السينما الفرنسية حوار المشاعــر الارحب


كانت تفرد السينما الفرنسية من النشوء والى الان، في القيم الصادرة عن الصورة الحدث، انها الصورة السينمائية والمرسلة شفاهيا، دون اي اقتران او تصاهر مع هوية الفاعل، وهو الرمز السيمائي وهو الامر الذي يؤكد الموضوعة القائلة من ان السينما الفرنسية، هي شاشة السكينة، وحينما ســأل المبدع الن ديلون إيف مونتام عن الضرورة في الاطار الخلفي لصوت الحدث وذلك في حوار عن فلم الغجري لديلون، وكان يقصد بــ ذلك الموسيقى المرافقة، كانت الاجابة انها الجسر بل الرابطة الاكثر بقاءً ولعل الفلم المقدم "معلمة البيانو" والمأخوذ عن الرواية الفائزة بجائزة نوبل للعام 2004 هي الاكثر صخبا وترديدا ، ذلك ان موضوعة الجنس ، كبناء هرمي إنساني قابل للشيخوخة والتمارض والتدهور والصورة علينا ايضا ، وهو الذي جعل من تلك المعلمة، إنموذجا للإنهيار الانساني والاخلاقي ، وكل ذلك يحدث، داخل بنية الموسيقى الاصل هنا، ولسيت المؤثــر، معلمة في الثلاثينات من عمرها، جادة ومبدعة، لكنها مهجورة الآخر وتحيــا ليال بجانب انين وسعال ام مهيمنة، انها اللا شفقة في ان لا تكون ولا توجد هناك، فالجنس هو خطاب الكينونة الاكثر تأصيــلا ، وعلى الضد من دفق وتصورات الحواس ، لدى امرأة تبصر شوبان وموزارت وبيتهوفن واخرين .... ، كما تبصر وجهها البائس وملاحمها الانثوية المطفأة في المــرآة كل صباح ، فهي لا تمارس ، و لا تمس ايا من قيم وتوليفات الجمال الانساني في الاتصال الانساني ولو في ابسط تجلياته ، وصولا الى ما ارتأته قريحة الروائية البولونية Elfriede Jelinek الفريد جلنيك حيث تنظر المــرأة الى ذاتها وعبر ممارسات اخرين، وعبر حقدها الدفين على المتدرب الاكثر مهارة من بين تلاميذها وهو الوحيد الذي استدرجته مرارا ، لتوبخ عزوفه اليها، ورامية اياه بسهام ساديتها الهائجة ولتطلب منه، في رسالة بلاغية مرهفة ، ممارية جنسية دموية ، يطلق عليها وثنية الجنس Fetish وإحالة الحوار الحسي بينها الى الدمــار الذي بدأ يتأسس بديلا عن معمارية الرنو والخلود الى بهجة ترديدات بيانــو اللامع باخ، وهي تنتهي الى مقاضاة الجيل المتعلم على يديها نكابة بالعالم الاخر، ورمـــزا ادبيا هنا للتعويض عن الايذاء والتهديم الداخلي، وخطوة تجاه وهن العاطفة الانسانية وتحولها التدريجي الى العدم - الوحدة - الذي يتركها في وحدة اشق، ومــرارة لا تستجمع، وهو امر غدت تدجنه البطلة ضمن مونولوج الارق الليلي، دم الحيض يخـــر على قدميها، كشلال خصوبة انثوية مؤجلة اللمس، وهي لا تنتبه البتة !!
انه وله الجنس وهو ينطفئ، ويغدو اثما عبر رمز ذلك التلصص الحميمي على عاشقين في سيارة مغلقة، وهي تحاول التماهي والاندماج مع ذروتهم الهادرة، ومن الخارج الذي هو قدرها ونفيها الى حيث بيئتها القاحلة. لا يقدم الفلم ولا الروائية حــــلا او او اي بدائل للتجسيد الامثل لقيم الصراعات والانتهاكات الخلقية والاخلاقية ، إلا في سجالات المغرور تلميذها الامثل، وقوله الساذج: انت مريضة، وهو يقصد شاذة، وبحاجة الى عناية عاجلة.

