابرين به مهما كان تشكل ذاك التبادر بين زائر وآخر، في زاوية دون اخرى من التاريخ.ولكن وحي الصورة لايمنح غير ذلك بكل تاكيد. لذا الكثير من فلاسفته لم يرى فيه سوى مسيرة للبؤس، وسجلا للدماء والدمار.. لانهم لم يقفوا فيه الا على نهايات حريق مع الانسان في قلبه و دمه و ارضه.. دائما هنالك مسرى للرماد يمنحه الآتين، يغدوا ارضا لرمادٍ آخر وهكذا دواليك..
لذا لايمكن ان يكون التاريخ وقصة الانسان فيه الا تراجيديا موغلة في دوريتها، هي الوحيدة التي تتراضع فيها النهايات. الانعود بهذا نوازي دلاليا؛ حياة/تراجيديا.
لغز هذا الرماد الجاثم على صليب الماضي فلسفيا هي قصة المفاهيم فيه؛ أنه بعد كل هذا المسار الصيروري المضني لوعي الانسان في وجوده؛(بناءه ودماءه، سجلاته وكلماته واديانه وفلاسفته، ، حبه وحربه...) كان ساكرا حد الثمالة في لعبة (السطح) مع المفاهيم والاشياء، مابقي على سطح الارض، حتى اذا مالفته اعماقها وعى الاعماق/بصرك اليوم حديد.. ولكنه حينها خرج عن دائرة القصة....لذا دائما يعيد الانبياء كلمتهم: الناس نيام متى ما ماتوا انتبهوا..
قصة هذا الرماد/ التاريخ، هو ان السطح فيه غالبا ما يتحول إلى اعماق، والوسيلة إلى غاية، والطارئ اصيل، والعرضي ذاتي، والهامشي مركز، والثانوي أولي، والاعتباري حقيقي، والخيالي واقعي، والبشري آلهي، والوضعي ديني، والتاريخي متعالي، والنسبي مطلق..بل دائما كان ذلك التحول، غير ان من ياتي مزملا على الطريق بين حين واخر (الفترة بين الرسل/المجدد مطلقا نبيا او صعلوكا ) تنبجس لمزماره الاعماق كما تخرج الافعى من اعماق جرتها، ، ولكن لاتلبث ان تُطمر تلكم الاعماق مع حواري المزمل قبل أعداءه بعين ذلك المزمار، بعين العمامة وبعين السنة وبعين الكتاب والاصحاب.
إذ لم يغتل الدين يوما اعداءه مذ كان، الدين يغتاله ابناءه إلى ان يكون.
ولم يؤسس الانبياء دينا أُغلقت كل حروفه، الانبياء اسسوا حياة تجري لحياة وحياة، علمونا فنها، الذي هو (بابٌ لألفِ باب)، ولكن المنتفعين اسسوا الاديان ليغلقوا بها الابواب لبابهم.
بالامس كان لنا دينا واحد بدموع محمد، واليوم فينا الف دمعة بدين محمد.
النبي لايحتكر الحروف في دُرْجِ كلمات، النبي يَدْرُجُ لنا حروفا لكل الكلمات..بعيدا عن مكة والمدينة ولحيتها وعمامتها واعرافها وحدودها وحبها وزواجها وفنها ووو...النبي لايريد لنا حياته..يريد لنا احياءه.
بل الانبياء لايريدون حدودا للحياة.والرجال حددوا حتى موتها.

