يبدو أن الساحة الثقافية العربية أضحت تمتلئ باللصوص والسارقين ممن يتشدقون ليل نهار بأنهم حاملي لواء الأدب والثقافة والإبداع في عالمنا العربي، وإذا كانت السرقات الصحفية أضحت أمراً معتاداً على حياتنا اليومية، بالشكل الذي أصبحت معه لا تلفت أنظارنا رغم معرفتنا التامة بأن هذا الموضوع أو ذاك "مسروق" أو "مفبرك" أو على الأقل متقول عن موضوع صحفي آخر، إلا أن السرقات الفكرية والأدبية أصبحت هي الأخرى آخر صيحات بعض الذين يدعون أنفسهم مثقفين وعاملين بالحقل الثقافي العربي، فمنذ أيام قليلة خرجت علينا مجلة أدبية اليكترونية تدعى "أفق" وعنوانها على شبكة الانترنت هو http://www.ofouq.com، بموضوع في عددها الأخير لشهر أغسطس الحالي عنوانه: "ماريو بارغاس يوسا والعراق" حمل توقيع صحافي من مصر يدعى "حمدي البطران"، وحين نطالع الموضوع نجد أن السارق لم يشر أية إشارة إلى أن الموضوع منقول عن "إيلاف"، وأنه صورة طبق الأصل من الموضوعين الذين نشرا تباعاً في "إيلاف" للشاعر والصحافي المصري عماد فؤاد، وهما "ماريو بارغاس يوسّا حين يكتب عن أكراد ما بعد صدام حسين" والذي نشرته "إيلاف" بتاريخ 15 يونيو 2004، والموضوع الثاني لنفس الكاتب والذي حمل عنوان: "يوميات "ماريو بارغاس يوسّا" العراقية تكتسح قوائم المبيعات في بلجيكا وهولندا" والذي نشرته "إيلاف" بتاريخ 6 يوليو 2004، ورغم أن الموضوعين اللذين نشرتهما إيلاف هما عبارة عن ترجمة من أحد فصول كتاب الروائي العالمي "ماريو بارغاس يوسا" قام بها كاتب "إيلاف" الشاعر المصري عماد فؤاد عن الهولندية، ثم عرضاً وافياً للكتاب ككل، بعد تصدره لقوائم المبيعات في هولندا وبلجيكا، إلا أن الكاتب/ السارق المدعو حمدي البطران لم يجد حرجاً في أن يضم الموضوعين في موضوع واحد وينشرهما في مجلة أخرى، ربما لا تعلم عن موضوع السرقة شيئاً، ودون أن يشير ولو إشارة بسيطة إلى صاحب الموضوع الحقيقي، ومن ناحية أخرى قام موقع "الاتجاه الآخر" وتحت الرابط http://www.alitijahalakhar.com/archive/175/out_of_theway.htm
بسرقة الموضوع نفسه بدون الإشارة إلى كاتبه أو مصدره، و"إيلاف" تنوه هنا إلى مواقع الكترونية أخرى قامت بنقل الموضوع كما نشر في "إيلاف" مع الإشارة إلى كاتبه ومترجمه، ومنها موقع: http://www.tirbespi.com/arab الكردي، على الرابط http://www.tirbespi.com/arab/maqalat/mario/alakrad1.htm

"إيلاف" تؤكد أنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المدعو "حمدي البطران" وضد المجلة التي قبلت بنشر موضوع منقول عن موضوع آخر وهي "أفق"، كي يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه سرقة موضوعات "إيلاف" مرة أخرى.

هنا صورة من الموضوعين الأصليين اللذين نشرا في إيلاف لـ "عماد فؤاد"

كتابه الجديد حمل عنوان "يوميات من العراق":

ماريو بارغاس يوسّا حين يكتب عن أكراد ما بعد صدام حسين

عماد فؤاد من بروكسل: جاء هذا الكتاب نتيجة رحلة استمرت إثنى عشر يوماً فقط، قام بها الروائي البيروفي الشهير "ماريو بارغاس يوسا" إلى العراق، بدأت في 25 يونيو وانتهت في السادس من يوليو 2003، ورغم أن هذه اليوميات التي جمعها "يوسا" تحت عنوان "يوميات من العراق" وصدرت في الأسبانية أواخر العام الماضي، لاقت اهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية ونشرت في عشرات المجلات والصحف سواء في أوربا أو أمريكا اللاتينية، إلا أننا لم نسمع بها في عالمنا العربي حتى الآن، على الرغم من ترجمة الكتاب إلى العديد من اللغات الأخرى، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية، وكانت أحدث هذه الترجمات هي اللغة الهولندية والتي صدرت في شهر مارس الماضي عن دار نشر “Meulenhoff” بأمستردام، وهي النسخة التي ننقل عنها الجزء المنشور مع المقالة من الكتاب.
كتب "يوسا" هذه اليوميات بسرعة شديدة على حد تعبيره في مقدمته للكتاب، ولكنه عندما عاد إلى أسبانيا حيث يعيش حالياً، أدخل عليها العديد من التعديلات والإضافات، ونشرها مسلسلة في البداية في صحيفة "الباييس" الأسبانية واسعة الانتشار منذ شهر أغسطس 2003، ولأن كثير من الجرائد التي أقدمت على نشر يوميات "يوسا" فيما بعد لم تكن أمينة على نصه كما فعلت الباييس، حيث حذفت الكثير من الصحف والجرائد التي قامت بترجمة حلقات يوميات "يوسا" عن الصحف الأسبانية العديد من الفقرات الهامة، فقد رأى صاحب "دفاتر دون ريغو بيرتو" و"مديح زوجة الأب" جمع يومياته العراقية في كتاب، كي تكون آراءه واضحة كما يريد لها، وأضاف على اليوميات التي تتكون من ثمانية فصول أربع دراسات له عن الحرب الأمريكية على العراق، كان قد نشر ثلاثاً منها قبل قيامه بالرحلة، والرابعة كتبها بعد الاعتداء على مركز الأمم المتحدة في بغداد في أغسطس الماضي، ومن يقرأ الكتاب كاملاً سيجد أن "ماريو بارغاس يوسا" يعبر عن رأي مناقض تماماً لما عرف عنه قبل الغزو الأميركي للعراق، حيث لم يعد ضد الحرب الأمريكية ضد العراق كما كان يعلن قبل قيامه بالرحلة من خلال مقالاته الأسبوعية في الصحف الأسبانية، وهو ما يشرحه الكاتب في يومياته من خلال شروح عديدة ومستفيضة، يضيق المجال عن إيرادها هنا.
قسم "يوسا" كتابه إلى جزأين رئيسيين، الأول يضم يومياته عن العراق، والتي جاءت في ثمانية فصول، كانت عناوينها على النحو التالي: "الحرية البربرية"، "الناس في بغداد"، "المتدينين"، "ناهبون وكتب"، "فاصوليا بيضاء"، "عطيل .. من اليمين إلى اليسار"، "الأكراد"، "الرجل الثاني"، أما القسم الثاني فيضم دراساته الأربع عن الحرب على العراق، والتي حملت عناوين: "كوارث الحرب"، "بقّ الوبر"، "ديموقراطية الأطلال"، "ميت في درعه"، كما ضم الكتاب العديد من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها "مورجانا" ابنة يوسا، والتي كانت فيما يبدو سبباً آخر لقيام الكاتب العالمي برحلته هذه إلى العراق، حيث كانت تعمل في بغداد قبل شهرين من قيام والدها برحلته، والمعروف أنها مصورة صحافية من مواليد العام 1974، عملت في العديد من الصحف الشهيرة في أسبانيا وفرنسا وبريطانيا، منها "الباييس" و"باريس ماتش" وغيرها، كما عملت لعدة سنوات في منظمة اليونيسيف العالمية، وفي العراق كانت مورجانا بارغاس يوسا تعمل ضمن فريق مؤسسة “Iberoamérica-Europa” كمصورة فوتوغرافية لأحداث الحرب الأمريكية البريطانية على العراق، والنص الذي ننقله هنا، هو الفصل السابع من يوميات ماريو بارغاس يوسا العراقية، والذي عنونه الكاتب بـ"الأكراد".

