يقول الناقد الأدبي والثقافي الامريكي "بول فوسل" عن الممثلين والممثلات في هوليود بصراحة جارحة: "إنهم كسالى، جهلة، أو أُميّون في الغالب". وبالتأكيد هناك العديد من النجوم وممتهني حرفة التمثيل لا تنطبق عليهم مثل هذه الأقوال. إلاّ ان الكثير من الكتّاب والنقاد السينمائيين في أمريكا، يجدون راحة كبيرة وعزاء في عبارة فوسل شبه العمومية، عندما يتابعون بعض النتاجات السينمائية لبعض من أفضل الممثلين والممثلات. فكل من شاهد أفلام الممثل الكبير (كيفن سبيسي) الأخيرة : " إدفع مقدماً" أو " أخبار السفن " أو " K-Pax " يُصدم تماماً، كما لو ان سبيسي - بأدواره التي لا تُنسى في أفلام مثل : "الجمال الأمريكي" ، "المشبوهون المعتادون"، و"الخطايا السبعة Seven " - قد تخلى تماماً عن جمهوره او بالأحرى تخلّى عن صورته السينمائية image لدى جمهوره. لقد تعرّضت الأفلام المشار إليها في بداية المقال، إلى حملات نقدية شرسة وسوء فهم متزايد، بسبب حبكتها الأخلاقية الساذجة والميلودرامية أحياناً، بالرغم من امتلائها بالنجوم من أمثال: (هالي جويل أوسمنت)، (هيلين هنت، (جودي دينش)، ( جوليان مُور)، ( جيف بريدجز).نفس الشيء ينطبق على واحد من أبرز الممثلين في عصرنا، ونقصد النجم الكبير (روبيرت دي نيرو) في أفلامه الأخيرة ذات الطابع الكوميدي : "مقابلة الأهل"، "وقت الاستعراض"، "حلِّل هذا"، "حلِّل ذاك" - وربما قريباً: حلِّل هؤلاء!
ان معظم النقاد يسامحون الفنانين الآخرين الذين يعملون في هذه الأفلام الى جوار (دي نيرو)، فبقدر ما كانت أدوار (دي نيرو) مخيّبة، بتنميطها المتطرف والكاريكاتيري لنموذج تسلّطي او عصّابي أحياناً، كانت أدوار (بين ستيللر)، (إيدي مورفي)، و(بيلي كريستال) ممتازة في هذه الأفلام، وتستفيد كثيراً من حضور دي نيرو المركزي "السيء". لكن النقّاد يلقون باللائمة على دي نيرو، الذي ربما أغراه وكيله الفني Agent للعمل في هذه المشاريع، وكذلك الحال بالنسبة لسبيسي، اوغيره من الممثلين الكبار.
لكن نظرة متأنية للموضوع، تكشف بأن أحاسيس الغدر او الخيانة التي شعر بها محبو وعشاق كل من (سبيسي) او (دي نيرو) ليس مصدرها الوحيد فشل هؤلاء النجوم في أداء أدوارهم في هذه الأفلام او فشل هذه الأفلام … بل الإسقاطات الشخصية لهؤلاء المعجبين، نتيجة نشاط عقلي مختل مبني على مظاهر خدّاعة : إذ يترسّخ في الذهن اعتقاد جازم بأن الممثل الرائع يجب ان يكون - على الدوام - رائعاً وذكياً وحكيماً في قراراته، وذلك : " … لأنه كان رائعاً في ذلك الدور، او في ذلك الفلم…". وعادةً ما يقع المشاهدون فريسة لاعتقادات وأوهام من هذا النوع نتيجة لمشاعر الإعجاب والتماهي مع نجوم السينما في أدوارهم المختلفة على الشاشة، لكن العديد من النقاد أيضاً ليسوا بعيدين عن مثل هذه التأثيرات؛ ونعني اختلاط وتشوّش الصور الذهنية والانطباعات، مما قد يبعد هؤلاء النقاد عن الموضوعية في أحكامهم وتحليلاتهم.
والحقيقة، إن إسباغ الثقة المطلقة على ممثل ما – او ممثلة – أمر غير مجدي او مخيب للآمال في معظم الاحيان. فكل من شاهد الممثل الرائع (جين هاكمان) في فلم " البدلاء " يُفاجأ برداءة الفلم، وكذلك بالأداء السيئ لهاكمان في الفلم. المشكلة ان هناك العديد من النقاد - بالإضافة الى ملايين من المشاهدين - ممن هم أسرى حقيقيين او واقعين بالكامل تحت تأثير هاكمان - او غيره من النجوم، وهم جميعاً مستعدون للدفاع عن أي عمل يقوم به هاكمان - او غيره - بطريقة دوغمائية تنبئ عن جهل ومحدودية في الثقافة. بالتأكيد ان هاكمان ممتاز في العديد من الافلام الرائعة، مثل فلم "غير المغفور له" ، و"الاتصال الفرنسي" وغيرها من الأفلام، لكن العديد من أدواره الأخرى تستحق المساءلة. هناك نجم آخر يثير الحيرة والتساؤلات، ونقصد النجم الشاب (شون بين)، فهو ابن لواحد من اهم مخرجي هوليود (آرثر بين)، كما انه يعمل في السينما منذ مراهقته وفي العديد من الافلام المتميزة تحت إدارة كبار مخرجي هوليود، ومع هذا نراه في عمل ضعيف هو فلم "فوق في الفيلا". وربما اشترك في الفلم، لأن النص يبدو جيداً على الورق او لأن الفلم يتم تصويره في إيطاليا، بعيداً عن الأجواء الأمريكية المعتادة – لحسن الحظ فان أدواره الأخيرة كانت رائعة جدا، أهّلته لنيل الأوسكار عن جدارة.
