من صنعاء: وكان ختامه مسك، كما قال وزير الثقافة والسياحة خالد الرويشان، حيث اختتم المكتب التنفيذي لفعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية للعام 2004م ، فعالياته لهذا العام الحافل بالفعاليات الثقافية والفنية ومعارض الكتاب والصور والفن التشكيلي وصخب الثقافة بكل ما فيها من قصة ورواية وشعر ونثر وفعاليات أدبية وأمسيات فنية ، اختتم هذا كله بفعالية تكريمية للشاعر العربي الكبير سليمان العيسى الذي أجهش بالبكاء حين كان بعض تلامذته يلقون كلماتهم الوفائية ان جاز التعبير ، حيث شهدت بيت الثقافة اليمنية صباح اليوم أفضل فعالية أدبية راقية بشهادة من حضرها أو تابعها عبر شاشة الفضائية اليمنية ، شارك فيها إضافة إلى الشاعر سليمان العيسى ، الشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح ( القامة الأدبية المعروفة والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية) والشاعر السعودي محمد مباركي.
وقد بدأت الصباحية الاحتفائية بكلمات أدبية رفيعة تغنى فيها الوزير خالد الرويشان بالشاعر العيسى وتغزل فيه وذكر مناقبه وصفاته حيث قال : سليمان العيسى، أيها اللهب الخالد الذي كنا ضوءه، كيف للضوء أن يبتهج باللهب، وللوهج أن يحتفي بالجمر، احتفاؤنا بك اليوم، احتفاءٌ بأجمل ما كنته فينا، يقين أحلامنا، ضوء قلوبنا، طفولة الجمر في أحداقنا، احتفاؤنا بك اليوم، احتفاءٌ بومضة برق - كنت أشعلتها - لا تزال تجري في عروقنا، رغم أن الأفق يبحث عن أفقه وسط سحائب الغربان وأسراب الجراد، احتفاؤنا بك، صحراء تيهنا، إنه احتفاء بأروع ما تشربته أرواحنا، وعود صوتك تنثال رعوداً بين المحيطين، وجلجلة روحك توزعها أناشيد للحياة، وتقسمها أغاني للكفاح، بين أنطاكية وتعز وبغداد والجزائر وصنعاء، توزعتك جهات جرحك، تقاسمتك ذرى آمالك، لَكَمْ براك السرى وأنحلك الحنين.
كما ألقى الشاعر العربي الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح كلمة مزيّنة بالحب والتقدير لهذا الشاعر والقامة الشامخة في تاريخ القصيدة العربية المعاصرة، حيث قال : سألت نفسي صباح هذا اليوم : هل ستتحدث في تكريم الشاعر الكبير سليمان العيسى؟ ، ووجدت الجواب عبر أسئلة كثيرة أختزلها الآن في هذين السؤالين : كيف تقف في السفح لتتحدث عن القمة ؟ ، وكيف تقف عند رمال الشاطئ لتصف البحر؟.
وأضاف المقالح : أشهد أنني ما رأيتُ إنساناً في صورة ملاك ولا ملاكاً في صورة إنسان مثل صديقي وأبي وأخي وأستاذي الشاعر الكبير سليمان العيسى، هذا الشاب في عنفوان الشيخوخة والشيخ في عنفوان الشباب ، تمر من جواره السنوات كما تمر من جوار الأنهار والأشجار العالية ، لا لكي تنتقص من عمره أو من فتوّته ، وإنما لكي تسمع منه شعراً عذباً وغناءً شجياً.
واشار الدكتور المقالح في كلمته الى ان الشاعر الكبير سليمان العيسى كان وسيبقى شاعراً كبيراً تزداد علاقته بالشعر - مع مرور الأيام - قوةً وعمقاً وصفاءً ، مشيراً إلى أن رجل الشعر سليمان العيسى ظل خارج كل الصور الشوهاء ، وأن نتاجه الإبداعي لم يكن محصوراً في جيل بعينه ، وإنما هو نتاج لكل الأجيال ، ابتدأ من طفل الثالثة إلى فتى الخامسة عشرة، ومن الشاب إلى الكهل إلى الشيخ، وتلك ميزة لم تكن لشاعر آخر غير سليمان العيسى ، شاعر الأمة بأطفالها وشبابها وكهولها وشيوخها.
