حاشا أن أدير لك ظهري. أن أقول لك (وداعا)، بل سأقول إلى اللقاء دائما حتى في آخر حشرجات العمر. لن تسقطي من تقاويم حياتنا. أوراقك لن تصل إلى القاع بل ستصل إلى عشاقك.
أنت الفراشة التي تعيش على لهيب (بابا كركر) في تحنان ومحبة، لم تحرقك نيرانها التي أحرقت كل الطغاة. ترتدين قميص النار، وترجعين للمرة المليون أكثر ألقا. وللمرة المليون ستأتين وتمسحين من جبين شوارعك وأزقتك الوفية آثار الرماد، ومن جبين أبنائك ظلال الغدر.
آه يا حجارة الصبر العتيد التي هزمت شوارعها وأزقتها المنسية، كل القطط الوحشية، كي يعود العصفور الضائع إلى عشه.
كركوك، ريحانة الحزن، ينبوع التاريخ، دفتر الشعر الذي لم يكتمل بعد. مدينة النار والنور التي تسبح في ظلام دامس.إنها الحكمة في يد المجانين، باب القلب والروح، الذي سقط على أعتابه الغزاة والطغاة. يغادرها قطار الحزن، ليعود إليها من جديد في كل مرة.
مر الأسكندر من قلعتك وعاد من حيث أتى ورحل ككل الغزاة.
كنت زهرة الختمي، التي أطلت على عبوس الروح عبر التاريخ، والعربة السومرية التي تحمل على رقمها في (يورغان تپه) و (نوزي) طلاسم الشجن والحضارة والشعر والمحبة.
نصف قرن وأنت في رئتي وعيني وشراييني. تتنفسين في قصائدي، في قصصي، وفي ثرثراتي اليومية، في ليلي ونهاري، في المنام والصحوة، في الجهات الأربع، في أرق عذابات منتصف الليل، في نهاراتي التي استمرت ألف عام في أربيل، في قلقي الذي كان لاينام وأنا بلا إقامة في تركيا، في الصباحات الهادئة في سويسرا وأنا مواطن بلا وطن.. اشهد إني وفيت لك.
لم أذكرك بسوء للجبل والشجر والنهر والطير وشرطة الحدود. أغمضت عليك عيني في ليال العذابات التي انهالت فيها الصواريخ وقنابل الموت على وطني. عاداك صدام كما عاد كل ما هو شريف ونبيل في وطني. ذهب هو كالآخرين و ظللت مرفوعة الرأس، وأنت تزفين شهدائك إلى أعواد المشانق.
لم أفرط بك. هل يفرط الابن بأمه؟
لم أبعك. هل يبيع الإنسان عرضه؟
لم أخنك، أيخون إنسان تاريخه؟
أشهد انك مدينة السلام
أشهد انك الأم الرؤوم
أشهد انك الباقية رغم شهادات الزور
أشهد انك المبتسمة في ليل الأحزان.

لن يخفت غناؤنا في شوارعك ولن تذبل أصداءه، التي انطلقت في زمن ما إلى الأبدية من أعتابك، لتروي حكاية زمن لن ينقضي.
سيلتقي العشاق قبالة (القشلة) ليحكوا لـ (القلعة) معاناة (القورية)، في هدوء الليل رغم عواصف الحزن وغدر بنادق اللصوص.
أقسم عشاقك أن لا يصمتوا. ففي ربيع ما، سيشهق في أعطافك صوت التاريخ، ويهرب الغزاة من كهف إلى كهف. وتظلين أنت تحملين أشلاء الحدائق، وتلقين بقبلة دافئة على جبين كل يتيم.
أخيط لأعراسك ثوبا جديدا وأنام تحت عباءتك التي تسع لكل الحزانى، في انتظار النهار الذي طال انتظار وطني له طويلا.