4U مرويات تشكيلية

" لولادة الصورة علاقة وطيدة بالموت، لكن اذا كانت الصورة العتيقة تنبثق من القبور، فذلك رفضاً منها ـ لك، كلما انمحى الموت من الحياة الاجتماعية كلما غدت الصورة اقل حيوية وكلما غدت معها حاجتنا للصور اقل مصيرية" ريجيس دوبريه في حياة الصورة وموتها

يجد المراقب للمشهد التشكيلي اليوم انه امام نمط متفاوت من المعايير النقدية والتي باتت اليوم تتوزع بين آليات تكوين العمل الفني وآليات تلقيه وبدرجات متفاوتة أيضا, فالبعض يرى أن لا أهمية لعدد المتلقين أمام أهمية العمل ذاته وهي عودة مكرورة لموضوعة الفن للفن بطريقة ما!! في حين يرى البعض الآخر أن أهمية العمل الفني تكمن في مقدار التأثير الحسي والجمالي الذي يتركه العمل في جمهور المتلقين له وألا: فليرسم الفنان لوحته ويعلقها في جدار منزله وليكتفي بدعوة عدد محدود من المتلقين يراه هو مناسبا لتلك اللوحة!! ولعل هذه المشكلة ليست جديدة ويكاد الخوض فيها تكرارا لا طائل منه إلا إذا استجد ما يدفع للخوض فيها مجددا, ويبدو اننا اليوم أما مشهد تشكيلي اوربي يستدعي التوقف قليلا وأثارة بعض التساؤلات حوله والذي يشهد جملة من التحولات الاجتماعية المتمثلة بدخول اساسي لفئة جديدة من الناس يطلق عليهم مصطلح "المهاجرون" تحاول جاهدة ان يكون لها وجود حقيقي على الأرض وتسعى للخروج من دائرة التهميش المقصود أو غير المقصود على حد سواء. وإذا كان هذا الصراع المشروع قد تم الخوض فيه من قبل فئات مهاجرة دخلت هذه البلاد واثبتت لها حظورا اقتصاديا او سياسيا وهي النسبة الغالبة من التحقيلات المهنية وبدرجة اقل الحقل الثقافي الذي شهد دخولا ملحوظا للمهاجر العربي عموما والعراقي خصوصا في مجال الشعر والتشكيل على وجه الدقة, ولعل التجارب التي يخوضها بعض الفنانين ومن بينهم الفنان جعفر طاعون خير مثال على ذلك في مجال التشكيل فهو يحاول ومنذ سنين عدة لتأصيل تجاربه في سوسيولوجية الفن منتهجا طريقا يحاول الجمع بين الشرط الجمالي والاجتماعي في آن واحد, وبالرغم مما يكتنف هذه التجربة من صعوبات بالغة تتطلب ممن ينتهجها صبرا ودراية بالخطوات اللازمة لتحقيق هدفه النهائي, فقدحقق طاعون حضورا فنيا من خلال تجاربه العديدة وعبر اختياره لثيم تأخذ من المألوف واقعيته ومن الميتافيزيق خيالا غير محدود, فهو يختار مواد عمله الفني من مفردات الحياة اليومية , كالسلالم والخبز والكرات البلاستيكية او الاحذية ويحولها الى عالم اخر يعقد صلة غرائبية مع واقعه الاصلي, فالخبز سيمر بجملة من التحولات الشكلانية يشارك في خلقها اناس عاديون توجههم عيون الفنان الحاذقة لتنتهي اخيرا طعاما للطيور في الحدائق او البط في البحيرات المنتشرة هنا!! والسلالم تتحول هي الأخرى الى عالم سري للأطفال يحققون فيه أمنياتهم المخبوئة, بينما ستتحول الأحذية إلى مادة مثيرة للدهشة على شاشات التلفاز السويدي. ولعل مشروعه الأخير قد احدث تقدما ونضجا في حصد نتائج التجربة الممتدة منذ بداية التسعينيات, فقد اختار الفنان عددا من الدواليب كمادة اساسية لتحقيق هدفه السري بعقد الصلة بينه وبين المجتمع الذي يخاطبه ومتخذا من الحكاية طريقا لتحقيق هذه الغاية. فالسر الذي تخفيه حكايا الناس يكمن في كونها تكتسب وجوها متعددة بعد روايتها ويختفي وجهها الاول بين شفاه الرواة الذين يتأرجح السرد لديهم بين العارف بالأشياء والماسك بتلابيب المرويات وبين الرائي المترقب لخلق حكايته الخاصة, فكيف إذا تجسد ذلك عبر عوالم التشكيل بممكناتها التعبيرية المختلفة. هكذا يحاول الفنان التشكيلي جعفر طاعون ان يمزج بين معطيات الحياة اليومية لأناس همشتهم الحياة ودفنت حكاياهم بين تراكمات اليومي والمألوف وبين تقنيات التشكيل في معرض لفن التركيب تأسست ثيمته على مفردة الأبواب التي تكشف بعد فتحها عن حكايا رواها اصحابهم على طريقتهم الخاصة ولكون هذا المشروع يتطلب مشاركة جماهيرية كبيرة كي يكتمل من حيث المعنى فقد دعى الفنان جعفر طاعون وعبر عدت موسسات فنية واجتماعية تعمل في مدينة مالمو السويدية الى المشاركة في المعرض والذي افتتح في يوم عرضه ثلاثة معارض اخرى في عموم السويد تشترك في نفس الفكرة لفنانيين سويديين في تجربة تقودها جهات فنية سويدية في محاولة تفعيل الجو الثقافي والفني داخل السويد وتفعيل مشاركة الجمهورلا من ناحية المشاهدة فقط وانما من خلال المشاركة الفعلية في العرض والانتاج.