حينما تسترشد قافلة التاريخ بلافتات كاذبة فلن يكون التاريخ نفسه الا كذبة.. يخجلون ان يذكروا آبائهم بها، لذا هم يحتفلون بها كل عام بنفس تلك اللافتات، أي يضيفون كذبة أخرى تضيع بها الاف الاجيال، في اتباعهم كذبة التاريخ..ولطالما ماتت اجيال بصدق لاجل تلك الكذبة.. الله كم هي مستحمرة.
صراع التاريخ بين الانسان والوجود، صراع للكذب فيما بينه باسم الحقيقة قبل ان يكون صراعا للكذب مع الحقيقة...وماهذا الاخير الا نادرا. اذ طالما، وهو الاغلب في التاريخ، يلتقي كاذبان لحرب (يموت فيه الشباب ويثرثر فيها الكبار)كما يقول هوميروس..اي ان الحقيقة الممثلة بالمستضعفين مطلقا- أي مستضعفي الجسد او الروح، إذ مستضعف القلب قد يموت بقلبه أكثر من مستضعف الجسد كعبد، لموقف وجودي سلبي من طاغية قلب..وهذا مايشمل الغدر والخيانة ونكث الوعد والهجر وما الى ذلك- تعاني تجر آلامها وسط الكاذبين.
في خضم هذه الثنائيات (المنتمية إلى السطح والاعماق مع المفاهيم) تأسست شريعة الارض واعرافها، لتغدوا بما ارتسم على السطح قيما وفضائلا ممثلة لعمق الوجود وجوهره، مهما كانت تخالف الكل الكوني/الطبيعة الوجودية..حينما تنزف بها الدماء وتجوع بها الاطفال وتضيع بها النساء وتنتحر بها الامة..لذا فأن ؛ اسمى الفضائل في هذا العالم ربما تكون ادناها في العالم الثاني/اذا كان مايقولونه عن الخير والشر صحيحا فان حياتي كلها سلسلة من الجرائم. كما تمتم احد المترجمين للملائكة.
إذن تخيم دائما قصة الرماد لعمر الانسان الوجودي في رمال اللبس والتزوير (للاشياء والمفاهيم) بين السطح والاعماق//المكان والزمان، الجسد والروح، المنفعة والقيم، الجغرافية والتاريخ، العقل والقلب..
المكان في واقعه لايقول كلمته الا في الزمان.
مثلا؛الحسين لم يقل نصره الا في الزمان، بينما كانت هزيمته في المكان.
العقل بكل ما كان منه في التاريخ لم يُجدِ الإنسان شيئا، حتى إذا سال في القلب ارتشفته الارادة، وهذ هو الفارق بين قلم ابن سينا و عصا أبو ذر. مشكلة المثقفين العرب في ابن سينا انه جدُّ اقلامهم التاريخي امام عشيرة الغرب، دون ابي ذر وامثاله.
الجغرافية ايضا مهما قامت احجارها وهياكلها لن تعرفها الاجيال حتى يمسح التارخ عليها
ولم ينشط الجسد يوما اذا لم تنتشي الروح..اذ طالما مات الملوك وهم مهزومين او عشاق.
ولطالما اضرت منفعه في الطريق حينما تخلت عن قيمها؛ لم يقبل عليا ان يترك لمعاوية الشام اول الطريق رغم نفع ذلك، لانها خارج القيم..وهو حليبها
في السطح والاعماق..تنتسب الجغرافية والتاريخ فلسفيا في ازمة الرماد/التاريخ، ويمكن ان توجَِه هذه الثنائية مناط تلك الازمة وعناوينها الوجودية في الحياة، لتؤشر بدقة على فن ممارسة الحياة بحياة. وهذا يستدعي تعريف توصيفي للثنائية وآلية وجودها.
الجغرافية؛ منحة ايمائية حسية على يمين الكينونة في الانسان، لا تفتح بابها الوجودي له/تحسسه بالاشياء، الا في فكرة الجسد، اية ذلك؛ الارض او المراة.
وهنا لغة صارمة تُحتكر في مفهوم السطح..
فانت لا تلتمس الوجود لدى الارض والمراة وتتحسس تحققهم الوجودي ومن ثم تذوق فناراتهم الجمالية. إلا بتضاريسهما فحسب، دون الاعماق.
بينما.. التاريخ؛ هو سرادق داخلية على يسار الكينونة للانسان، لا يفتح بابه الوجودي له/تحسسه الاشياء، الا في فكرة الروح.آية ذلك؛ الكلمة او الموقف..
وهنا لغة صارمة تُحتكر في مفهوم الاعماق..
لذا في الكلمة والموقف هنا على عكس الجغرافية لن تلتمس وتمس حتى تغوص. فالسطح وحده هنا هباء.