الأكراد
ماريو بارغاس يوسا
ترجمها عن الهولندية: عماد فؤاد وليسبت فانهيه

عندما تسافر من بغداد إلى كردستان العراقية في الشمال، يتغير الفضاء المحيط بك، كما تتغير اللغة والثقافة، والآن تتغير مناظر القرى وأشباه المدن التي تراها من حين إلى آخر، بعد مسيرة أربع ساعات في الصحراء المنبسطة القاحلة، ستجد قرى البدو الرحل متناثرة هنا وهناك، أو بقايا حطام دبابة أو جثث عربات جيش مصفحة، ستجد في الفضاء المترامي أمامك جبال كردستان، نحن الآن في منطقة البترول حول مدينة كركوك، وعندما تترك المدينة خلفك وتسير جهة السليمانية، ستجد الطرق تصعد بك نحو قمة أرضية منبسطة، والخضرة تزداد على ضفتي الطريق كلما مضيت في مسيرك، سوف تمرَّ على غابات من أشجار الصنوبر وجداول مياه صغيرة، وعلى حدود هذه الغابات ستجد فلاحين يعملون في أراضيهم، لهم بشرة محروقة وتجاعيد غائرة، ونظرات عيونهم لا تحدها أزمنة، لن تظن أنه كانت هناك حرباً دائرة في البلاد، وهي الفكرة التي تزداد أكثر وأكثر في السليمانية ذاتها، مدينة ذات شكل لطيف، لها شوارع نظيفة وواسعة تحيط بها الأشجار من كل جانب، شرطة المرور تتواجد في كل مكان، وفتياتها يرتدين ملابسهن على الطرز الغربية، محلات انترنت كافيه، ماكدونالد، وغابة حقيقية من أطباق الستالايت تحتل أسطح البيوت، كنت أعرف أن الحرب لم تصل بعد إلى السليمانية، لكنني لم أكن أتوقع الأمور على النحو الذي رأيته هنا، لم أتوقع أيضاً رؤية لافتات تحمل عبارات شكر للرئيس الأميركي "جورج بوش" لتحريره العراق، أو لافتات أخرى ترحب بـ "بول بيريمر"، المسئول الأميركي الذي زار البلاد منذ وقت قصير لكي يلتقي قائدي الحكومتين الكرديتين اللتين فصلتا عن العراق في ظل الحرب الدائرة الآن، حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" في السليمانية بقيادة جلال طالباني، و"الحزب الديموقراطي الكردستاني" في مدينة أربيل التي تقع أقصى الشمال بقيادة مسعود البارزاني، الخصومة القوية التي تجمعهما (في العام 1994 قتل في الصراع والمعارك الطاحنة بينهما أكثر من ثلاثة آلاف قتيل) أضعفت مركز الأكراد الذين يبلغ تعدادهم أقل من أربعة ملايين نسمة (يمثلون 20 % من مجمل تعداد الشعب العراقي) بقوة، صدام حسين الذي اضطهدهم بشكل منظم ومنهجي إبَّان ثورتهم عليه ثلاث مرات (1975 – 1988 – 1991) ضربهم بيد من حديد، كان الأكراد يقاومون تعريب قراهم عنوةً من قِبَلهِ بضراوة، لكنه كان يجبرهم على الرحيل عن ديارهم أو قتلهم وإسكان عرب سنيين في منازلهم، في مارس 1988 أطلق صدام الغاز على عدة آلاف من الأكراد في قرية "حلبجة"، وقتل أكثر من أربعة آلاف شخص منهم بالسلاح الكيماوي.
لكن عندما تسير الآن في شوارع السليمانية، سيبدو لك أن كل ما رويناه سابقاً وتقشعر له الأبدان هو ماض سحيق، لن ترى ظلاً لجندي أميركي هنا، (قيل لي إنهم يرتدون ملابس مدنية ويجلسون في المقاهي والمطاعم ويحاولون التآخي مع الشعب المحلي من الأكراد، هكذا حكى لي "شالاو عسكري")، العسكر الوحيدين الذين ستراهم هنا هم المحاربون المحليون (جنود البشمرجة)، الذين يحاربون من أجل حرية الأكراد، والذين يرتدون أزياء شبه موحدة؛ سراويل فضفاضة وعمائم ضخمة وثقيلة ذات أشكال باروكية، وكأنهم سرقوا وحي أزيائهم من بورتريهات "رمبرانت" التي رسمها لنفسه، وكأحزمة تلف أجسادهم وضعوا أقمشة عريضة مطرزة حول خصورهم.
بعد حرب الخليج الأولى، تغير شمال العراق بأكمله، وتحول إلى منطقة كردية ذات حكم ذاتي مستقل لم يكن لصدام حسين عليها أية سيطرة، استخدم الأكراد الحكم الذاتي خلال أكثر من إثنى عشر عاماً بشكل ناجح وفعال، لم يكونوا قادرين فقط على تكوين حكومة خاصة بهم للمرة الأولى في تاريخهم، بل استطاعوا أيضاً أن يبنوا ازدهاراً اقتصادياً هائلاً، وهو ما يبدو بشدة في السليمانية؛ المباني السكنية الجديدة، المحلات المملوءة بالبضائع المستوردة من شتى أنحاء العالم، خيمات المشروبات الغازية في الميادين، المقاهي والمطاعم العديدة التي تزدحم بها شوارع المدينة، لكن رغم كل هذا، لن يسمع الأجنبي الذي يمرّ بالمدينة من أي من سكانها الأكراد أنهم يريدون الاستقلال عن العراق، هم يكررون في كورال متناغم أنهم يريدون أن يبقوا ضمن العراق الديموقراطي الاتحادي، الذي يضمن لهم استمرار حكمهم الذاتي الذي بدأ قبل إثنى عشر عاماً على السليمانية، هم يعرفون ويدركون جيداً الخوف الذي تشعر به تركيا حيال فكرة كردستان مستقل، لأن بها إثنى عشر مليون كردي يعيشون على أراضيها وغير راضين عن سياسة الحكومة التركية تجاههم.
كل ما سبق شُرح لي بإنجليزية "شالاو عسكري" المتقنة (درس في أميركا وانجلترا)، وهو الوزير الشاب والنشط للعلاقات الخارجية في حكومة جلال طالباني، قابلني بترحاب بدلاً من رئيسه، في الحقيقة كنت على موعد مع جلال طالباني، لكنه اضطر للسفر فجأة إلى موسكو، (من قديم كان حزبه ماركسي، وكان يحصل على دعم كبير من السوفييت، لكن الحزب غيَّر اتجاهه إلى فجأة إلى الرأسمالية، والآن أصبح حليفاً مناضلاً مع دول التحالف التي تقودها أميركا، في الحرب الماضية كان الأمريكيون يعملون بشكل يكاد يكون متحداً مع البشمرجة، لذلك خرجت المنطقة من الغزو الأمريكي للعراق دون أضرار تذكر).
