القاهرةمن سعد القرش:في مقدمة كتابه "التصوف الاسلامي" يعيد مستشرق سويدي الاعتبار الى أحد أبرز المتصوفين المسلمين وهو الحسين بن منصور الحلاج الذي صلب في العاصمة العراقية بغداد منذ حوالي 1083 عاما. ويقول تور اندريه في مقدمة الكتاب ان الحلاج اتهم بادعاء الالوهية والقدرة على خلق المعجزات ورغم اعلانه براءته مما نسب اليه من آراء "كان الحكم عليه أمرا مقضيا قبل أن تجتمع المحكمة...وجلد بالسوط ثم قطعت يداه ورجلاه وبعد ذلك صلب على خشبة وترك معلقا يومين حتى حز رأسه." وأضاف في الكتاب الذي ترجمه الى العربية في الاونة الاخيرة الكاتب العراقي المقيم في ألمانيا عدنان عباس علي أن الحلاج الذي صلب يوم 26 مارس اذار عام 922 ميلادية "لم يأبه بمصيره المحتوم على ما يبدو. "نال هذا الحدث المأساوي بعد ما يقرب من ألف عام خاتمة جديرة بالملاحظة والاعتبار فقد توجهت الى الشهيد الصوفي أنظار المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون (1883 - 1962) بحيث بدا وكأنه يبعث من جديد." وذكر أن ماسينيون جمع من "كل مكتبات أوروبا والشرق الاوسط كل كلمة قيلت عنه مقتفيا أثر بطله في ما يزيد على 2000 بحث من الشرق والغرب ليكتب بعد هذا تاريخه فكانت الحصيلة عملا جبارا مدهشا يشتمل على 900 صفحة تسلط الضوء على حياة هذا الصوفي المسلم. "والنتيجة التي انتهى اليها المؤلف (ماسينيون) هي أن الحلاج ثمرة التصوف الاسلامي وأنه فاق الكل من حيث عمق فكرته وندرة جرأته وحرارة ورعه وصدق تقواه."

وقال اندريه ان الحلاج كان "واحدا من العظام ذوي الطاقات الفكرية الاستثنائية. انه علامة مضيئة في تاريخ التصوف الاسلامي فمنه بدأ الطريق الذي سلكه التصوف الاشراقي والذي ارتبط باسم المفكر الكبير ابن عربي (حوالي 1164 - 1240 ميلادية) صاحب المؤلفات ذات الاهمية الخاصة المتميزة بالنسبة للباحثين في تاريخ الاديان فاليها يرجع الفضل في حفظ ونقل الكثير من أفكار التصوف الاغريقي." وهو يرى أن التصوف الاسلامي بلغ ذروته على أيدي من اعتبرهم المؤسسين الاوائل خلال 150 عاما بداية من عام 750 ميلادية. وأضاف أنه تحمس لدراسة اثار المتصوفين المسلمين الذين "أسروا خيالي منذ اللحظة الاولى التي تعرفت فيها عليهم. أحاول أن أعيد الحياة الى عالم روحي اندثر تحت أنقاض السنين في وقت أصبحت فيه اثارة الاهتمام بالمسائل الدينية أمرا صعبا."

والكتاب الذي صدرت طبعته الاولى عام 1947 يترجم الى العربية لاول مرة. واستعرض المؤلف علاقة عدد من المتصوفين المسلمين بالزهد والحياة والمجتمع والذات الالهية حيث كان بعضهم "يخاطبون الله تعالى بجرأة رافعين بذلك الكلفة بينهم وبينه جل شأنه." كما خصص فصلا عنوانه (التصوف والمسيحية) أشار فيه الى أن التصوف نما "على أرض الاسلام بصفته روحا من روحه وكلمة من كلمته...توافر المؤمنون على قرانهم ولم يكونوا بحاجة لكتب النصارى الا أن هذا لا يعني طبعا أن عرى الاحتكاك كانت قد انفصمت فالفتح العربي عامل السكان المسيحيين برفق كبير في البلدان المفتوحة ولم يكن هناك أي شيء يمكن أن يثير شكوى الكنائس المسيحية."
وذكر أن المسلمين والمسيحيين عاشوا زمنا طويلا في سلام مشيرا الى أن الفاتحين كانوا في باديء الامر "غير متمدنين وكان لزاما عليهم أن يتعلموا خطوة خطوة من النصارى لتثبيت أقدامهم في مناطق نفوذهم الجديدة ولادارة شؤون هذه المناطق. انه لامر طبيعي أن يتعرفوا على ديانة هذه البلدان."
وأشار الى أن المسلمين لم يكونوا بحاجة الى ارشاد فيما يتعلق بعقيدتهم وشعائرهم فعندهم "كتاب الاسلام المقدس وسنة الرسول ولكن بالنسبة الى تعلم طرق الحياة الزهدية ليس ثمة شك في أن ارشادات الرهبان كانت أحيانا أمرا نافعا فمالك بن دينار لا يأنف من أن يتعلم من الرهبان النصارى وان كان هو نفسه يسمى راهب العرب."
وأضاف ان "الحالة المثالية التي ساد فيها تبادل الخبرات الفكرية القائمة على الثقة والطمأنينة بين النصارى والمسلمين كانت من ميزات القرنين الاولين في تاريخ الاسلام."
وقال المترجم العراقي في مقدمة الطبعة العربية التي صدرت عن دار الجمل في ألمانيا وتقع في 248 صفحة ان المؤلف "وهو نفسه أب كنسي يؤمن بالوحي استطاع أن يبتعد عن النعرة العلمية التي تتمسح بها غالبية المستشرقين عند دراسة الفكر الاسلامي والقائمة على ميلهم لاتباع مناهج وطرق مادية هادفين من ذلك الى القول بأن القران الكريم هو حصيلة الابداع الشخصي للرسول الكريم." لكن علي في الوقت نفسه أشار الى أن المستشرق السويدي الذي وصفه بأنه أحد أعلام المتخصصين في تاريخ الاديان والسيكولوجية الدينية لم يتعامل مع الاسلام "كدين نشأ من مصدر هو الوحي الالهي بل رأى فيه فرعا من فروع المسيحية."
وقال المترجم "وعلى ما نرى ما جاء الاسلام لكي يفند أو ينقض هذه الديانة أو تلك انما جاء لكي يتم الله به رسالته التي بدأت بالديانات السماوية الاخرى ومن هنا فان أوجه الشبه بين الاسلام والمسيحية في بعض الجوانب ظاهرة بديهية... هناك تطابق (بين الديانتين) في هذا الجانب أو ذاك."
وتساءل علي عما اذا "كنا نحن العرب بحاجة الى الادبيات الصوفية في ظرفنا المتردي.. ونحن نعيش في عصر غدا فيه البعض يرى في كل أقوال السلف بلسما يشفي من الجراح التي أثخنت جسم الامة وعصفت بروحها." وذكر أن التراث العربي مثل تراث أية أمة ينطوي على جوانب سلبية وأخرى ايجابية. وصدر للمترجم في سلسلة (عالم المعرفة) بالكويت في السنوات الماضية كتابان مترجمان هما (فخ العولمة..الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية) لمؤلفيه الالمانيين هانز بيتر-مارتن وهارالد شومان و(جوته والعالم العربي) للمستشرقة الالمانية كاتارينا مومزن.