* انا من جيل عانى حربين وحصارا قاسيا……
*حين تغادر الوطن تفقد جذوة الشعر……..
* نحتاج الى وزراء ثقافة يعيدون للابداع اعتباره…

حاوره اثير محمد شهاب: يمتلك الشاعر عماد جبار صوتا شعريا خاصا، استطاع عبره ان يكون مختلفا عن اقرانه من الجيل التسعيني، لم يغادر منطقة قصيدة التفعيلة وظل يمارسها باعتبارها جنسا ما زالا منفتحا للابداع، فقدم اكثر من مجموعة شعرية عبر هذا الاداء "دمع على اجفان نافذة بعيدة"، (وريشة من اسف)، ونظرا لفرادة صوته - ضمن الجيل التسعيني - استطاع ان يحصل على اكثر من جائز ة.يعيش الان في نيوزلندا، ومايزال مثابرا تجاه مشروعه الابداعي، سيما محاولته تقديم ترجمات حول اساطير السكان الاصليين في نيوزلندا، فضلا عن دراسته للثقافات الهندية وغيرها من الثقافات…
وعن طريق عافية الانترنيت استطعنا ان نقيم معه هذا الحوار الذي يكشف عن بعض هواجسه وافكاره التي يحلم بتحقيقها …
وقبل الدخول الى منطقة الابداع سألناه عن صورته ضمن الخريطة التجييلة..

* في ظل صراع الاجيال الشعرية ، وتفاوت من ينضم الى هذا الجيل دون غيره ، اين يضع عماد جبار نفسه ضمن خريطة الاجيال؟
- انا لا اعترف بمصطلح الاجيال وصراعهاواعتقد انها خرافة تصلح للاستهلاك الصحافي.ما يهمني هو الشعر بمطلقه الذي ينشأ من مقاساة مرحلة انسانية ولكن يعبر عنها بلغة كل العصور.ولكن اذا اردت الدقة التاريخية فانا من جيل عانى حربين وحصارا قاسيا، جيل تفّجر وحمل معاناة العراق واجاد التعبير عن هموم الناس الذين انسحقوا وكان صوت من لاصوت لهم، جيل اعاد الى موسيقى الشعر ومجده هيبتهما بعد ان غرق في غوغاء وفوضى النثر والتجريب الذي لا يمتلك موهبة وعمقا وتمثلا لأرث القصيدة العربية. انا من جيل اقرب الى جيل الرواد من ناحية هويته الوطنية والتصاقه بالنزف والمرارة العراقية والحلم العراقي.


* وبعدما انتهى من تصوره حول فكرة الاجيال، سألناه عن طموحه الشعري …. اصدر عماد جبار اكثر من مجموعة شعرية ، ونال اكثر من جائزة ، هل تعتقد بانك قد توصلت الى مستوى الطموح الشعري؟
- بالتأكيد لا
* وهل انت راض عن نفسك شعريا؟
- اعتقد أن بدون ثقة الرضا عن النفس لايستطيع أي واحد ان يتقدم خطوة اخرى

* بعد ذلك قلت له …اما زلت تعتقد بان ثمة قصيدة لم تكتب لديك؟ ومتى يتسنى لك كتابتها؟
- نعم هناك الكثير من القصائد.ولا ادري متى ساكتبها. لم أعد أهتم بمتى أكتب المهم هو أن افتح قلبي للحياة وأتعلم منها ما يتعلمه الجرف من الماء والغصن من الريح. ما يهمني هو ان اعيش ببراءة ونقاء واشحذ ثقافتي دائما واتجدد لأكون جديرا بالقصيدة حين تريد أن تعبر عن نفسها عبري وأن لا أخيب ظنها.

* وتواصلا مع الجوائز التي نالها، قلت له : سماك الناقد علي عبد الامير بصائد الجوائز في مجلة المسلة ، هل توافقه على هذا اللقب؟
- من حسن حظي اني حصلت على جوائز عدة وأحمد الله عليها وأشكر الذين يعملون في دول الخليج العربي على مكافأة الابداع واتمنى أن تاخذ الدول العربية الاخرى بانشاء مثل هذه الجوائز لتشجيع الابداع، وصدقني انها لا تكلف هذه الدول كثيرا، تلك الدول التي تبدد الاموال حكوماتها على الاسلحة واستيراد وسائل آخرى مستحدثات وسائل القمع والتعذيب وكبح الانسان العربي بدل ان تزرع اشجار وزهور الابداع والجمال الذي يجنبها استخدام القمع ويجعل المجتمع اجمل.
الان اعيش في الغرب وارى ان هناك رواتب للفنانين والادباء الذين يريدون التفرغ لعملهم الابداعي، هنا في بلد فقير مثل نيوزلندا وكذلك ايرلندا وغيرها، ونحن ببلداننا التي هي اغنى بلدان العالم لاتمتلك مثل هذه الاشياء،حكوماتنا حكومات جاهلة ابتلينا بها،لايهمها غير تخمتها وتجويع شعوبها. اقول الحمد لله على الجوائز التي جعلتني خلال اقامتي في الاردن في مرارة عيش العراقيين ان اعيش بكامل كبرياء الشعر العراقي ولا أتسول النشر في صحف الاردن والزمان والقدس العربي تلك التي تعطي ان اعطت مكافات نشر بخسة شحيحة لاتليق بقيمة ما ينتجه الكتاب. ولا تحترم ابداعهم وكانت تستغل افواج الكتاب العراقيين وحاجتهم للعيش في نار المنافي العربية. فجريدة ضخمة مثل القدس العربي تبيع عشرات الالاف من النسخ في كل انحاء العالم وتربح الكثير الكثير ولا تعطي للكاتب المسكين لقاء جهده المعرفي والابداعي، وكل رؤساء التحرير يظهرون كمناضلين على شاشات التلفزيون وفي اعمدتهم الاسبوعية، مناضلين يدافعون عن حقوق الانسان ومجاهدين ضد الاحتلال الاميريكي وهم يستغلون افقر فئات المجتمعات العربية بل والعالمية وهم الكتاب.