"نحن نعتبر أميركا دولة صديقة، فهم محررو العراق، ونحن نشكرهم لأنهم أزاحوا الطاغية"، يقول لي "عسكري"، الذي أستطيع أن أتحدث معه الآن دون ضغوط، لكن عندما وصلت منذ دقائق قليلة إلى مكتبه، أصابتني الدهشة، الوزير كان ينتظرني وفي صحبته عدداً من المستشارين ورجال الأعمال والمقاولين، وأدركت على الفور أن بينهم سوء تفاهم كبير بسببي، فـ"عسكري" ومن معه كانوا يتوقعون أنهم سيروا شخصاً يعمل في مجال توظيف رؤوس الأموال، يمنحهم مبالغ طائلة للمشاركة في إعادة إعمار وتطوير المنطقة الكردستانية التي يقطنونها!
بدأوا مباشرة بمحاولات إقناعي بأهمية ما لديهم: "مستشفى يضم 400 سرير على أن تتكفل الحكومة بتوفير الأرض وتصميمات البناء (التي من الممكن لي أن أطلع عليها إن شئت)، والتي لن تتكلف سوى 40 مليون دولار، مجزرة كبيرة للحيوانات في السليمانية ستتكلف 14 مليون دولار فقط". ما حزَّ في قلبي وآلمني هو أنني مضطر أن أقول لهم: "إنني لست إلا مندوباً عن نفسي فقط، وإنني كاتب من أمريكا الجنوبية جاء ليكتب عن الأوضاع في البلاد بعد زوال حكم صدام حسين"، بدا الوزير الشاب "شالاو عسكري" ممتقع الوجه وهو يجاهد كي يبتلع ريقه الجاف (ما الذي كان في استطاعته أن يفعله سوى محاولة الابتسام): "نحن الأكراد تعلمنا الدرس"، حكى لي: "لذلك لا نريد أن نستمر في مواصلة اجترار أحزاننا على عذابات شعبنا تحت حكم الديكتاتور، أو الاختلافات العديدة التي تشق صفنا نحن الأكراد والتي أساءت لموقفنا أمام عيون العالم، لكننا نريد أن نشترك في بناء عراق ديموقراطي حر لنحيا في سلام مع بقية الشعوب الأخرى، نحن نطبق هذا في كردستان منذ إثنى عشر عاماً، ألم نعد نحترم التركمان هنا (أقلية صغيرة تتحدث التركية في شمال العراق)، وأصبحت لهم كافة الحقوق في نشر وقول ما يريدون، ألا تتمتع أحزابهم السياسية بكافة الحريات، إذن علينا أن نمنح التيارات الأخرى نفس الحقوق والحريات، الشيعيين والسنيين والمسيحيين وكافة الأديان في هذا البلد، هناك متسع للجميع، نحن مجرد تخطيط مبدئي لما سيكون عليه عراق المستقبل".
عندما أسأل "شالاو عسكري" عما إذا كان حزب جلال طالباني سيكون جزءاً من مجلس الحكم العراقي الذي يشرف "بول بيريمر" على تكوينه حالياً، يؤكد لي أنهم اتفقوا على هذه النقطة تحديداً خلال الزيارة التي قام بها "بول بيريمر" مؤخراً إلى كردستان، (وهو ما تأكد لي بعد أيام قلائل، حيث كان اسمي جلال طالباني ومسعود بارزاني في مقدمة الأسماء التي تعلنها وسائل الإعلام للساسة العراقيين المرشحين لتولي مراكز مهمة في مجلس الحكم العراقي المرتقب).
"الكلمة الأساس للسلام هي العمل"، هذا هو رأي "شالاو عسكري"، صاحب القامة الممشوقة، الإيجابي، والمتفاني في عمله، عندما كان يتحدث كان يحرك يديه بشكل مستمر ليؤكد على أهمية كلماته كما يفعل الإيطاليون: "عندما يجد كل العاطلون عملاً لهم سيختفي التطرف الإسلامي ويذوب مثل كرة هشة من الثلج، فعندما لا يكون لديك ما تفعله في يومك يكون من السهل عليك أن تذهب خمس مرات إلى المسجد، وتصبح نفسك سجينة الكلمات التي تسمعها هناك، لكن عندما تعمل ثمانية ساعات في اليوم، إضافة إلى الوقت الذي يقطعه ذهابك وإيابك من العمل، والوقت الذي تقضيه مع أسرتك، فلن يصبح الدين هو الشيء الوحيد في حياتك، تستطيع أن تقول إنك هكذا لن تملك الوقت الكافي لكي تصبح إرهابياً، الأفكار الملتوية في رأسك ستختفي وتنفتح روحك لأفكار حديثة وحرة".
في رأي "عسكري"، أن العنف الذي بدأ في الفترة الأخيرة ضد قوات التحالف (الهجمات والكمائن التي صارت تسلب يومياً حياة واحد أو أكثر من الجنود الأمريكيين) ليست فقط من عمل بقايا الحرس الجمهوري العراقي، وإنما تشير بإصبع الاتهام أيضاً إلى قوات كوماندوز أجنبية أرسلت من قبل تنظيم القاعدة، وإلى الإرهابيين الإيرانيين الذين يحصلون على دعم دوائر المحافظين هناك: "يخشى شيوخ المحافظين في إيران أكثر من أي شخص آخر في العالم مجيء عراق ديموقراطي حر، لكنهم في الوقت نفسه مؤمنون بأن أمريكا ستجتاح بلادهم إن عاجلاً أو آجلاً، ومن ثم قرروا أن يجعلوا الحرب تنفجر أولاً في العراق". لكن "عسكري" موقن بأنه لو بني استقرار وتفاهم بين التحالف والحكومة العراقية المزمع تكوينها فسوف يستطيعان سوياً تحطيم القوى الإرهابية الأخرى في الجوار.
يرسم الوزير الشاب حلمه الذي لا يشك فيه: "عراق حرفيين وتقنيين منفتحين على ثقافات العالم ومحررين من العقائد السياسية والدينية، بلد يجذب رؤوس الأموال من كل أنحاء العالم لتوظيف ثرواته وإمكانياته المهولة، وطن توفر فيه الحرية والعدل التسامح المتبادل بين الفئات المختلفة، عراق يكون محركه الأساسي هو المجال الخاص"، يقول "عسكري" جملته الأخيرة وهو يشير إلى المقاولين الذين يحيطون به، والذين بدوا وكأنهم شمروا عن سواعدهم استعداداً للعمل رغم المشاكل الكبيرة التي تقابل المستثمرين هنا، ذلك لأن الموقف ليس واضحاً بعد، بل إنه محير، فليس هناك بنوك تعمل بشكل جيد، حتى أنه ليس هناك عملة موحدة للعراق نفسه حتى الآن، فهنا في كردستان لن تجد دنانير تحمل صورة صدام حسين كما هو الحال في كل أنحاء العراق، بل ستجدهم يتعاملون بعملات مختلفة كانت موجودة قبل مجيء صدام للحكم، (في الحقيقة تغير الاقتصاد المحلي هنا بسرعة شديدة نحو الدولار).