.. اتذكر مرّةً امرأة أرادت ان أغزو أعماقها فقبَّلُتها (مسلّتُها السطح)، بينما ارادني التاريخ مرة ان اقبله فتمتمت بكلمات عباقرته ومواقفهم (مسلّتُهه الاعماق).
لذا فطنوا جيدا بقولهم التاريخ توغل راسي والجغرافية انخراط افقي.
وهكذا في مدار الجغرافية والتاريخ والسطح والاعماق يتغالط المزورون.
المسلمون قرأوا القرآن بمراسم الجغرافية فوقعوا في تيه التاريخ... واصبحوا اضحوكته وطعمه. فلم ينفعهم قرانهم شيئا - قرأوه ولم يقرأوا به - بينما الكلمات لا تعرف لها جسدا منذ ان كانت، خلقت في الاعماق وما زالت لها.. لذا يموت اصحابها الحقيقيون قبل اوانهم، فالغرق ياخذ انفاسهم قبل ان تصل إلى الاخير.
لا اعرف لماذا انخرط اصحاب السوق القراني في كلماته بمخيال الجسد لها فانتهوا مع حروفها حرفيين إلى النخاع، ألِأَنهم في كبت جسدي إلى النخاع في كل جسد الدنيا كما هو معروف عن ضياع المؤسسه الدينية.. قد يكون. وهنا تاتي اكبر ازمة وجودية للمؤسسة حينما تركت الجغرافية في موضعها واخذتها في غير ذلك..والامر تماما معهم في آلية التاريخ.. فهي احجمت كل مجسات الجسد لفضاء الروح في الحياة، فثار الجسد بمدية الروح. لذا انفلتت تائهة معظم المساحات الوجودية لاجيالهم، فغدوا سخرية الوجود.الا من اتخذ طريقه قبل ان ياخذه طريقهم.

وهكذا في أزمة الاعماق والسطح كان التاريخ قبل ابن خلدون وفيكو وهاردر وكوندسريه جغرافية ليس الا، ترسم عليها الاحداث كما ترسم عليها التضاريس، بينما هولاء توغلوا في وجده وآلامه وكلماته..لم يصوروا الحياة فقط بل تصوروا معها.

لماذا لايتمرد الانسان، فيصعد إلى الاعماق، ولو في حفرة الليل دون قبو بيته...
المشكلة ان الآباء فرشوا للانسان بسطا زُخرفت له بالمقدس المدين، ونودي؛ خذه نم عليه، فيه فجرك الاجمل... ولكن الانسان للاسف ينام دائما على وجه قبال زخرفهم، فلم يلحظ القمر فوقه ليعرف ما دونه ...تعسا متى ترفع رأسك إلى الحقيقة وتمزق مانمت عليه طول تاريخك.

****


كنت حائرا قبل فترة في كل هذا الرماد الذي يزدحم به الوجود بعد كل هذ التاريخ الانساني وهذه الصيرورة وجهود المتالمين فكتبت ما اجد حشره هنا ضرورة كمقدمة مهمة في ضياع الملائكة.. كنت حينها ابكي على نفسي البائسة، على العالم..بغداد..العرب، والدين، والوجود.. كل الوجود، مستغربا؛ كيف بعد مجيء ألف نبي ونبي وقديس وفيلسوف وشاعر وموت ألف ثائر وثائر..تكون صيرورة الوجود في جهة الآلهة بهذا الخزي المريع، تلك الصيرورة التي عمل عليها أولئك العباقرة ؟

ماذا سيقول الله عن هذا الانسان الذي استخلفه الارض، فقتل انبياءه وشوه كلماته..واقام له الرماد في الروح والجسد. كيف تورط الانسان وحمل الامانة التي رفضتها الجبال والارض والسماء..صدق الله انه كان ضلوما جهولا ليس الا.. ماذا سيقول الانسان عن تاريخة امام الملائكة التي اعترضت استخلافه؛ اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء..