وبالتأكيد فان الفنان المعني وحده، وفي لحظة صدق، يستطيع ان يكشف للناس ما الذي يجذبه للعمل في فلم قد يسيء لمكانته الفنية او يثير التساؤلات حول ذكائه او حكمته في اختيار الأدوار او اختيار الافلام. لقد فوجئتُ – والكثيرين – بمشاهدة الفنان الرائع "روبرت دوفال" في فلم "اليوم السادس"، وهذا الفلم من أسوأ أفلام آرنولد شوارزنيغر، وقد خذله الجمهور وشباك التذاكر في آن واحد، حتى تساءل بعض النقاد في امريكا: "هل يحاول دوفال إنقاذ الفلم، ام إعطائه جدية او مصداقية ما؟" … لكن من ينسى (دوفال) في "الأب الروحي"، "الرؤيا الآن"، "السقوط" وغيرها.

شخصياً، فان نجمي المفضّل الذي يخذلني دائماً - وكذلك الملايين من المشاهدين - هو (كيفن كوستنر)، الممثل الرائع في أفلام مثل "الرقص مع الذئاب"، "حقل الأحلام"، "ثلاثة عشر يوماً"، و" جَيْ. إفْ. كَيْ"… ولا أريد ان أذكر هنا مجموعة أفلامه الأخرى المخيبة للآمال من أمثال : "عالم المياه"،"ساعي البريد"، و" ثلاثة آلاف ميل الى غريس لاند" وغيرها. وقبل دي نيرو وسبيسي و كوستنر وهاكمان، حمل الخيبة للمشاهدين والنقّاد أعظم ممثل سينمائي عرفه القرن العشرين، ونقصد الملك (مارلون براندو). فالى جانب العديد من الأدوار التي لا تُنسى أبداً، هناك العديد من الأعمال التي لا تليق ابدا بالملك. في مقاله الرائع "العاطفي" في ملحق النهار عن براندو الملك، ينتحب الناقد "محمد سويد" بسبب العديد من أدوار براندو في أفلام غير لائقة، بل يحاول استبعاد هذه الأفلام والأدوار من تاريخ براندو السينمائي. وللحق، وللتأريخ، فان رجلاً صادقاً مع نفسه، صعب المراس، مثل براندو، لم يكن مضطراً او مدفوعا من وكيله الفني او طالباً للمزيد من الأموال من خلال عمله في تلك الأفلام .... لكنه كان يحتقر هوليوود ووجاهاتها وقيمها "الفنية" والجمالية الخاضعة لرؤوس الأموال ولمزاجات بعض الأفراد، الذين حوّلوا السينما من فن رفيع الى "صناعة" او "تجارة" !
لكن ماذا بالنسبة للسينما العربية؟ بالتأكيد هناك العشرات من حالات المظاهر الخدّاعة وخيبات الأمل التي نصادفها مع نجومنا ونجماتنا المحبوبين، ومع هذا فان خيباتنا مع صنّاع السينما الكبار في العالم العربي أقسى بكثير مما مع الممثلين. كم سبّب لنا يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح وأحمد بدرخان وسعيد مرزوق وغيرهم من مخرجي تلك الأوقات "الذهبية"… كم سببوا لنا من صدمات وخيبات في تنفيذهم لأعمالهم باستعجال وارتجالية، وبما كان يسودها من فوضى وتشوّش في الرؤيا، وغياب لأبسط المقومات الحرفية والتنفيذية أحياناً. ومهما كان يحاول الإعلام والإعلاميون تغطية هذه الثغرات او العيوب، فانهم لم ولن يغطوا أبداً الجرح او الخدش في قلوب محبي وعشاق السينما.
وعند التأمل والتمعن في كل هذه الحقائق والملاحظات السابقة، ربما سنجد ان ملاحظة الناقد فوسل : "الممثلين والممثلات، كسالى وجهلة الى حد كبير" … تبدو صحيحة او معقولة لحد ما، ليس في هوليود، لكن في معظم العواصم السينمائية في العالم. ان المرء يحب الممثلين - والممثلات - عندما يكونون جيدين فعلاً، في أدوار رائعة، وفي أفلام ممتازة او متفوقة، لكن لا يجب ان يصل الأمر الى حد الإيمان بأي ممثل او ممثلة مهما كانوا عظماء، او بناءً على تاريخهم الفني او انجازاتهم السابقة.

انّ هذا مهم وأساسي جداً، ليس فقط للناقد السينمائي او المختص، لكن لكل مشاهد ناضج او مثقف.