* انتقلت بعد ذلك الى اختلاف البيئات التي تؤدي الى اختلاف الرؤيا الشعرية، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن … هل تجد ثمة فرقا بين ما كتبته - داخل العراق- وما كتبته خارجا؟
- البيئة مؤثر كبير في النص الابداعي.انا لا أجد فرقا بين ما كتبته في الداخل والمنفى لأني لم اكتب ولمدة اربع سنين غير قصائد معدودة وهذه القصائد تحمل الم وحرقة العيش في الداخل. حين تغادر الوطن تفقد جذوة الشعر، علاقة القصيدة بالناس،اشكال البيوت، المآذن،صلاة الجمعة، الطقوس الثقافية العظيمة التي يمتلكها العراق، العلاقات الثقافية المحفزة. اتذكر حين كنت اكتب قصيدة وأكون فرحا بها اقرأها لبعض اصدقائي في المنطقة ومنهم الدكتور حسين سرمك، ثم في الصباح التالي اذهب الى وزارة الثقافة والى اتحاد الادباء والى قاعة حوار والجماهير فتكون القصيدة مهرجانا حافلا تستمر نشوته اكثر من اسبوع الى تاتي القصيدة الثانية. الان أين اذهب بقصيدتي حين اكتبها، اغلب الشعراء العراقيين في المدينة التي اعيش فيها حاقدون ويملأون المدينة بالدسائس،أما الاصدقاء متكلمو اللغات الاخرى فانت تحتاج ان تترجم القصيدة الى الانكليزية
لتقراها لهم وبعد هذا ماذا يبقى من القصيدة التي تفقد زهو ولادتها، تذهب لذتها
وينكسر الشاعر فيك.

* وهل تؤمن باختلاف الرؤيا؟
- نعم أؤمن باختلاف الرؤيا، ولكن أية رؤيا، التي تملك مبررات وجودها وعمقها وثقلها الابداعي. ولا اتفق مع الببغاوات التي تستعير من كتابين او ثلاثة مترجمين رؤيتها ولاتمتلك التصاقا بثقافة شعوبها.

* وعندما اجاب عن رؤياه تجاه الاجيال والقصيدة العربية، قلنا له : ماذا قدم النقاد لتجربة عماد جبار الشعرية؟
-لم يقدموا شيئا مع احترامي الشديد. أتذكر مقالة كتبها الناقد خالد علي مصطفى عراب الثقافة العراقية خلال حكم القائد الضرورة عن مجموعتي الشعرية الثانية "دمع على اجفان نافذة بعيدة " حيث قال عنها ان فيها قصيدة جيدة واحدة وهذا سبب كاف برأيه لطبع هذه المجموعة، مع العلم ان المجموعة قد حصلت على جائزة الابداع التشجيعية في العراق لعام 1999. النقد مجحف في اغلبه وتابع الى المصلحة الشخصية والاخوانيات.لكنني لابد لي هنا من ان احيي موجة من النقاد الشباب الذين ظهروا في العراق مثل فائز الشرع، أثير محمد شهاب، حيدر سعيد، علاء جبر احمد ناهم وآخرين. هذه الموجة كانت وما زالت تساند القصيدة العراقية الفتية التي طلعت من نفس النسغ الذي سقى قصيدة الرواد اعني قصيدة العمود والتفعيلة اللتين تمثلتا التراثين العربي والعالمي.


