إلى: صالح amp; دينيكا

إهبطْ

عميقاً .. عميقاً

لامس القعرَ بقدميكَ

ثـمّ عـدْ إلينا
نكافئـْكَ بالغفران
أو نعاقبـْكَ بالشفقة
لا تخبرْنا عمـّا رأيتَ
سنقولُ:
هبطَ ..
عميقاً .. عميقاً
لامسَ القعرَ بقدميهِ
ثـمّ عادَ إلينا
.... لم يــَرَ شيئاً!

***

هل كنتُ عارياً بالفعل
أم هي الخمرةُ؟
هل تطلّعتُ في مرآةٍ
أم هي عيونُ الغرباءِ؟
........
الغرباءُ ..
حسبتُ عيونهم مرآةً
فتعرّيتُ
وقفتُ..
وليس معي سوى
هواءِ الكهوفِ الباردِ
سوى خطوطٍ غامضةٍ
تشيرُ إلى نبوءةٍ غامضة
وقفتُ ..
مثل أعمى يتلمّسُ المرآةَ بعصاه
أريدُ أن أدخلَ المرآةَ
وأغلقَها كقوقعةِ المحار

***

هناكَ أيضاً
حين هبطتُ في بئرٍ قديمةٍ
كنتُ دفنتُ فيها ضحيـّتي
التمعتْ عيونُ الغرباءِ
مثلَ عملةٍ قديمةٍ
تفضحُ صاحبها في السوق
مثل خاتمٍ ذهبيٍّ
يسقطُ من جيب اللصِّ
عيونُ الغرباءِ التمعتْ
فأفسدتْ عتمةَ البئرِ القديمة
طمأنتُ نفسي:
مازالَ القعرُ بعيداً
ومعتماً بما يكفي
ضحيـّتي ترقدُ هناكَ
في الأسفلِ
لا خوفَ عليها
من التماعةٍ عابرةٍ
في عيونِ الغرباء

***

بعيداً عن هواءِ الكهوفِ الباردِ
فقدتُ لساني
أخبرتُـكمْ في قصيدةٍ سابقةٍ
كيف تخلّيتُ، بمحضِ إرادتي
عن أعضاءَ كثيرةٍ
وتنبـّأتُ آنذاك
بأنّ اللصوصَ سيكملون المهمـّة!
......
اللصوص...
كيفَ أسمّيهم الآن
وقد فقدتُ لساني؟
كيفَ أشيرُ إليهمْ
وأصابعي شلّها البرقُ؟
اللصوص...
كيف أميّزُهم
ولا ضوءَ سوى التماعةٍ عابرة
في عيون الغرباء؟

***

لن أضحكَ بعدَ الآن
لن أبكي..
لنْ أرفعَ الصخرةَ
لن أدعَها تتدحرجُ
......
واقفاً على السفح
الصخرةُ تبدو أثقلَ
الهاويةُ أعمقَ
القمةُ أبعدَ
فليكنْ..!
سأحتملُ هذا كلَّه
لأظلَّ هكذا
واقفاً على السفحِ
مستمتعاً
بقدرتي على خداع الآلهة!

***

إهبطْ عميقاً.. عميقاً
إصعدْ عالياً.. عالياً
إذهبْ بعيداً.. بعيداً
قفْ ، إنْ شـئتَ، على السّـفحِ
ثمّ عدْ إلينا
نكافئْكَ بالغفرانِ
أو نعاقبْكَ بالشفقة
لا تخبرْنا عمـّا رأيتَ
سنقول:
هبطَ عميقاً.. عميقاً
صعدَ عالياً.. عالياً
ذهبَ بعيداً.. بعيداً
وقفَ على السّـفحِ
ثمّ عادَ إلينا
.... لم يـَرَ شيئاً!

أمستردام، 2004