أما في الفصل الحديث من فرنســا الهجرة والعرب والامنيات، فـــنرى العملاق عمر الشريف، وهو يطل بوجهه العربي من دكانته المزدحمة في احدى الازقــة الفرنسية، وهو يجسد صورة النضال الانساني في الفلم الفرنسي اللغة والملامح - منصور إبراهيم، والمدخل الاروع للحديث الروحي الى فتـــاه الصغير: لا لست عربيا.

يبدأ الفلم بهواجس فتى في السادسة عشرة من عمره، وهو يلاحق مومسات الحي الفرنسي الشعبي ،تعويضا عن الغياب الكبير لامه، ونايا عن سلطة الاب الهامل ، حيث يتحول عمر الشريف الغريب المهاجر في الحي وعطاره الطيب والمتسامح والاقدم، الى مــلاذ ومصدر الهام ، لذلك الفتى القلق، ومنه الى التعريج الى حوار مختصر ومقتضب عن فلسفة الاديان وخطاب القرآن، وقدرة الاطهار من البشر على رؤية الاشرار الذين يقتلون ويسرقون، وإذا بــــمنصور إبراهيم وهو ، يتبنى ذلك الفتى الفرنسي ، بعد هجران ابيه له ايضا، وليتخذ منه ابا روحيا وعائليا ، في آن واحد ، وحيث الرحلة الى والشرق وتـــركيا، مسقط رأسه منصور إبراهيم ، قبل الهجرة وحادث الممات هناك ، لتحول الفتى الفرنسي، الى منصور عربي اخر غربي الشكل، شرقي النظرة، ويمارس ذات الفضيلة وطيبة القلب، مع سراق المعلبات الصغار، وهو يرطن بالفرنسية المهجنة، انا لست عربيا كما تظن. انه الحدس الغريب، في الغرباء الذين يفترشون ارضنا وبلادنا ، غرباء في الشكل واللغة والهوية ولكنهم بشر وانسانيون ذات ألفة ايضا، وهكذا سنمضي معهم، طيعين في سجالات الحياة والموت، في لغة جديدة ، هي لغة النقاء والتواصل، فها قد وجدوا ما فقدوه في اوطانهم وبلدانهم الام، انها انسانيتهم، وها هم صورة لنقد المجتمع الاخر، معهم قد وجدنا ما فقدناه نحن ايضا ، مع اناسنا بالتصاهر انسانيا معهم ، انه مشهد حميم للحزن الجميل، على اب تمنحه ارض الغرباء ، لا ارض الولادة والاصل واللغة النشوء .

اما الحسناء جولي بينوشيه ، فهي تجسد إيقاعا أبديا للكدر الانساني بين يدي المخرج البولندي كريستوف كيسلوفسكي في فلمه "BLEU ،الازرق السماوي، وعن مسرحية لذات المخرج والكاتب، وذلك السؤدد الموسيقى ثانية ، للمؤلف الراحل والارملة التي ترتأي الانتقام من خيانته الزوجية ، في تدمير تراث زوجها ، وعزوفها عن اكمال نشيد الالم والعاطفة الانسانية، المعزوفة الاخيرة، وإذ يرى النقاد طوباوية المعالجة الحسية في الفلم ، فإنهم ينوهون في الوقت ذاته الى الجدلية الكبرى ، التي يقيمها المخرج لما بين صراعات وعلائق عدة، لمعدمين وصعاليك ومنسيون ، يطرأون على مساحة العرض، وذلك في الربط الخلاق لما بين الارادة والانتقام والحزن والتواصل ، وذلك الهدوء والتحول التدريجي لدى الرمز الاول الارملة المبدعة ، وعودتها الى عشيقة الزوج لتهب لها ولجنين زوجها منها ، كل ما تركه خائنها والى دون رجعه، ولتكتفي هي بالتواصل مع نهج اللغة الاجل ، موسيقى الراحل ، للخوض في رمزية ومعاني الفضيلة ، عوضا عن فصل الحياة الضائع مع ذاتها ومع التشويق ، في نظرات القوة لدى ارملة تخسر الحب والزوج والوفاء وطفلتها الوحيدة.

[email protected]