يتحدث "عسكري" بحرصٍ حين أسأله: "هل صحيح أن جلال طالباني ومسعود بارزاني قدما وعداً لـ"بول بيريمر" بأن يوحدا حكومتيهما (في السليمانية وأربيل) في حكومة واحدة؟، لكي يتحدث الأكراد في الحكومة المستقبلية للعراق التي من المنتظر لها أن تتكون بصوت واحد ممثل للأكراد في قلب بغداد، وكنت أعلم أن "بول بيريمر" جاء ليناقش هذه النقطة تحديداً مع الشقيقين العدوين طالباني وبارزاني، يقول "عسكري": "نحن نعمل سوياً واختلافات الرأي القديمة تذوب بيننا شيئاً فشيئاً، إرادة أن نتوحد موجودة، الأمر فقط مسألة وقت"، كنت أسمع الحروف تخرج من فمه ضعيفة ومكسورة، وكانت المرة الوحيدة في محادثاتنا الطويلة التي أشعر فيها بأن الوزير الشاب يتحدث معي بشكل رسمي.
لكنني أوقن أن "عسكري" كان صريحاً معي عندما قال إن طالباني وبارزاني لا يريدان كردستان مستقل عن العراق، وهو ما ستقاومه الحكومة التركية بكل الوسائل: "جميع الأكراد متفقون على هذه النقطة، نحن لا نناضل من أجل انفصال، بل نريد أن نبقى جزءاً من العراق الذي يحترم حقوقنا"، ويضيف عسكري ملمِّحاً: "ألم ترتكب تركيا حماقة، كان من الممكن لها أن تحصل على 40 مليار دولار من الأمريكان لو سمحت لقوات التحالف بالعبور عبر أراضيها لتحرير العراق، أليست هذه حماقة كبرى، فإضافة إلى المال كانوا سيحصلون على حليف قوي ممثلاً في الأمريكيين، مؤكد أنها خسارة فادحة لهم".
"كيف تستطيع أصلاً أن تنفذ أعمالاً تجارية في هذه الفوضى؟"، أسأل الوزير الشاب، لكن "ناجي الجاف" أحد المقاولين الواقفين معه، يضحك متهللاً وهو يقول: "غداً سننتظر هنا وفداً من رجال بنوك سويسرا الذين استطعنا إقناعهم بافتتاح بنك في السليمانية"، ويذكرني الوزير الشاب بأن الرأسمالية تجري دائماً مثل نهر نحو الأماكن التي بها ربح، والأماكن التي تتمتع بموقف مستقر، ويضيف واثقاً: "ونحن نملك الشرطين".
بعد انتهاء المناقشة، أخذني "ناجي الجاف" معه إلى ما وصفه بأنه "جنة صغيرة"، ولم يزد في الشرح، تحيط بالسليمانية هضبة خضراء ناعمة الحواف، سلكنا في البداية طريقاً حديثة أوصلتنا إلى غابة من أشجار الصنوبر، ومنها صعدنا إلى إحدى قمم الهضبة، من هناك تستطيع أن ترى منظراً بديعاً للمنطقة الواسعة في الأسفل، في الأفق سترى السليمانية مترامية الأطراف وشاسعة، تزينها الأنوار الأولى التي بدأت تشعل في بيوت المدينة الصغيرة البيضاء التي تحيط بها الأشجار من كل جانب، من هذا الارتفاع تختفي حدة الحرارة التي تخنقك في الأسفل وتسمح بعبور قليل من الهواء المنعش ذو الرائحة الصمغية، أسر عديدة وفرق أصدقاء أغلبهم من الشباب اختاروا أسفل الشجيرات تحت الهضبة مكاناً لمؤانساتهم، أشعل أغلبهم ناراً يطبخون عليها عشائهم وفي الوقت نفسه يتحدثون ويشربون وأحياناً يغنون، كل مكان تنظر إليه ستجد كل شيء فيه هادئ وجميل ومسالم، كنت أحاول أن أذكر نفسي بأن ما أراه هنا سطحي ومزيف، فأنا في بلد ارتكبت فيه منذ قليل جرائم وحشية، وكثيرون ممن سيعجبون بعد قليل بالنجوم التي ستبدو لامعة في السماء (لم يسبق لي أن شاهدت كل هذا العدد المهول من النجوم اللامعة في أي مكان من العالم) سيتأسفون على من مات أو تعذب أو تشوه منهم، من ضحايا الديكتاتور الدموي صدام حسين، أو قتل الأشقاء الأعمى وسط الأكراد أنفسهم.
في الصباح التالي أزور سوق السليمانية والشوارع المحيطة به، وكل من تحدثت إليه يزيد من شعوري الإيجابي الذي صرت أملكه، أن الأشياء تمضى هنا نحو الأفضل، على رغم الإرث التراجيدي الذي حدث بالأمس، والصعوبات الموجودة اليوم، فإن الأمل يحيا وسط الناس هنا، وهم مصمِّمون على أن يخلِّفوا ماضيهم البشع وراءهم وإلى الأبد.
لكن قبل أن أقرر الرحيل، تقودني المصادفة إلى محادثة في الفندق مع أحد المقاولين من أربيل بصحبة فنجان قهوة قوي ومكثف، يُنزل أقدامي من جديد إلى أرض الواقع: "لا يجب أن تغادر وأنت فرح بما رأيته هنا"، يقول لي بصوت منخفض، بعد أن كنت أحكي له كم أنا متأثر بزيارتي القصيرة للسليمانية: "عليك ألا تكون ساذجاً، صحيح أن هناك تطوراً كبيرأً بالمقارنة مع الماضي الدموي، لكن تبقى هناك مشاكل جمة، الكردستان العراقي ما زال منقسماً بين حزبين يكرهان بعضهما البعض، حزبين نظم كل منهما حكومة انفرادية تريد احتكار الحكم وحدها، وكل منها تحكم منطقتها الخاصة، فهل تظن أن نظام الحزب الواحد يمكن أن يكون ديموقراطية حقيقية، أم يصبح شكلاً نسبياً وفاسداً من الديموقراطية؟، الدويلات الكردية الصغيرة معطوبة، عندما تريد أن تبدأ هنا أو في أربيل عمل استثماري عليك أن تدفع عمولات ورشاوى ضخمة لحزب الحكومة أو لقادة هذه الحكومة، هؤلاء الذين أثروا أنفسهم بشكل مجنون في السنوات الأخيرة، لأنه ليس في يد طالباني أو بارزاني أية رقابة أو سيطرة حقيقية على أعمال حكومتيهما".
هذا المقاول يقول الحقيقة أم يهوِّل من الأمور؟ انتقاده موضوعي أم نتيجة سخط شخصي؟، لا أستطيع أن اكتشف هذا، ولكن عندما كنت أستقل سيارة الأجرة الجماعية المتجهة إلى بغداد، كنت أحسُّ في فمي بطعم شيء مرّ اسمه الغضب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اسم الكتاب: Dagboek Irak
اسم المؤلف: Mario en Morgana Vargas Llosa
الناشر: Meulenhoff – Amsterdam
الطبعة الأولى : مارس 2004