..قرن من قرون رماده ؛حربين عالميتين 70 مليون والف حرب وحرب والف انقلاب وانقلاب والف ثورة وثورة والف سجن وسجن ومليون ماخور وماخور ومليون خيانة وخيانة.
اليست هذه هي الايام وهذا هو الوجود. الغريب ان البشرية تفتخر باشياء هي اعظم فضائحها وليس انجازاتها..
..فالرماد الذي خلفته الاهرامات وسور الصين لم يُخَّلف مثله..اليس ذاك زمن للعيودية والسخرة لم ترى له الايام مثيلا..الا تفتخر اغلب الشعوب الان بحروبها وكانها حاربت الجن. الم يكن انسان من سقط بحرابها، فتركت وراءه حبيبته وامراته واطفاله ووووو..انها البشرية.. دائما تخيط ثوبها بالمقلوب..
ماذا يفعل المثقفين في كذبه وسط هذا اللغط..غدر الفلاسفة بالتاريخ ونصبوا انفسهم انبياء العقل والحقل..كما فعل رجال الدين في المرقد والمعبد.. الكل احتكر ومارس سلطة الكللمات وجملة الصحيح والخطاء والحرام والجلال..فتحوا معبدا اخر للعبودية.
على ما جاء في تلك الأوراق المنشور بعضا منها: احترت هل (الناس) هم ما زالوا يزدحمون أمام الأفكار فيثيرون شغبها، لتسقط مغمى عليها، لا تجدي، بعد كل تعب العمالقة فيها، أم ان (الأفكار) هي من ازدحمت على أذهان الناس، فتاهوا وسطها ؟
هل مشكلة الناس هي الأفكار أم مشكلة الأفكار هم الناس.
الجمهور بريء من هذا، كما هي كذلك الأفكار. المشكلة تقع في الشخص الواقف وراء هذه الأفكار. فيلسوفا أو مثقفا أو سلطانا أو سياسيا أو تاجرا ( كل من تداولها مهنيا ) وبصورة أكثر عمقا؛ الأزمة تكمن في علاقة هؤلاء مع المفاهيم التي تقتات عليها تلك الأفكار.. بل التي نقتات عليها في كل وجودنا.
بالرجوع..إلى فكرة ( التواصل بين الذوات ).. كشرط وجودي أساس لدى الفيلسوف الوجودي المؤمن كارل ياسبرز إلى جوار ( الحرية، والتكامل التاريخي )- اهتم معه اكثر من باقي الوجودين في تداخلهم النظري، مع رفظهملمفهوم الكلي فلسفيا- ومع خطوة أكثر توغلا في الفكرة، تفترق إلى مدار اخر في مركزية الشرط..لايناسب تفصيلها هنا. بالرجوع إلى هذه المسالة، يمكن ان نلاحظ ان الأس الوجودي الأساس للانسان في صيرورته، وحراك فلسفة الحياة معه هي (المفاهيم) لاغير، وهي الممثلة لفكرة التواصل وفاعليتها؛ من قبيل الصدق، الخيانة، الحب، العدل، الظلم، الوطنية، العمالة، الدناءة، المروءة، الشجاعة، والشهامة وغير ذلك مما يدخل في مقولة الكيف فلسفيا وما يندرج تحتها بكل مايمكن ان نجده في مفردة (الحياة).. فالمجتمع هو شيء أكثر من مجموع الأفراد، و الوجود لاينبثق الا بواسطة تلك المفاهيم بين الانا والأخر ويضاف لها عنصر رابع هو الشعور كحراك مركزي للشرط الوجودي/ التواصل المفاهيمي بين الانا والاخر مطلقا.
يمكن ان نجد ان الذي حرك الإنسان، وسار به، تلك الانعطافات التاريخية، يمينا ويسارا. انكسارا ونهوضا، انتكاسا وانتشاءا ملامح تلك المفاهيم في شعور الإنسان ووجه الانفعال الذي يثار داخله. فكل مسالك الإدراك العقل وما يمكن ان يكون إلى جواره هي مناطق شعورية تمثل الأساس المنطقي الذي يفصل الإنسان عن باقي الحيوانات، لذا المقولة الأساس لعلم الظاهريات ( الفيومينولوجيا ) التي اعتمدت عن هوسرل من الوجوديين وغيرهم: ان وعيك هو وعي بشيء ما. وجهها الاعمق هو : ان شعورك وهو شعورك بشيء ما.
لهذا من الجدارة ان يكون الانسان كائن شعوري، يؤكد فصل هذا التعريف منطقيا مدارات تاتي لاحقا في فلسفة الحياة.