* واين تضع نفسك في خارطة المشهد الشعري العربي؟

-لا أدري اين اضع نفسي في خارطة الشعر العربي، اظن انها وظيفة القراء. ولكن يجب ان اذكر هنا ان هناك جيلا شعريا مهما بدا يظهر في كل الوطن العربي يكتب العمود والتفعيلة باقتدار وانتماء حقيقي وبلا اغتراب ثقافي اذكر منهم من مصر مثلا احمد بخيت، وحسن المطروشي من عمان، وعلاء العرموطي من الاردن ومجموعة اخرى رائعة منها محمد عزام وخليفة كيوان وهؤلاء سيكون لهم شان كبير في المستقبل، ومن السعودية شاعر رائع فاز معنا في مسايقة مجلة الصدى لعام 1999 وقد نسيت اسمه للاسف وربما تعرفه انت. ومن العراق حسن عبد راضي وعارف الساعدي، ونوفل الحمداني الذي قرات له لاول مرة وانا في المنفى وهو شاعر مهم اتمنى لصوته ان ياخذ مداه. أولاء وغيرهم من الاسماء التي لاتحضرني الان هم الجيل الذي انتمي اليه.


* ثمة تكاسل شعري دون مستوى الطموح يمتاز به الجيل التسعيني العراقي، لاسباب متعدد.. اانت على اتفاق معهم؟
- هذا التكاسل له أسباب اهمها غياب الامان الاقتصادي. ان تكون شاعرا يعني ان تكرس حياتك للشعر كل وقتك تفكر وتبحث وتتحرى وتشكل وتعيش الحياة شعرا. وما يحدث ان الشاعر لايملك وظيفة اخرى يكسب منها عيشه وكيف له وهو الذي قضى سنين طويلة في تكوين ادواته الشعرية وتشكيل رؤيته للعالم. بعد فترة من الزمن تصدم الشاعر حقييقة ان ادواته الشعرية وكل الحهد الذي بذله لاينفعه في كسب العيش، فينكسر الشاعر في داخله وتتمزق ذاته. الواقع الانساني الذي نعيشه قاس جدا.
يسحق الشعر والفن بالة المال اللعينة.كانت الانظمة الشمولية تعرف بخبث نقطة ضعف المبدع وهي فقدانه الامان الاقتصادي، فتوفر له ذلك الامان ومن ثم تبدأ باستعماله ومسخه لتنفيذ برامجها اللعينه.أما الذين يفكرون بذكاء تجاه سلوك الانظمة الشمولية فتراهم يقسمون حياتهم الى قسمين، قسم للابداع وقسم لمهنة اخرى كالصحافة وغيرها، وهؤلاء يحصلون على الامان الاقتصادي لكنهم يضيعون الكثير من الجهد الذي لو استخدم في الابداع لكان شانه عظيما.وفي كلتا الحالتين يخسر الابداع. واجد هنا من المهم جدا ان اقترح ان تكون هنالك لجنة لاختيار الطاقات المبدعة وتوفير الدعم المالي الدائم لهم لانهم ثروة للبلاد والانسانية حالهم كحال النفط والزراعة وهذا يحدث الان في نيوزلندا وفي دول الغرب. اذ من الجريمة ان شاعرا مبدعا كحسن عبد راضي يظل يركض وراء لقمة الخبز يطاردها ويضيع في هذه المطاردة الكثير من القصائد التي تمنح الحياة جمالا وثراء. نحن نحتاج الى حكومات تعي اهمية الثقافة، نحتاج الى وزراء ثقافة
يعيدون للابداع اعتباره، نحتاج الى عناصر مبدعة تستطيع تغيير ذهنية المؤسسة الجامده وتنهض بحمل ثقافة العراق العظيمة.

* في الاخير … ماهي اخر مجاميعك الشعرية؟ وماهي مشاريعك الثقافية الاخرى؟
- آخر مجاميعي الشعرية هي "ريشة من أسف" التي فازت بجائزة الشارقة وطبعتها وزارة الثقافة الاماراتية. اما مشاريعي الثقافية فقد اختارني المخرج النيوزلندي بيري باركلي للمشاركة في فلم وثائقي عن مشكلة اقتصادية لها آثارها الثقافية على المجتمع النيوزلندي وخصوصا السكان الاصليين " الماوريين " وسيكون دوري في الفلم هو ختام الفلم بقصيدة. وهناك قرص فيديوي DVD صدر عن جامعة اوكلاند لي فيه قصيدتان هما "لاتعش يوما على ذكرى وطن " و" ويا نار كوني سلاما " ووزعت 4500 نسخة منه في نيوزلندا وسيطبع في اميريكا واوروبا.ايضا اختيرت قصيدتي " لاتعش يوما على ذكرى وطن " ضمن انتولوجيا تحت عنوان " ارواح مغتربة " عن احدى اكبر دور النشر في الغرب " Random House ".مشاريعي هي اثارة انتباه المكتبة العربية عبر ترجمة نصوص وفكر ديني وفلسفي من ثقافات اعتقد ان ثقافتنا لم تولها اهتماما يليق بها، فلوقت طويل اهتمت حركة الترجمة بالمنجز الغربي والاوروبي اكثر بكثير من اهتمامها بثقافات عظيمة كالهند والصين والتيبت وحتى ثقافات مجاورة كفارس و تركيا وغيرها.