------------------------

إيلاف تنبأت بما سيثيره الكتاب قبل ثلاثة أسابيع

يوميات "ماريو بارغاس يوسّا" العراقية تكتسح قوائم المبيعات في بلجيكا وهولندا

عمـاد فـؤاد من بروكسيل: قبل ثلاثة أسابيع فقط قدمنا في "إيلاف" ترجمة لأحد فصول هذا الكتاب الذي أصبح الآن الكتاب الأكثر مبيعاً في بلجيكا وهولندا، بعد أن اكتسح جميع قوائم الكتب الأكثر قراءة وإقبالاً بين القراء البلجيكيين والهولنديين، وربما يكون ذلك بسبب تناوله للموضوع الأكثر سخونة على الساحة الدولية الراهنة، ألا وهو الأحداث الحالية في عراق ما بعد صدام حسين، وربما لأن كاتبه هو الروائي البيروفي الشهير "ماريو بارغاس يوسا"، صاحب العديد من العلامات الروائية الهامة والبارزة في الرواية العالمية الراهنة، ومن أبرزها روايات: "في مديح زوجة الأب" و"مدينة الكلاب" و"دفاتر دون ريغو بيرتو" و"حفلة التيس"، وهو ما يدعونا هنا إلى تقديم قراءة شاملة للكتاب الذي أصبح الآن مرشحاً للعديد من الجوائز الدولية، بوصفه واحداً من الكتب القليلة التي تناولت ما يحدث الآن في العراق من ناحية أدبية ونسجتها بما هو سياسي.

"جعلتنا الحرب في العراق نرى كيف ستكون صورة الحروب في العالم القادم والعصور الغامضة المقبلة، الحرب التي لم تعد مجرد جيشين متقابلين كل في مواجهة الآخر، وإنما أصبحت حرب المجتمعات التي تزعم أنها ديموقراطية، في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تدخل صناعة الحروب بأموالها، هذه التنظيمات التي من الممكن لها أن تطيح بأرواح الآلاف من الأبرياء في سبيل فكرة تعتنقها كما حدث مع ضحايا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001".

هذا هو الرأي الافتتاحي الذي يطالعه القارئ في بداية هذا الكتاب المثير والذي جاء نتيجة رحلة استمرت إثنى عشر يوماً فقط، قام بها الروائي البيروفي الشهير "ماريو بارغاس يوسا" إلى العراق، بدأت في 25 يونيو وانتهت في السادس من يوليو 2003، ورغم أن هذه اليوميات التي جمعها "يوسا" تحت عنوان "يوميات من العراق" وصدرت في الأسبانية أواخر العام الماضي، لاقت اهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية ونشرت في عشرات المجلات والصحف سواء في أوربا أو في أمريكا اللاتينية، إلا أننا لم نسمع بها في عالمنا العربي حتى هذه اللحظة، على الرغم من ترجمة الكتاب إلى العديد من اللغات الأخرى منها الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، السويدية، الإيطالية، والهولندية التي كانت آخر هذه الترجمات والتي صدرت في منتصف شهر مارس الماضي عن دار نشر “Meulenhoff” بأمستردام، وهي الترجمة التي نقدم قراءة لها في السطور التالية.

كتب "يوسا" هذه اليوميات بسرعة شديدة على حد تعبيره في مقدمته للكتاب، ولكنه عندما عاد إلى أسبانيا حيث يعيش حالياً، أدخل عليها العديد من التعديلات والإضافات، ونشرها مسلسلة في البداية في صحيفة "الباييس" الأسبانية واسعة الانتشار في شهر أغسطس 2003، ولأن كثير من الجرائد التي أقدمت على نشر يوميات "يوسا" فيما بعد لم تكن أمينة على نصه كما فعلت "الباييس"، حيث حذفت الكثير من الصحف والجرائد الأجنبية التي قامت بعضها بترجمة حلقات يوميات "يوسا" عن الصحف الأسبانية العديد من الفقرات الهامة التي تضمنت آراءه في الحرب الأمريكية البريطانية على العراق، فقد رأى صاحب "دفاتر دون ريغو بيرتو" و"مديح زوجة الأب" جمع يومياته العراقية في كتاب، كي تكون آراءه واضحة كما يريد لها، وأضاف على اليوميات التي تتكون من ثمانية فصول أربع دراسات له عن الحرب الأمريكية على العراق، كان قد نشر ثلاثاً منها قبل قيامه بالرحلة، والرابعة كتبها بعد الاعتداء على مركز الأمم المتحدة في بغداد في أغسطس الماضي، ومن يقرأ الكتاب كاملاً سيجد أن "ماريو بارغاس يوسا" يعبر عن رأي مناقض تماماً لما عرف عنه قبل الغزو الأميركي للعراق، حيث لم يعد يقف ضد هذه الحرب كما كان يعلن قبل قيامه برحلته هذه من خلال مقالاته الأسبوعية في الصحف الأسبانية، وهو التغير الذي يفسره الكاتب في يومياته من خلال شروح عديدة ومستفيضة، فهو يشير في افتتاحيته للكتاب مثلاً إلى أن أحد أهم أسباب قيامه بهذه الرحلة إنما كان ليختبر صحة موقفه المعارض للغزو الأمريكي البريطاني للعراق، والذي اتخذه من قبل وأعلنه في مقالاته الأسبوعية في صحيفة "الباييس" الشهيرة، ويخلص "يوسا" في كتابه إلى أنه لم يعد يعارض غزو قوات التحالف للعراق، لكنه يعارض الأسلوب الذي تم به هذا الغزو الذي حدث دون مشروعية دولية، فلا الأمم المتحدة أقرته، ولا كان هناك إجماع دولي حول طريقة القيام به، لكنه يلمح بأن من الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها أمريكا وبريطانيا لتبرير حربهما على العراق زعمهما بأن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، وأنه على علاقة بقيادات تنظيم القاعدة ومنفذي تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو ما لم تستطع أمريكا أو بريطانيا إثباته حتى الآن.

