د. حسين سرمك حسن: يكرر الجواهري دائما أن افضل لقاء اجري معه في حياته / القرن، هو اللقاء الذي أجراه معه شيخ النقاد د. علي جواد الطاهر في بداية السبعينات. وهو لقاء رائع امتزج فيه الذاتي بالموضوعي والفردي بالعام. أهم شيء لفت انتباهي في ذلك اللقاء هو رد الجواهري حين سأله الطاهر عن أهم سمة يجب أن يتحلى بها الشاعر، قال: العنف..العنف..العنف.
تقول د. سلمى الخضراء الجيوسي إن الجواهري هو الذي ادخل سمة العنف إلى الشعر العربي الكلاسيكي في القرن العشرين، ثم انتقلت عدوى هذه السمة الخطيرة إلى تلميذه الكبير بدر شاكر السياب الذي نقلها بدوره إلى الشعر العربي الحديث، فمفردات مثل (الدم، العواصف، الموت، الشهادة، الخراب، الدمار، الرعد، الظلام، الجراح، العويل…الخ. هي مفردات (جواهرية) إذا جاز الوصف والجواهري هو الذي سمم أجواء الشعر العربي بها ولم تكن معروفة من قبل في الأدب العربي بهذه السعة وهذه الحدة. ولم تقتصر هذه السمة على شعره السياسي والتعبوي فقط بل امتدت إلى شعره الوجداني والغربي - راجع قصيدة (نزغة) على سبيل المثال.
لم يكن الجواهري، حسب من أرخوا لسيرته، ومن عاصروه، عنيفا في شعره فقط بل كان عنيفا في حياته أيضا وفي سلوكه اليومي، كان العنف سمة من سمات شخصيته البارزة كان عاصفة جامحة متنقلة، وفي اللقاء الذي أشرنا إليه مع الشيخ الطاهر كان الجواهري عنيفا وحادا حتى في هزله ونكاته.
* إذا لم تكن شاعرا ، ماذا كنت تتمنى أن تكون؟
-الجواهري: بياع فشا فيش
* ما هو سر إعجابك بالمتنبي؟
-أنا (فرخ) المتنبي!!
* يتحدث البعض عن مدحك للملوك والرؤساء؟

- أنا ابن هذا المجتمع، وإذا لم امدح معنى هذا أني (نغل) ..(لقيط)!!
اسأل أخيرا هل هناك شاعر عربي واحد في القرن الحادي والعشرين يخاف منه الملوك والرؤساء مثل ما كانوا يخشون الجواهري في القرن العشرين؟ هل انتهى الشعر أداة للمواجهة وبشكل خاص بعد الاحتلال الأمريكي البغيض. وإذا عاد الجواهري إلى الحياة جدلا فهل ستخرج مظاهرة بعد أن ينتهي قصيدته ويمزقها في القاعة كما حصل في قصيدة (هاشم الوتري).

انطباعات كتاب عراقيين:

* حبذا لو عوض مهرجان الجواهري النقص في المهرجانات…
اما الشاعر محمد تقي جون فيعتقد إن تجربة إقامة مهرجان للجواهري قد أثبتت بلا شك أنها تجربة عظيمة وتنسجم جدا مع الواقع العراقي الجديد في الديمقراطية والحرية اذا تهيأت الفرصة لإنصاف أدبائنا المغبونين، ولكني اقترح ان يكون مهرجان الجواهري مناسبة ادبية واسعة وكبيرة فلا تقتصر البحوث المقدمة على موضوع او موضوعين بل تكون الدراسات مفتوحة لتشمل اكبر عدد من الموضوعات، خصوصا ان المهرجانات ليست كثيرة في الوقت الراهن فمثلا الغي او أهمل مهرجان المتنبي فحبذا لو عوض مهرجان الجواهري النقص فكان مفتوحا للدراسات القديمة والحديثة ما دامت تقدم مادة دراسية مفيدة.

* المهرجانات تؤدي الى زيادة الخبرة الثقافية…
الاديب عصام كاظم جري يعد إقامة مثل هذه المهرجانات تؤدي لزيادة الخبرة الثقافية والمواصلة بين المحافظات الأخرى وبغداد، والجواهري شاعرا يمثل الشعر العراقي الذي عانى ما عانى من حياة قاسية ومرارة والم واضطهاد وتشرد ، فوفاء من الاتحاد العام للأدباء للجواهري وبلند الحيدري وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة، عمل على إقامة مثل هذه المهرجانات كما قلت تظهر فيها النزعة الحقيقية للشاعر والنزعة الجمالية والقيم الروحية على اعتبارات عديدة منها إن هؤلاء الشعراء بقوا خالدين في نفوس كل إنسان عراقي أديب وغير أديب.

* مهرجان الجواهري يعني حمل تراكم الثقافة العراقية…
وتحدث الشاعر رزاق الزيدي عن ذات الموضوع قائلا:بادرة شجاعة وطيبة يتولاها الاتحاد العام للأدباء في العراق وخاصة في دورته الأولى حيث كانت الظروف استثنائية ومهرجان الجواهري إنما يعني حمل تراكم الثقافة العراقية وللنفي والغربة، ومن خلال هذه التمثلات أستطيع أن أقول إن العراقيين يثبتون يوما بعد يوم بأنهم لا يمنعهم حاجز، وانهم سيتحدون الصعاب دائما، وأنا اشكر جميع القائمين على هذا المهرجان وخصوصا اخوتي في الهيأة التحضيرية في الاتحاد.

* كانت المهرجانات تمجيدا لشخصية الطاغية وفكره البائد…
وتحدث الشاعر احمد ناهم عن رأيه في المهرجان : تعد هذه المهرجانات التي أقيمت بعد سقوط النظام من الأسس لحرية ثقافية بعيدا عن الأدلة التي كانت تمارس في النظام السابق حيث كانت المهرجانات تمجيدا لشخصية الطاغية وفكره البائد ، في حين أعادت المهرجانات التي جاءت بعد تأسيس لجنة تحضيرية لها شيئا من الاستقلالية بضمنها مهرجان الجواهري الأول الذي اعتبر بداية لانطلاقة ثقافية تعبر عن تطلعات مؤسسات مدنية تؤشر انطلاقة لتعبير حر، وجاءت الدورة الثانية لاستمرارية هذا النهج في تأسيس ثقافة واعدة حيث سلطت الأضواء على شعراء قد غيبوا في النظام السابق مثل بلند الحيدري الذي هو من الشعراء الرواد للشعر الحر الذي اسهم اسهامة في بلورة القصيدة العربية في شكلها الاطاري والبنائي والموضوعي.