حكاية المركٌب
يختارالفنان جعفر طاعون حكايته هو الاخر ليرويها في احد اجنحة المعرض والتي ستتناول رؤيته للعالم والأحداث التي تجري في العراق اليوم كجزء من خصوصية منتجه الفني ومشاركا هو الاخر بعمل فني باعتباره فردا من الجمهور, انه نوع من التشكيل داخل التشكيل!! ويختار الفنان مفردات عمله المركٌب من عدة مواد تحمل دلالات مفتوحة لا تستعصي التأويل وتشضيه في ذات الوقت, وتتوزع المفردات على ثلاث مواد هي الرمل كأرضية والدولاب المنفجر والمتشضي الى عشرات القطع المتناثرة في حيز الفضاء والجدران المغلفة بالسواد كحدود افتراضية لفضاء العمل كما تلعب الأضاءة والمؤثرات الصوتية دورا بارزا في اكمال الصورة النهائية للعمل الذي يقع في دائرة فن التركيب والتي يتداخل فيها المعقول وغيرالمعقول, أنه نوع من اقتطاع لقطة أو مشهد حياتي وسبغ عوالم يفترضها الفنان منهجاً للخلاص أو اللا خلاص أو ربما قراءة فنية لواقعه المعاش, وفي حقيقية الآمر يتحول العمل الفني وفقا لهذا الفهم إلى نوع من الاستشراف المستقبلي الذي يستقرأه الفنان من خلال معطيات حياتية محددة. ولعل المثير في هذه التجربة في إنها تشتغل على استثمار المقدس اليومي للانسان وتتساوق والبنية الفنية للمركٌب والقائمة على تكاملية العمل الواحد من الناحيتين البنيوية والفكرية بغض النظر عن المساحة الفيزيقية التي يشغلها وهي بذلك تصهر تعددية المواد واختلافها في علائقية مدهشة تمثل في مجموعها عملا تركيبا واحدا من الناحية الثيمية ثم لتشكل بمجموعها تجربة حياتية خاصة بالفنان وتتعداه إلى عدد غير محدود من التجارب الإنسانية الأخرى , ولعل اهتمام الفنان باستخدام الفضاء جعل المتلقي يتوهم نوعا من عدم الاستقرار المكاني للمركٌب مما احدث نوعا من التجاذب بين الفضاء الموجب والفضاء السالب، مما ابعد التوتر الفراغي عن فضاء المركٌب. ويذهب الفنان هنا الى استعارة فنية درامية يطلق عليها المسرحيون الجو النفسي العام فيعمل الى توظيف المؤثر الصوتي والضوئي بطريقة ترتبط بالهيكل المفتوح بواسطة أجزاء إضافية فنية تستند على بعضها وتتعلق ببعضها الآخر مما يجعل وظيفة هيكل المركّب تسودها التقاطعات الحاصلة فيما بين العناصر فتشكل كلاً واحداً ويبقى الكل رغم ذلك مفتوحاً تاركاً ممراً حراً للفضاء الذي يصبح مرئياً ما بين منطقة وأخرى أو مساحة صغيرة وأخرى من تلك التي يمكن ملا حظتها على خط مستقيم واحد, وعلى اعتبار ان الدولاب المتفجر قد ترك القاعدة" الارض" التي يستند عليها الى الفضاء المفتوح, يخلق الفنان هنا نوعاً من التلامس المحسوس أو الخفيف مما يعطي علوّا للمسرح الذي يتم عليه المشهد ويبقى الاتصال بالأرض على الحد الأدنى فينعدم وزن المركّبة الزمني كما يلعب استخدام اللونين الاسود والابيض , بتدرجاتهما دورا في الأحالة إلى نوع من الصخب الداخلي والإحساس بثقل الموت, أوبعض مناطق الحلم الكابوسية. تلك الأجواء التي ظهرت تمثلاتها في لون الدولاب المتفجر "اللون الأبيض" بتأويلاته المتعددة" السلام, البراءة, الكفن,...الــــخ" واللون الأسود واحالاته " الظلام, العتمة, الخوف....الـــــــخ" فضلا عن الاحساس المتمثل بوطئ الرمل الذي يفترش ارضية القاعة التي احتوت المركٌب, ربما هي لحظة كابوسية عاشها الفنان واجتهد في تجسيدها في عالم فيزيقي معاش او هو نوعا من الموت الذي وصفه " ريجيس دوبريه في حياة الصورة وموتها " لولادة الصورة علاقة وطيدة بالموت، لكن اذا كانت الصورة العتيقة تنبثق من القبور، فذلك رفضاً منها ـ لك، كلما انمحى الموت من الحياة الاجتماعية كلما غدت الصورة اقل حيوية وكلما غدت معها حاجتنا للصور اقل مصيرية"وتأتي أهمية هذه التجربة على صعيدين, الاول في أختيار فنان عراقي يشرف عليها في ثالث اكبر مدن السويد , والآخر في كونها تعيد عملية التفعيل الثقافي بفتح مناخات عمل مشترك في ضل أوضاع سياسية متأزمة تعم العالم اليوم غالبا ما يدفع المثقفون ثمنها وخاصة أولائك الذي يعيشون خارج بلدناهم.