قسم "يوسا" كتابه إلى جزأين رئيسيين، الأول يضم يومياته في العراق، والتي جاءت في ثمانية فصول، كانت عناوينها على النحو التالي: "الحرية البربرية"، "الناس في بغداد"، "المتدينون"، "ناهبون وكتب"، "فاصوليا بيضاء"، "عطيل .. من اليمين إلى اليسار"، "الأكراد"، "الرجل الثاني"، أما القسم الثاني فضم دراساته الأربع عن الحرب على العراق، والتي حملت عناوين: "كوارث الحرب"، "بقّ الوبر"، "ديموقراطية الأطلال"، "ميت في درعه"، كما ضم الكتاب العديد من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها "مورجانا" ابنة "يوسا"، والتي كانت فيما يبدو سبباً آخر لقيام الكاتب العالمي برحلته هذه إلى العراق، حيث كانت تعمل في بغداد قبل شهرين من قيام والدها برحلته، والمعروف أنها مصورة صحافية من مواليد العام 1974، عملت في العديد من الصحف الشهيرة في أسبانيا وفرنسا وبريطانيا، منها "الباييس" و"باريس ماتش" وغيرها، كما عملت لعدة سنوات في منظمة اليونيسيف العالمية، وفي العراق كانت "مورجانا بارغاس يوسا" تعمل ضمن فريق مؤسسة “Iberoamérica-Europa” كمصورة فوتوغرافية لأحداث الحرب الأمريكية البريطانية على العراق.

يكتب "يوسا" يومياته العراقية بحس شديد الواقعية أقرب إلى الأسلوب الصحفي منه إلى الأدبي، مبتعداً عن أسلوبه الروائي المعروف عنه، والذي تبدى بشكل واضح في رواياته التي صنعت له مكانته الخاصة في الأدب العالمي الراهن، بدءاً من رواياته الأولى "من قتل بالومينو موليرو" و"في مديح زوجة الأب"، وصولاً إلى رواياته الأحدث "دفاتر دون ريغو بيرتو" و"حفلة التيس"، بل أنه يضمن يومياته العراقية هذه حواراً صحفياً أجراه مع المرجع الشيعي "آية الله محمد باقر الحكيم" والذي اغتيل بعد أسابيع قليلة من زيارة "يوسا" للعراق، ومن خلال هذا الأسلوب أستطاع "يوسا" أن يقدم صورة حقيقية عن عراق ما بعد سقوط صدام حسين، من خلال منظور سردي قلما نجده في الكتابات السياسية التي نطالعها يومياً عن الأحداث في العراق، فهو يكتب في أول فصول الكتاب والذي عنونه بـ"الحرية البربرية" عن مشاهداته اليومية في قلب بغداد، راصداً كافة الصور الحياتية التي يقابلها حتى ولو بدت تافهة أو بلا معنى بعين أدق من الكاميرا الفوتوغرافية، فهو يرصد إقبال الشباب العراقيين على محلات الانترنت كافيه في شوارع بغداد، وعدم قدرة الشعب العراقي على التأكد من صحة المعلومات التي تبثها المحطات الفضائية على الرغم من تعدد وكثرة الصحف العربية الموجودة على الأرصفة في كل مكان، مشيراً إلى الجنون الذي لمسه عن قرب من كل ما هو إسرائيلي أو يمت بصلة إلى هذا الكيان، مؤكداً أن العراقيين يستيقظون كل يوم على تفجر شائعات جديدة تزعم شراء رجال أعمال إسرائيليين للعديد من المباني العراقية الحكومية، ويسخر "يوسا" من هذه الشائعات قائلاً إن العراقيين إذا رأوا أجنبياً يرتدي ملابس أنيقة في مكان ما ظنوا أنه إسرائيلي، ويختتم أول فصول يومياته بإشارته إلى إن بغداد بدت له مدينة شديدة القبح في ظل الخراب الذي ضربها في كل مكان، على رغم شهرتها في الخمسينيات كواحدة من أجمل المدن العربية، فالحرب خلفت أنقاضاً وحرية، لكنها الحرية التي أدت إلى نهب كل شيء، وهو ما دفع "يوسا" إلى تسميتها بـ"الحرية البربرية".

في الفصل الثاني من اليوميات يكتب "يوسا" تحت عنوان "الناس في بغداد" عن عدد من العراقيين الذين تعرف إليهم عن قرب خلال رحلته، فيكتب عن رجل الجيش العراقي "نوفل عبدالله الدلامي"، وكيف أنهى خدمته في الجيش ليصبح حارساً للصحفيين الأجانب الذين يعملون في العراق، وهو العمل الذي جعله مسئولاً عن حراسة "يوسا" وابنته "مورجانا" خلال طوافهما في شوارع في بغداد، ومن خلال حديثه المستمر مع هذا الحارس، يرسم "يوسا" لنا صورة عن العراق في ظل حكم صدام حسين في ذهن رجل الشارع البسيط، وكيف يمتزج ما هو حقيقي مع ما هو أسطوري أو مزيف، من خلال ما يرويه له رجل الجيش عن أفعال "عدي" نجل صدام حسين حين كان يقطع شوارع بغداد بسيارته المحاطة بالحراس المدججين بالسلاح بحثاً عن فتاة جميلة، تختفي في أحد قصوره شهرين أو ثلاثاً قبل أن يلقي بها من جديد في الشارع، كما يسرد قصة لقاءه بـ"حسن رشيد" المترجم الذي رافقه وابنته خلال رحلتهما في العراق، وهو أستاذ اللغة الأسبانية في جامعة بغداد الذي تلقى دراساته في أسبانيا قبل أكثر من عشر سنين.

وتحت عنوان "المتدينون" يخصص "يوسا" الفصل الثالث من كتابه لمقابلته وحواره الطويل مع المرجع الشيعي "آية الله محمد باقر الحكيم" والذي التقى به في مدينتي النجف وكربلاء، وكصحفي مخضرم يضع "يوسا" في مقدمته للمقابلة كافة التفاصيل عن حياة الإمام الشيعي الكبير، وصعوده إلى مكانته الراهنة، أما الفصل الرابع ففيه يعود الكاتب من جديد إلى بغداد، مشيراً إلى أن رحلته السريعة إلى النجف وكربلاء كانت أشبه ما تكون بالعودة إلى العصور الوسطى، فبغداد رغم خرابها البشع إلا أنها لم تزل مدينة تتجمل لسكانها في المساءات كفتاة ليل؛ بنات بلا أحجبة وملابسهن على أحدث الطرز الغربية، مقاهي مفتوحة رغم أصوات القصف التي تضرب في كل مكان، يعنون "يوسا" فصله هذا بـ"ناهبون وكتب"، إذ يحكي فيه عن مقابلته الأستاذ الجامعي "ضياء نافع حسن" عميد كلية الآداب واللغات بجامعة بغداد، والمتخصص في الأدب الروسي، والذي يحكي لـ"يوسا" كيف تم تدمير العديد من المكتبات العامة في بغداد إثر إلقاء القبض على صدام حسين، وكيف أفسدت سلبية الأمريكان في التصدي لبربرية الشعب التي نهبت الكتب والمكتبات فرحة العراقيين بهذا التحرر من الطاغية، لذلك لم يخرج الكثيرون من منازلهم خشية أن تنهب ممتلكاتهم كما نهبت الأماكن الحكومية وقصور صدام نفسه.

