"رسالة إلى الأختين" هو الإصدار الجديد والرائع للشاعر والباحث والإعلامي اللبناني عيسى مخلوف بعد "نجمة أمام الموت أبطأت" (شعر)، و"عين السراب" (نثر)، و"الأحلام المشرقيّة" (دراسات)، و"قصص من أميركا اللاّتينيّة" (ترجمة)، وغيرها من الأعمال كما ورد في صفحة التعريف بإنتاج المؤلِّف، وكلّها للأسف لم يتسنّ لي الإطّلاع عليها. وأقول "للأسف" لأنّي ما قرأت في "رسالة إلى الأختين" جعلني أشعر بفخر وألم لا يلجمه إلاّ وجوب قراءتها في الوقت ذاته.
الإصدار الجديد للشاعر مخلوف عوالم تموت لتولد. تتلاطم لتقول تفجّرات الداخل حين الداخل يصير هو محرِّكها، هو محييها، كما كان هو مميتها. مَن يرثنا ـ ونحن الصوت والصدى ـ الحبر؟، الرسائل؟. ماذا يبقى من الرحلة في التماثيل واللّوحات والموسيقى والبحر والنوارس واللحظة التي تفلت دائماً من بين أصابعنا كالماء؟. هل حقّاً يكتب مخلوف إلى أبعاده أم يكتب مواسياً لحظات كما دفعتْها الشمس إلينا تدفعها عنّا لنعود إلى غبارنا؟. هل يكتب وهو يتطلّع إلى الأمام أم للخلف أم إلى الحاضر الذي يخاف عليه من الآتي؟. أسئلة ما أن نضبطها تقترف الجميل حتى تفلت مقترفة الأجمل: الحب.
155 صفحة من الكتابة المختلفة النبيلة المثقّفة العارفة الخائفة الرصينة المتمرّدة كأنّما لإغراء الوقت ليكون أقلّ قسوة أو كأنّما لاصطياد الوقت فيما نعرف أنّه هو الصيّاد ونحن الطريدة. كأنّما ليعبر دائماً. 155 صفحة تتواصل بالذهب، بالشعري، بالقصصي، بالحكمي، بالخروج على الذات الممتدّة بالآفاق، بالحميميّة، بالأحاسيس، بالأنثى متغلغلة في قلب الكون، في الأعماق الإنسانيّة، في الفرح والحزن، في النظرات والكهرباء والحاجة، في الجرأة على البوح، في الخروج على الأسر بعذريّة وحشيّة سحريّة تطال ولا تطال بقصد لأنْ أي رسالة آخرها لا يُنال هكذا. لأنّ أي رسالة يحلمها نورس كيف لها ألاّ تكون البحر.
في زمن مضى همس عابر بأذن عابر: صار لي في تلك البلاد أختان!. سمعتُه. قلت لروحي: صار لي أختان أيضاً!. وتأكّدتُ من ذلك لمّا أضأتُ في الليل ... ومرّرتُ إصبعي أيضاً على تلك الكفّ في صفحة الغلاف.
"رسالة إلى الأختين" بدء.

[email protected]