كما أشاد الدكتور المقالح بحرص وزارة الثقافة والسياحة على أن يكون ختام عامها مسكا يضوّع الدنا ويبقى خالدا على مدى الزمن بتكريم هذه القمة العربية الشامخة، ليس باسم صنعاء وحدها، وإنما باسم كل العواصم العربية، مبدياً في ختام كلمته رغبته في أن تستمر صنعاء عاصمةً للثقافة والإبداع وصدراً عربياً حنوناً لاحتضان المواهب وتكريم المبدعين وأعلام الفكر والفن والأدب من كل الأقطار العربية.
وكان للشعر نصيب في الاحتفائية حيث ألقى الشاعر السعودي محمد مسفر المباركي قصيدة جميلة نالت استحسان المكرم والحاضرين، حيث اختزل فيها حبه وعشقه للشاعر العيسى وتتلمذه على دواوينه وقصائده ، وشغفه بكل شئ يحمل بصمته.
بعدها قام وزير الثقافة والسياحة خالد الرويشان ومعه الدكتور المقالح بتكريم الشاعر سليمان العيسى وتسليمه تذكار صنعاء عاصمة للثقافة العربية 4002م وسط تصفيق حار من الحضور الذين ابتهجوا بهذه الحفاوة التي خص بها هذا الشاعر الذي كان ولا يزال صوتاً عذباً صداحاً بالشعر الجميل والقوافي الرقراقة.
كما قام الشاعر بإلقاء كلمة في هذا الحفل كانت مزيجاً من الشعر والنثر، عبَّر فيها بحرارة عن حبه وتقديره واعتزازه باليمن وصنعاء، وعن شكره الكبير لكل أولئك الذين احتفوا به وكرموه وأكرموه، خاصاً بالذكر الدكتور المقالح والوزير الرويشان والأستاذ العفيف وجامعة عدن ودار الكتب.
ومن ضمن ما قاله العيسى في كلمته تلك (... وبين أنقاض التاريخ وآلام الحاضر وأحلام الغد ، رأيتُ نفسي ، وجدتُ هويتي في هذا البلد ، فلِمَ لا تتحرك الريشة ويغمغم الوتر ويكون لليمن في قائمة نتاجك ، أيها الصوت المنشد، ديوان يربو على ألف صفحة، أعرفُ متى بدأ - كما قلت مرة - ولا أعرفُ متى ينتهي).
وفي معرض تعريفه بنفسه قال الشاعر العيسى إنه ذلك الرجل الذي رأى الدنيا لأول مرة في قرية النعيرية غربي مدينة أنطاكية التاريخية عام 1291م.
شارك بقصائده القومية في المظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء لواء إسكندرونة ضد اغتصابه وسلخه عن الوطن الأُمّ.
دخل السجن أكثر من مرة بسبب قصائده ومواقفه القومية.
زار اليمن ضمن وفد رسمي من وزارة التربية والتعليم السورية ثم راقت له وأعجب بها ورجع إلى بلده الأم سوريا ليودعها ويستقر في اليمن (بلد المهد) منذ (51) عاماً مع زوجته الدكتورة ملكة أبيض التي تُدرِّس في جامعة صنعاء. حاصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة صنعاء عام 1997م. سميت القاعة الكبرى بدار الكتب اليمنية (اكبر قاعة لعرض الكتب في اليمن) باسمه عام 2002م. صدر له أربعة دواوين شعرية كلها خاصة باليمن وهي : ديوان اليمن ، وديوان يمانيات، وديوان صنعاء، وديوان عدن ، وكانت ولا تزال الفترة التي عاشها في اليمن أخصب فتراته الشعرية كما يقول.