يخصص "يوسا" الفصل الخامس من يومياته العراقية لسرد عدد من قصص الاختفاء والاعتقال والتعذيب التي سمعها من أفواه ضحاياها، فيحكي عن مقابلته مع "قيس علوي" (37 عاماً) الذي حين يرى طبقاً من الفاصوليا البيضاء يشعر برغبة في القيء، ذلك لأنه حين اعتقل وهو ابن تسعة عشر عاماً تم تعذيبه وصعقه بالكهرباء في سجن أبو غريب بطريقة بشعة (ربما لا تختلف كثيراً عما يفعله الأمريكيون الآن ضد المعتقلين العراقيين في السجن ذاته) وكان الحراس المكلفين بتعذيب "قيس علوي" يأكلون الفاصوليا البيضاء كل يوم وهم يسومونه ألوان العذاب، ويحكي "يوسا" كيف ظل "علوي" في السجن نفسه ثمانية أعوام دون أن يرتكب شيئاً، من العام 1987 حتى 1995، والفصل كله يستمد معلوماته عن الذين اختفوا ولا تعرف عائلاتهم أين هم حتى الآن من المحامي "قمر باسيل" الذي يحكي لـ"يوسا" قصص هؤلاء مدعمة بالصور والوثائق، كما يخبره بالمقابر الضخمة التي كان صدام حسين يدفن فيها معارضيه السياسيين أحياء.

ربما يكون هذا الكتاب نقطة فاصلة في مسيرة "ماريو بارغاس يوسا" الأدبية، فهو إذا كان تطرق من قبل إلى الموضوعات السياسية في عدد من رواياته، أبرزها روايته الأخيرة "حفلة التيس" والتي تناول فيها الحكم الدكتاتوري في الدومنيكان على مدى واحد وثلاثين عاماً، من العام 1930 حتى العام 1961، للجنرال رافائيل ليونيداس تروخييو مولينا، وهي الرواية التي ربما أوصلت صاحبها قريباً إلى جائزة نوبل للآداب، فإن ديكتاتورية صدام حسين التي بنت أسطورتها على أرض العراق ربما جذبت إليها أنظار كاتبنا لتشابهها مع ديكتاتورية رافائيل ليونيداس تروخييو مولينا في الدومنيكان، فما رآه "يوسا" في العراق هو نفسه الذي حكاه من قبل في "حفلة التيس"، فالفرح الناقص والمبتور الذي تملك الناس بعد اغتيال "تروخييو"، هو ذاته الذي وجده "يوسا" في العراق، حيث لا زال قانون الرعب والخوف يتسلط على رقاب الشعب رغم القبض على الديكتاتور، ولا يحاول "يوسا" في يومياته هذه إقامة أي نوع من المقارنة بين جنرال الدومنيكان وبين جنرال العراق، بل يربط أحياناً كثيرة بين فيدل كاسترو وصدام حسين، مشيراً إلى أن ما حدث في العراق لن يحدث في كوبا، ولكن ستتحول كوبا بعد موت كاسترو إلى ديموقراطية حقيقية، وهو ما يوضحه "يوسا" في واحدة من دراساته الأربع التي ضمنها الكتاب والتي حملت عنوان "ديموقراطية الأطلال"، حيث أشار إلى أن كاسترو استخدم المناقشات الدولية حول مدى مشروعية الحرب على العراق في تمكين سيطرته على الأوضاع الداخلية في بلاده، وألقى القبض على عشرات المعارضين له ووضعهم في السجون، وهو ما يفعله بدأب يحسد عليه خلال سنوات حكمه الأخيرة، بل أن الكاتب يبدأ في هذه الدراسة الطويلة برسم صورة لما سيكون عليه العراق بعد خروج الأمريكيين منه، قائلاً إن على العراق أن يصبح بلداً تتجاور فيه الأعراق والأديان مثل بلجيكا أو سويسرا، فالأولى تضم عرقين بشريين هما الفلمنكيين والوالون ولكل منهما لغته المختلفة عن الآخر (الهولندية والفرنسية)، أو سويسرا التي تتحدث ثلاث لغات هي الألمانية الفرنسية والإيطالية.

"ميت في درعه" هو عنوان آخر الدراسات التي يضمنها "يوسا" كتابه، والتي كتبها بعد عودته من العراق، ويتناول فيها لقاءه بثلاث شخصيات تعرف عليها والتقاها خلال رحلته، وقتلت بعد عودته من العراق، وهم "آية الله محمد باقر الحكيم" المرجع الشيعي في النجف وكربلاء، "سيرجيو فييرا ديميلو" المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى العراق والذي لقى مصرعه في الهجوم الإرهابي الذي استهدف مبنى الأمم المتحدة في قلب بغداد في أغسطس 2003، وراح ضحيته أكثر من عشرين شخصاً، وكابتن مانويل مارتا أوار قائد قوات المارينز الأسبانية في العراق الذي مات بعد عودة "يوسا" إلى أسبانيا بأسبوعين فقط، ويعتبر "يوسا" أن الذين تسببوا في مقتل هؤلاء المقاتلين الذين مات كلا منهم في درعه، هم من يريدون أن يظل العراق غارقاً في الفوضى والخراب خوفاً من مجيء عراق ديموقراطي حر.

[email protected]


وهنا الموضوع المسروق عن موضوعات إيلاف
والمنشور بالعدد الأخير من مجلة "أفق"

