الرباطمن زكية عبد النبي: في أحدث أعماله الفكرية يطرح الشاعر والكاتب المغربي محمد بنيس مواقفه من قضايا الحداثة العربية كما يورد مجموعة من التساؤلات والتأملات في اشكاليات اللغة والخطاب النقدي والعلاقة بين المشرق والمغرب والعروبة والوضع العربي الراهن والعولمة. وصدر مؤخرا لبنيس كتاب "الحداثة المعطوبة" عن دار توبقال للنشر المغربية في 187 صفحة في شكل يوميات ومذكرات تتناول تأملات في الحداثة والثقافة والعروبة. قال بنيس يوم الاثنين في مقابلة مع رويترز "هذا العمل ليس منهجيا أو شموليا هو عبارة عن مذكرات أو يوميات أسجل في كل مرة لحظة من العلاقة بين هذه الحداثة وبين الحياة الثقافية والفكرية وكذلك علاقة هذه الحركة الفكرية والثقافية بالحداثة اذن هناك تفاعل بين الجانبين." واضاف "كل خطاب يتناول الحداثة من خارج عمقها الفكري والابداعي هو استعمال ظرفي يتحول إلى نقيض الحداثة بل يتحول إلى حداثة معطوبة." ويقول بنيس إن هذه الفكرة بدأت تراوده "منذ اواسط التسعينيات بعد فترة حرب الخليج الأولى حيث بدأنا نعيش زمنا جديدا بقيم تفاجئنا أحيانا وبظهور اعطاب على ما كنا نعتقد أنه النموذج الصالح."

ويقول "في كل مرة أحاول ان ألتقط وضعية (الحداثة المعطوبة) من زاوية.. افاجئها بقدر ما تفاجئني.. فهي حداثة متعددة الرؤوس." ويتساءل وهو يعود للتأكيد على أن الحداثة لاتكون خارج السؤال الابداعي والفكري "في المغرب اصبحنا نتناول الحداثة في كل خطاب ولكن كيف نتناول الحداثة ونحن نلغي الادب والشعر والفنون." بدأ بنيس (56 سنة) كتابة هذه المذكرات منذ أواسط التسعينيات "بعد النتائج التي أصبحنا نراها بعد نهاية حرب الخليج الأولى." ويقول في كتابه "الحالة الثقافية الجديدة شرعت علاماتها في الظهور منذ بداية الثمانينيات مع غزو بيروت.. ومع حرب الخليج كانت الضربة التي لم نستطع تخطي شدتها عالم عربي ينهار دفعة واحدة." ويضيف "ان الخطاب الذي كان يسمى قوميا أو نقديا انهار أمام تصاعد الخطاب الرسمي والاسلامي وخطاب العولمة.. تلك الضربة كانت حلقة في سلسلة الهزائم الجرارة التي مزقت الجسد الثقافي الحديث. وفي كل لحظة كان الندم يتضح." ويقول بنيس "هذه المرحلة هي مرحلة عالمية حيث انهارت مجموعة من النماذج في العالم في مقدمتها النموذج الاشتراكي السوفياتي سابقا.. لكن هذا لا يبرر ما أصبحنا نعيشه في العالم العربي بخصوص وضع المثقفين." ويعتبر بنيس أن المثقف العربي تخلى عن طرح السؤال "بل أصبح نادما على مواقفه القديمة.. فنحن يمكن أن نكون قد عشنا على أفكار خاطئة وفي مواقف خاطئة والاعتراف بذلك شيء والندم عليه شيء آخر." ويضيف بنيس "عشنا هذه الأفكار من أعماقنا وهي ككل الافكار التي تعيشها البشرية فيها الصحيح والخطأ أساسها الحرية والابداع يجب أن نعيد النظر في السؤال والا نتخلى عنه.. يجب على المثقف أن يعود إلى مواقعه وإلا فمواقفنا كانت سياسية وليست أبدا ثقافية وابداعية." ويضيف "هذا مظهر من المظاهر التي جعلتنا نعيش اختزال العمل الثقافي والتخلي عن الروح النقدية التي هي مصدر الفعل الثقافي."

يعتقد بنيس أن دور المثقف يظهر في أوقات الأزمات الكبرى "من أجل اعادة النظر في كل ما نعيشه لفتح آفاق جديدة لما نريد أن نكون عليه.. فلا نحن أعدنا النظر في موقفنا من اللغة ولا من الآداب ولا في علاقة المشرق بالمغرب." ويضيف "هذه المحاور التي كانت من أبرز ما شغل الثقافة العربية لمدة قرن... نحن نتخلى عن كل شيء ونندم على مواقفنا." وبنيس أستاذ للشعر العربي الحديث بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط وصدرت له عدة دواوين شعرية ومؤلفات من بينها "ماقبل الكلام" سنة 1969 و"شيء عن الاضطهاد والفرح" سنة 1972 و"مواسم الشرق" في طبعتين سنة 1986 و1990 و"ورقة البهاء" سنة 1988 وهو الديوان الذي نال عنه جائزة محلية في الشعر و"المكان الوثني" سنة 1996ويختم بنيس هذه المذكرات بقوله إنها "تثير انتباهي إلى المكان الذي يجب أن أدافع منه وهو مكان المقاومة باعادة النظر في المسلمات وفي القيم وفي استراتيجية الكتابة..."