عموما.. بالاعتماد على منهج يمكن توليده، عن الانثربولوجيات المتشطرة اليوم هنا وهناك، بما يمكن تسميته بـ ( انثربولوجيا المفاهيم)..
نجد هناك تحولات غريبة في المفاهيم تاريخيا وجغرافيا..صاغ هذه التحولات.تلك العلاقة السالفة بين ( المفكر، والمفاهيم ).
مما يمكن ان نجرده في طبقات تلك الحفريات التي توفرها لنا الانثربولوجيا لنجد ان قصة المفاهيم تاريخيا مع البشر وما مورس معها أيديولوجيا يمكن أخذه بهذه المفردات؛
(عذرية المفاهيم -اغتصاب المفاهيم -سكر المفاهيم -غُسل المفاهيم -نخاسة المفاهيم -اغتيال المفاهيم -تفحم المفاهيم - شيخوخة المفاهيم)
وغيرها..مع التأكيد على ان كل صورة من هذه الصور كممارسات، عاشتها المفاهيم، له وجه خاص في وجودها.. أي ان مثلا سكر المفاهيم غير اغتيال المفاهيم، حيثية وأثرا مع الإنسان لذا..
فمفردات، من قبيل العذرية، والاغتصاب، والسكر، والغسل، تأخذ طابورا غير الطابور الذي يأخذه الاغتيال والنخاسة وكذلك هو غيره مع الشيخوخة والتفحم.
ميزات عباقرة التاريخ سواء كانوا، أنبياء، أو أولياء.. أو ثوار، أو مفكري أو عشاق.. إنهم منحوا المفاهيم وجودها الحقيقي وان هناك جدلية في السمو للإنسان طرفها الأخر هي المفاهيم حصرا.. إذا ما انزلوا مثلها الافلاطوني لتعيش قسرا في هذا العلم دون أي أشباح، أي إنهم جسدوها لحما ودما..فمع ان المفاهيم مجردة ولكننا أحيانا المفاهيم، مع أولئك العباقرة.. في التواصل بين الذوات على أساس تلك المفاهيم، نجد ان كل حواسنا.. تنال ذلك المجرد.
ان شخصا كالإمام علي مثلا في وجوده ممارسة للتواصل بين الذوات بتلك المفاهيم تجده قد اخذ بمفاهيم من قبيل العدل والشجاعة والأيمان والوفاء والالتزام والنبالة والمرؤة وغيرها إلى مستويات كان يصعب تنسم وجودها بتلك الحيثيات لولا نمط وجوده الاستثنائي الذي بقي موضع حيرة من الكثيرين ليخال البعض ان هناك نوع من الأسطورة في إطار شخصيته التاريخية مع انه أمر واقع ولكن المشكلة هو في عدم مقدرتنا على مواقعة تلك المفاهيم بالطريقة العلوية.كذلك هنالك ممن عرفوا بمفهوم واحد وماثبت وجودهم الا لانحصار تحسس ذلك المفهوم عن طريقهم.
وهنا يمكن تناول ثلاث وجوه في المسالة انثربولوجيا..أولا؛ الشخصيات الواقعية مثل سقراط، بوذا، اسبارتوكس، مزدك، أبو ذر، علي، الحسين، الحر الرياحي، السمؤال وقيس..
ثانيا: الوجوه التي داهمها شيء من الخيال في سلطان الرواية والشعر عموما والتي تعود إلى فلاسفة أدباء أو أدباء فلاسفة وبالذات مع الشخصيات التي خلقها أولئك وعرضوا عن طريقها صورة المفاهيم التي منحوها بهم وجودها الحقيقي من قبيل دستوفسكي ليو تولستوي مكسيم غوركي شكسبير فكتور هيجو طاغور ناظم حكمت جبران خليل جبران وغيرهم.
ثالثا: ما توحيه الميثولوجيات القديمة لكل الشعوب في خصوص تلك المفاهيم.
وفي هذا الإنعاش لهذه المفاهيم يتم الشرط الوجودي الأهم الصيرورة البشرية التي دأب عليها كل الأنبياء والمتألمين في التاريخ.
ولكن الطريق الثاني الذي يحاول ان يخذل تلك الصيرورة لأجل ذاته بـ ( اغتال وأخواتها ) مع المفاهيم لتفقد عذريتها الأولي كما يُفقد كثير من الدجالين الفطرة الأولى لمجموعة بشرية معنية.
التاريخ يفصح عن هذه الحالة إذا ما مررنا على كل الملوك والسلاطين والحكام والتجار والاهم الإيديولوجيين بكل أطيافهم الدينيين وغير الدينيين.

[email protected]