انطولوجيا تشكيلية
جعفـر طاعــون


• الولادة: 1963 ـ البصرة ـ العراق
• محل الإقامة : مالمو ـ السويد
• التحصيل الدراسي: خريج معهد الفنون الجميلة 1980 ـ 1988.
• أهم الأعمال والنتاجات الفنية:
المعارض الشخصية
المعهد الثقافي الفرنسي، بغداد ـ العراق 1983.
قاعة الفن ، أرلوف ـ السـويد 1995.
كاليري الفن السويدي 1997
بيت الأحلام ـ مالمو ـ السويد 1998.
قاعة كريستينا هاف السويد Christinahavsslott
قاعة الفن الحديث في مدينة Osby السويدية2003
ـ المعارض المشتركة :
جمعية التشكيليين ـ البصرة ـ العراق 1982.
معهد الفنون الجميلة ـ بغداد ـ العراق 1984.
1991 الجامعة الملكية في المملكة العربية السعودية.
غاليري بيلدام في مالمو ـ السويد 1993.
قاعة الفنون ـ مالمو ـ السويد 1994
الغاليري السويدي للفنون في مالمو ـ السويد 1995 و 1996 و 1997..
متحف الفنون ـ مدينة مالمو 1998.
قاعة الفنون في استيفانستورب ـ السويد 2000.
غاليري Kunst vorm Holland ـ 2000.
غاليري Stichting beeldende kunst voorburg Holland ـ 2000.
البنياله العالمية في مدينة سانبطرسبورغ ـ روسيا 2001.
غاليري M / Art ـ 2001النمسا.
قاعة الفن الحديث في مديتة porvoo الفلندية 2003

متحف تاريخ الفن في مدينة لوند السويد2004


أعمال أخرى

البيضة كشكل ـ معرض خاص بمشاركة أكثر من مائة طفل ، وأقيم في المتحف الوطني في استوكهولم ـ السويد عام 1998.
معرض خاص بأعمال الأطفال ـ خمسة في واحد ـ قاعة الفنون في استيفانستورب 2000
ديكور وسينوغراف مسرحيات (المتفائل) في مسرح الدراما في مالمو 1998، ومسرحية (رحلة الأرنب) مسرح الطفل عام 1998، أيام الشعر العالمي في مالمو 2000.
ـ جوائز
حصل على جائزة افضل سينوغراف مسرحي لعام 1996 عن تصميمه لمسرحية الدب لتشيخوف

عمل مصمما مسرحيا في مسرح الدراما 1996
ساهم في تاسيس المركز الثقافي للاطفال في مدينة مالمو السويدية
يشرف الان على تنفيذ معرض الفن التركيبي 4u بتكليف من مؤسسة المعارض الوطنية2004