* مهداة إلى س. ق.

* القصيدة: "مدامنة البكاء"، لن تدخل في ديوان الشعر العربي لتحل على فهارس البكائيات، إنها ليست ببكائية نعلق بها أحلاما على نوافذ المجهول. "هي" وعاء الغضب والسخط الذي "نشرب"، إنها التوغل في المعاناة لتفتح بتواضع بعض شرايين الحياة.. وأشهد أن كان المحرض الأول د. "سعـد البغدادي"* الحاضر بقوة في بتلاتها الملونة، خاصة بعد صدق المحاولات، ودفء الكلمات التي أوجدها في قصيدتيه: "صَمْتَ الخَوْف"، و"هَمْسُ الفَراشَات". حكايته مع بغداد التي تمتدّ بين بداية المنفى وحياة الاستقرار التي "نزعم" من خلالها أننا سنفتح أبواب الزمان.

أيها العراق النائم في كهف الطغاة
كلنا شركاء..
وفي مذابح "الحرية" كلنا لقطاء
إننا نقر بصمت الخائفين المتعبين
بأن لا أهل لنا
لا أصدقاء،
ومتروكون لإله من شمع وماء.
كلنا شركاء..
وفي نحرك، إننا لمهوسون حتى الغباء
فقل أيها العراق النزيف
من الذين يغتصبون صباحاتك في ألق النهار؟!
سجل، للأتين من بعدنا، بأنك قد عرفتهم
قد عرفت زمانهم /
بالأرقام.. بالعناوين، وبالأسماء..
ألا سائل زمانك لمن
تخلع
المدن
ثيابها بحق السماء؟!
*** *** *** *** ***
لبغداد، كناري يصفر بلون الموت
وجدول..
ينهرق من وجع الحكايات،
ومسيح بلون الأموات،
ولست أعرف لماذا تركتني أمي؟!
وإخوتي..
في سباتهم لماذا ينامون،
وتنهشهم رسائل المسيح السحرية،
وما تبقى من الحب والبلح
المحلى
بموتنا
اليومي؟!

*** *** *** *** ***

لبغداد، كناري يصفر في الريح،
وإله في العناية الفائقة المركزة
نتضرع له كيما يموت في الزمن المؤقت،
كيما يكتب
أخر العملاء العائدين لعراق ميعادهم
تأريخ بلادي
ويلجم بالدم والنار رندوحة أختي،
أو بكارة بغداد..
والذي تبقى من خبب الله في واحاتنا،
يتلى على بغداد في عشائها السري.

*** *** *** *** ***

لبغداد، كناري يصفر بلون الموت،
وإله من شمع وماء،
وأم ثكلى.. من موت تأخر صدفة
تقرأ لتوها
أسماء أطفال أضحوا في سيرة الموت المؤجل،
وتصغي "لحوار العين والدمعة الحزينة".
.. "وسعـد"*!!
"سعـد*"، تغتاله بنادق الغزاة
في مساجد "الفلوجة" / عاريا من وجه الله
لقد قتلوا الله من قبله
وما "سعـد"
إلا
"زنبقة ظلت طريقها" ذات مساء.
أيها البغدادي.. رفقا
لا تقف مرتعدا
لا تظل طريقا لك نحو الفرات
أو نحو الحياة.. سيان يا صاحبي،
تشظى في ماء الصباح،
في بحة المخمل.. في هسيس صوتك،
واقرأ
تعويذة الجرح النازف في ألمك الجميل.

*** *** *** *** ***

أيها البغدادي.. يا صاحبي
جميل.. أن تقرع باب الدمع الذي لا ينتهي
وألا تصهل على إخوة لك
ولدتهم أمك منذ زمن
هاتفا على صفحات البكاء:
إن أمي كانت عاقرا
إن أمي كانت عاقرا
لم تنجب قط يوما،
.. و"ما همني إن كان لي إسم..
إن كان لي إخوة؟!..
فأنا لم أجد غيري تفرد بالبكاء أو بالغناء،
شاهرا للريح سيفي..
للنشيد المستباح".

*** *** *** *** ***

.. لبغداد، كناري يصفر في الريح،
سجنه كبير كبير،
وملاذ "سعـد"
عراق لا تعشقه القطط الرقطاء
فوق ضريح الأسئلة السوداء /
كان "سعـد" عاريا من وجه الله،
وما "سعد" إلا "زنبقة ظلت طريقها" ذات مساء
يناجي الرافدين – الجناحين،
هاتفا إلى أبد مستحيل ممكن:
.. "شَقِيقَةَ الرُّوحِ لا تَقُولِي وَدَاعا
فَبَيْنَ هَجْرِكِ وَفِرَاقِ بَغْدَادْ
لا خَيَارَ لِي
سِوَى مُدَامَنَةِ البُكَاءْ".


أوتاوا، كندا. في 22/01/2005