http://www.ofouq.com/archive04/aug04/motabaat48-3.htm

متابعات ثقافية
ماريو فارغاس يوسا والعراق
حمدي البطران / مصر

يعجز العرب دوما عن توظيف الأدب لصالحهم . ومع أن الكتاب العرب كانوا دوما ضمير الأمة إلا أن صوتهم كان دائما خافتا وهم يتحدثون عن قضاياهم وقضايا بلادهم . أما الآخر فإنه دائما في غمرة الأحداث لا ينسي أن يرسل كاتبا في حجم ماريو فارغاس يوسا ليكتب عن مشاهداته في بلد حسب الفكر الأمريكي "تولد من جديد".
ماريو فارغاس يوسا من المبدعين الكبار في كتابة الرواية، واسم معروف في قوائم الجوائز العالمية , وتداعبه عن بعد جائزة نوبل , وربما تقوده روايته الأخيرة "حفلة التيس" إلى أكاديمية السويد لينال جائزتها يوما.
قام الروائي الشهير ماريو فارغاس يوسا برحلة إلى العراق استمرت اثني عشر يوماً فقط، في 25 يونيو 2003 وانتهت في السادس من يوليو 2003، كانت ترافقه ابنته مورجانا والتي عملت في العراق ضمن فريق مؤسسة Iberoamérica-Europa كمصورة فوتوغرافية مرافقة له. كتب بعدها يومياته ومشاهداته في الدولة التي كانت قد تذوق طعم الاحتلال في القرن الواحد والعشرين . رغم أن هذه اليوميات التي جمعها يوسا تحت عنوان "يوميات من العراق" وصدرت في الإسبانية أواخر العام الماضي، لاقت اهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية ونشرت في عشرات المجلات والصحف سواء في أوربا أو أميركا اللاتينية، إلا أننا لم نسمع بها في عالمنا العربي حتى الآن ، على الرغم من ترجمة الكتاب إلى العديد من اللغات الأخرى، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية، وكانت أحدث هذه الترجمات هي الترجمة الهولندية والتي صدرت في شهر آذار الماضي عن دار نشر (Meulenhoff) بهولندا
كتب (يوسا) هذه اليوميات على وجه الاستعجال كما ذكر في مقدمته للكتاب، وعندما عاد إلى إسبانيا حيث يعيش حالياً، أدخل على اليوميات العديد من التعديلات والإضافات، ونشرها مسلسلة في البداية في صحيفة (الباييس) الإسبانية واسعة الانتشار منذ شهر أغسطس 2003 أي بعد عودته مباشرة . وهو ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد أن الصحيفة الإسبانية هي التي مولت رحلته . وساعدته ماديا ومكنته من دخول العراق في وقت كانت العراق مغلقة تماما في وجه الزائرين . وربما أضفت الصحيفة على الرحلة طابعا صحفيا .
جمع أيوسا يومياته العراقية في كتاب، كي تكون آراءه واضحة كما يريد لها، وأضاف على اليوميات التي تتكون من ثمانية فصول أربع دراسات له عن الحرب الأميركية على العراق، كان قد نشر ثلاثاً منها قبل قيامه بالرحلة، والرابعة كتبها بعد الاعتداء على مركز الأمم المتحدة في بغداد في آب الماضي.
لقد غيرت زيارته للعراق على الطبيعة رأيه في الحرب الأمريكية على العراق . كان قبل الرحلة مناهضا للحرب من خلال مقالاته الأسبوعية في الصحف الإسبانية . وبعدها بدأ يميل إلى الجانب الأمريكي .
قسم (يوسا) كتابه إلى جزأين رئيسيين، الأول يضم يومياته عن العراق، والتي جاءت في ثمانية فصول، كانت عناوينها على النحو التالي: (الحرية البربرية)، (الناس في بغداد)، (المتدينين)، (ناهبون وكتب)، (فاصوليا بيضاء)، (عطيل .. من اليمين إلى اليسار)، (الأكراد)، (الرجل الثاني)، أما القسم الثاني فيضم دراساته الأربع عن الحرب على العراق، والتي حملت عناوين: (كوارث الحرب)، (بقّ الوبر)، (ديموقراطية الأطلال)، (ميت في درعه)، كما ضم الكتاب العديد من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها ابنة يوسا، تركز اليوميات على معاناة الأكراد مع نظام صدام حسين البعثي الذي حاول إبادتهم بشكل منظم ومنهجي إبَّان ثورتهم عليه ثلاث مرات (1975 - 1988 - 1991) ضربهم بيد من حديد، كان الأكراد يقاومون بضراوة عملية تعريب قراهم وبلادهم وثقافتهم ، وكان يجبرهم على الرحيل عن ديارهم أو قتلهم وإسكان عرب سنيين في منازلهم ، في مارس 1988 أطلق صدام الغاز على عدة آلاف من الأكراد في قرية حلابجة وهي العملية التي قادها على حسن المجيد المعروف بإسم على الكيماوي نسبة إلى الغاز الذي استخدمه في حلابجة، وقتل أكثر من أربعة آلاف شخص منهم بالسلاح الكيماوي .
يقول أيوسا عندما تسير الآن في شوارع السليمانية، سيبدو لك أن كل ما رويناه سابقاً وتقشعر له الأبدان هو ماضٍ سحيق، لن ترى ظلاً لجندي أميركي هنا، قيل لي إنهم يرتدون ملابس مدنية ويجلسون في المقاهي والمطاعم ويحاولون التآخي مع الشعب المحلي من الأكراد، هكذا حكى لي شالاو عسكري، العسكر الوحيدون الذين ستراهم هنا هم المحاربون المحليون (جنود البشمرجة)، الذين يحاربون من أجل حرية الأكراد، والذين يرتدون أزياء شبه موحدة؛ سراويل فضفاضة وعمائم ضخمة وثقيلة ذات أشكال باروكية، وكأنهم سرقوا وحي أزيائهم من بورتريهات (رمبرانت) التي رسمها لنفسه، وكأحزمة تلف أجسادهم وضعوا أقمشة عريضة مطرزة حول خصورهم.
بعد حرب الخليج الأولى، تغير شمال العراق بأكمله، وتحول إلى منطقة كوردية ذات حكم ذاتي مستقل لم يكن لصدام حسين عليها أية سيطرة، استخدم الأكراد الحكم الذاتي خلال أكثر من اثني عشر عاماً بشكل ناجح وفعال، لم يكونوا قادرين فقط على تكوين حكومة خاصة بهم للمرة الأولى في تاريخهم، بل استطاعوا أيضاً أن يبنوا ازدهاراً اقتصادياً هائلاً، وهو ما يبدو بشدة في السليمانية؛ المباني السكنية الجديدة، المحلات المملوءة بالبضائع المستوردة من شتى أنحاء العالم، خيمات المشروبات الغازية في الميادين، المقاهي والمطاعم العديدة التي تزدحم بها شوارع المدينة، لكن رغم كل هذا، لن يسمع الأجنبي الذي يمرّ بالمدينة من أي من سكانها الأكراد أنهم يريدون الاستقلال عن العراق، هم يكررون في كورال متناغم أنهم يريدون أن يبقوا ضمن العراق الديموقراطي الاتحادي، الذي يضمن لهم استمرار حكمهم الذاتي الذي بدأ قبل اثني عشر عاماً على السليمانية، هم يعرفون ويدركون جيداً الخوف الذي تشعر به تركيا حيال فكرة كوردستان مستقل، لأن بها اثني عشر مليون كوردي يعيشون على أراضيها وغير راضين عن سياسة الحكومة التركية تجاههم.
ويستطرد أيوسا .عندما تسافر من بغداد إلى كوردستان العراقية في الشمال، يتغير الفضاء المحيط بك، كما تتغير اللغة والثقافة، والآن تتغير مناظر القرى وأشباه المدن التي تراها من حين إلى آخر، بعد مسيرة أربع ساعات في الصحراء المنبسطة القاحلة، ستجد قرى البدو الرحل متناثرة هنا وهناك، أو بقايا حطام دبابة أو جثث عربات جيش مصفحة، ستجد في الفضاء المترامي أمامك جبال كوردستان، نحن الآن في منطقة البترول حول مدينة كركوك، وعندما تترك المدينة خلفك وتسير جهة السليمانية، ستجد الطرق تصعد بك نحو قمة أرضية منبسطة، والخضرة تزداد على ضفتي الطريق كلما مضيت في مسيرك، سوف تمرَّ على غابات من أشجار الصنوبر وجداول مياه صغيرة، وعلى حدود هذه الغابات ستجد فلاحين يعملون في أراضيهم، لهم بشرة محروقة وتجاعيد غائرة، ونظرات عيونهم لا تحده