لا يمكن فصل الظواهر الفنية والثقافية عن المعطيات العامة في ذلك البلد. فالسياسة والدين والعادات والتقاليد الاجتماعية, كل هذه العوامل تلعب دورا رئيسيا في تهيئة وبلورة الحركة الفنية والثقافية. فليس من الممكن ان ينشأ فن متقدم في بلد يعيش ضروفا متخلفة. ولا غرابة ان نلاحظ تعثرا وانحطاطا في الثقافة والفن في بلداننا العربية, وهذا يبدو جليا في المؤلفات التي تطيع في عالمنا العربي وفي عدد النسخ التي تباع من كل كتاب. الاحصاءات تقول ان عدد الكتب المطبوعة من العصر العباسي حتى يومنا هذا لا تزيد عن ما تطبعه اسبانيا في سنة واحدة. واما عن الكتب المباعة من الكتاب المطبوع فاسأل احد المؤلفين العرب ليزودك بالخبر المأساوي. في مثل هذا الواقع الثقافي المتدني لا يمكن ان تتوقع نتاجا فنيا متقدما. وما مسابقات التصوير في عالمنا العربي الا انعكاسا لهذا الواقع. ساحاول هنا ان القي الضوء على بعض اشكاليات هذه المسابقات:

1- مدى كفاءة الصورة المتقدمة للمسابقة
فن التصوير ظاهرة فتية في العالم بشكل عام واكثر فتوة في عالمنا العربي الذي ما زال يلهث للحصول على التقنيات الجديدة ويقف مبهورا امامها قبل ان يدرك اسرارها.
ففي الوقت الذي يكون فيه العالم الغربي قد اجتاز مدارس عدة في فن التصوير نجد ان كثيرا من مصوري عالمنا العربي ما زالوا في المرحلة التجريبية وتكون اعمالهم اقرب الى صور الهواة منها الى صور المحترفين.

2- القوانين التي تحكم المسابقة
لقد قرأت الكثير من قوانين المسابقات العربية فوجدتها تأخذ بالقول المأثور للقائد الضرورة صدام حسين بأن القانون كلمة نحن وضعناها ونحن نحذفها متى نشاء.
فليس هناك اسس واضحة ومحددة لشروط الاشتراك ولا ضوابط لادارة المسابقة وطريقة التحكيم.

3- المحسوبية والمنسوبية
ان العلاقات العامة والمراكز السياسية والمهنية تلعب دورا كبيرا في مسار المسابقات بداية من تشكيلها حتى اعلان نتائجها. ولا يستبد بنا العجب ان يكون الفائز بالمركز الاول هو احد المنظمين او احد الشيوخ او ربما شخص لم يشترك في المسابقة اصلا. وهل هذا غريب في عالمنا الذي يفوز فيه المرشح الوحيد للرئاسة بنسبة 99,9%؟

4- كفاءة المحكمين
وهنا اعني الكفاءة المهنية في التصوير كفن وكذلك المعرفة التقنية والادارية لاساليب التحكيم وطرق تقييم الصور على الاسس المتعارف عليها دوليا. فمحكمو مثل هذه المسابقات يكونون قد دخلوا دورات تخصصية في هذا المجال. وانا اكاد اجزم ان معظم محكمي هذه المسابقات العربية يفتقر الى مثل تلك المعلومات الخاصة بالتحكيم.

5- طبيعة الوضع الاجتماعي
ان مجتمعنا ما زال يرضخ تحت تقاليد عشائرية واقطاعية وهذا يقولب الفن والثقافة في اطار المنظمومة الاخلاقية السائدة ولا ينظر اليه كنتاج ابداعي قائم بذاته. وبالتالي حتى لو شاركت في هذه المسابقات بعض الصور الجيدة فنيا ولكنها تتقاطع بشكل او بآخر مع المناخ الاجتماعي فانها ستذهب الى سلة المهملات.
وكلنا يعرف على مدى تاريخ المعرفة الانسانية ان الفن الخلاق هو محاولة جريئة لاختراق المألوف وتمرد سام على النمط السائد في الثقافة والتقاليد. وهناك صراع ازلي بين الحداثة من جهة والنمط التقليدي من جهة اخرى.
وبالقاء نظرة على المسابقات التي اقيمت في الاشهر الاخيرة نجد النقاط التي ذكرتها هي الملامح الرئيسية لتلك المسابقات. وقد يتسائل المرء عن مدى جدية هذه المسابقات ومصداقية المنظمين لها وهل هي سيلة لكسب جاه او (مجد) ام انها مجرد تسلية يقضون بها وقت فراغهم.

انا اقر بان هناك بعض الكفاءات والطاقات المتميزة في عالمنا العربي ولكن جهود اصحابها تذهب ادراج الرياح بين الغث المهيمن وبين الرقابة السياسية-الاجتماعية-الثقافية التي تأتي على كل ما تلقى وتلتهم, كما قال شاعرنا الجواهري.

مصور عراقي محترف مقيم في السويد
www.afrodite.se