القاهرةمن سعد القرش: القاريء الذي عوده الاكاديميون على قراءة النقد الادبي في صورة تخلو من خشونة سيجد في هجوم أحد أساتذة الادب في مصر على الحياة الادبية العربية شيئا من الصدمة حين يفاجأ بأن ما ينشر حاليا ليس شعرا وأن نزار قباني وتلاميذه ونقاده من أسباب "التخلف الشعري." ففي مقدمة كتابه "حديث الشعر" يقول عبد اللطيف عبد الحليم أستاذ الدراسات الادبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وكأنه يلقي بيانا "أيها السادة.. نحن في مفترق طرق في كل حياتنا الادبية والفنية فالذائع الان ليس شعرا ولا فنا في أغلبه." وقال ان الشعر الحر "فيه شبهة الشعر ولكنه بين بين. ووصل الان الى طريق مسدود فيما نرى...بعد أن غدت قصيدة النثر تحاربهم (تحارب شعراء قصيدة التفعيلة) وتراهم جاهليين."
وبدأت حركة الشعر الحر في أربعينيات القرن العشرين على أيدي رواد منهم العراقيان نازك الملائكة وبدر شاكر السياب (1926 - 1964) ثم انتشرت في العالم العربي ومن روادها في مصر عبد الرحمن الشرقاوي (1920 - 1987) وصلاح عبد الصبور (1931 - 1981) وأحمد عبد المعطي حجازي وعلي أحمد باكثير (1910 - 1969) ذو الاصول اليمنية. والكتاب الذي أصدرته الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة يقع في 230 صفحة ويحتفي بجهود من يراهم المؤلف شعراء كبارا منهم السعودي عبد الله الفيصل والمصريون عبد العليم عيسى وعلي الجارم (1881 - 1949) وعباس محمود العقاد (1889 - 1964) الذي يعتبره المؤلف مظلوما في حياته وبعد وفاته. ففي رأي عبد الحليم أن الحياة الادبية خسرت كثيرا بتجاهل شاعرية العقاد "ولعل هذا الغبن جار على الشعر العربي المعاصر أكثر مما جار على العقاد فمعرفة شعره معرفة جيدة كانت حقيقة أن تنهض بالذوق الادبي في هذه الامة وأن تغيره الى الافضل."

واستهان المؤلف بقصيدة النثر التي تتصدر المشهد الشعري الان في العالم العربي ووصفها بأنها مجرد كلام نثري يهدف الى أن "يفقد الناس أهم قواعد الشعر وهو الوزن لان الكلام الاخر (قصيدة النثر) كما يقول الهجاصون (المهرجون) من نقاد زماننا مسكون بالايقاعات غير التقليدية. "تحقق تفريغ الامة من تراثها الشعري وهو عين تراثها."
وظهرت قصيدة النثر في لبنان منذ حوالي نصف قرن على أيدي رواد مجلة (شعر) ومنهم اللبنانيان يوسف الخال وأنسي الحاج والسوريان محمد الماغوط وأدونيس. وحمل الفصل المخصص للشاعر السوري نزار قباني (1923 - 1998) عنوان (شاعر الجماهير) وأشار المؤلف الى أنه "ربما لم يحظ شاعر عربي في عصر الاعلان بالشهرة التي حظي بها نزار قباني وشارك فيها نجوم التمثيل والغناء لانه عرف صناعة الشعر وعرف سياسة الشعر وقليل من يحسن سياسته. "ويمتلك نزار طاقات هائلة كما يمتلك انشادا موقعا لشعره حين ينشده في المهارج العامة مستوليا على اذان الجماهير ساعة الانشاد... أساءت هذه الشهرة الى شعر نزار حين خدمته أيضا حيث ان الشاعر لا يجمل به أن يكون صدى للناس يهدهدهم ويدغدغ مشاعرهم الساذجة بل عليه أن يطلب لهم وراء الافاق افاقا."
ومن قصيدته (رسالة من تحت الماء) توقف عبد الحليم أمام هذين البيتين.. "لو أني أعرف أن الحب خطير جدا ما أحببت / لو أني أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت."
وقال ان "مثل هذا والنثر سواء ولا ميزة له غير الوزن ولا يمنحها هذا الوزن غير جواز المرور الى ساحة الغناء. والتخوم بين شعر نزار ونثره معدومة... وحين ولج نزار عالم السياسة دق أيضا على الاوتار المشدودة لدى الجماهير فكانت صيحاته التي تدهش الناس. وصارت قصائده المغضوب عليها بتعبيره هي وجبة يومية يهادن الاذواق بها ولم تسلم من اللغة النثرية وفوضى الفكر وقد قال عن هذه الفوضى انها انعكاس للفوضى السياسية وهو تعليل غير صحيح لان الفن تنظيم للفوضى." وتوقع عبد الحليم أن ما سيبقى في ذاكرة الشعر من أعمال نزار قباني هو الجيد من شعره الموزون المقفى.