مازن الراويمن برلين: يعرض الآن في برلين وفي كوبا الفيلم الوثائقي " كوماندانتا " أحدث أفلام المخرج الامريكي أوليفر ستون. وكان ممولو الفيلم قد رفضوا عرضه حتى الآن في الولايات المتحدة الامريكية بسبب "حقد وكراهية اللوبي السياسي" لكاسترو، كما يوضح ستون الذي التقى كاسترو وقدم عنه فيلما وثائقياً. ويعتبر المخرج ستون من أهم صانعي الأفلام التاريخية والوثائقية، يثير جدلا واسعا في تناول موضوعاته الحساسة، كما حدث في توثيقه مع ياسر عرفات وفيدل كاسترو. وقد أثار فيلمه عن كندي وعن نيكسون ضجة كبيرة لتقديمه تاريخ امريكا المعاصرة من وجهة نقدية خالية من البطولة على عكس الافلام الامريكية التقليدية.
عمل اوليفر ستون على سفن تجارية في الباسيفك وجنوب شرق آسيا، وجرح مرتين في الحرب الفياتنامية، حاز على ميدالية الشجاعة. رُشِح فيلمه ( جَي اف كي ) و ( ولدو قتلة ) 11 مرة لجائزة الاوسكار ثم حاز عليها لفلمه ( اكسبريس منتصف الليل ) و ( ولد في 4 يولي ) و ( بلاتون ).
ويعرض الآن أيضاً في برلين فيلمه التاريخي الآحدث ( ألكسندر ) وهو الفيلم الخامس عشر الذي يناول فيه التاريخ من زاوية خاصة. ويعلق ستون على الفيلم قائلاً : أن الازمات والحوادث والحرب التي دارت قبل 3000 عام تتقارب بدهشة شديدة مع ما يحدث الآن في أمريكا، ويعتقد أن أمريكا هي روما الجديدة.
وبهذه المناسبة أجرت معه باربره نولتا اللقاء التالي :


ـ* سيد ستون ستبدأ في السبوع القادم بشكل رسمي الولاية الثانيو لجورج بوش ( اجري اللقاء في 11 / 1 ). هناك انطباع في أوربا بأن نقاده صمتوا بعد فوزه للمرة الثانية.

ـ أجل كل شيء هادئ الآن، لكنه ربما هدوء يسبق العاصفة. في الحقيقة تفتقد الولايات المتحدة الأمريكية ثقافة الحوار. أجهزة الاعلام تقدم موضوعاتها ومعلوماتها وفق ما يلائم الظرف، تنفخ في المعلومات وتضخمها، تعرض قصص الجرائم والقتل معتبرتاً إياها أشد أهمية من موضوعات السياسية الدولية.

*أنت تعتبر من أشد منتقدي بوش، لكنك تنحيت جانباً في الحملة الانتخابية.

ـ في الواقع قلما أمضيت في السنوات الثلاث الاخيرة مدة طويلة في الولايات المتحدة الأمريكية. قضيت كل وقتي تقريباً في غرفة ما في فنادق العالم، في بانكوك و الدار البيضاء وفي باريس. صورت هناك وعملت في فيلمي " الكسندر". كنت التقي زوجتي وطفلي الصغير مرات قليلة في لوس أنجلس. عدت في الخريف لأقدم عملي " الكسندر " ولكن ما أغاضني حقا هو تركيز أجهزة الاعلام على العلاقة المثلية بين الكسندر وهيفايستون دون التركيز والاهتمام بجوهر الفيلم. بل أن صحيفة مسيحية وجهت نقدها اللاذع على مقاطع مجتزأة للعلاقة الحبية لتستنتج بأنها تحرض وتقود الشباب اليافع إلى المثلية. هذا الجو العاطفي والنفسي السائد قد يوضح الأمر، كيف كانت الاجواء قبل الولاية الثانية لبوش.

*في أفلامك عن جون كندي ونيكسون وولادة في 4 يوليو حققت تاريخ أمريكا بواسطة السينما، أما فيلمك الجديد " الكسندر " فتجري احداثه خارج الولايات المتحدة، في الشرق. والآن يعرض فيلمك " كوماندانتا " في كوبا...

ـ فيلم " كوماندانتا" محبب إليّ...

*فيلم وثائقي عن فيدل كاسترو...

ـ كنت أرغب بحماس أن يعرض الفيلم في الولايات المتحدة ليشاهده الناس ولكن لم يتسن لي ذلك. أنجزت الفيلم لحساب تلفزيون ( اج. بي. او. ) إلاّ أن هؤلاء ركعوا أمام اللوبي السياسي الذي يكره كاسترو.

*وهل يعني أنك لم تكن نقدياً مع كاسترو ؟

ـ لم يكن هدفي محاكمة كاسترو، أردت فقط أن أحاوره.

* أي شيء كنت تريد الحصول عليه ؟

ـ كنت أريد أن انتهز الفرصة واقدم لقاء وحواراً مع شخصية عالمية ذائعة الصيت طاعنة في السن. في الحقيقة أثمن فيدل كاسترو كرجل يعيش من أجل مبادئه، ومع أنه يبلغ الثامنة والسبعين تراه دوماً في المقدمة لدى كافة الأزمات، وهو على خلاف الكثير من قادة أمريكا اللاتينية الأقوياء لم يكتنز النقود لصالحه. كاسترو يفهم نفسه كخادم للثورة ويكرسها لها.

ـ*تُتهم بقسوة انك تعظم شخوصك : ياسر عرفات في فيلمك الوثائقي على سبيل المثال، والآن كاسترو ثم الكسندر.

ـ أعرف أن " نيويورك تايمس " كتبت عني بهذا الشأن تقول إنني أمسِّ الوحش. في الحقيقة لست مؤرخاً، أنا صانع أفلام يهمه الدراما، لهذا تعنيني التركيبة النفسية في شخوصي، أما المؤرخون فلا يجرؤن على ذلك لأن الأمر كما يعتقدون متناقض وغامض. أريد سرد قصص التاريخ بروحية أولئك الاغريق الكلاسيكيين الذين خلقوافي كتاباتهم الدراما في كتاباتهم.

*ما الذي برأيك يجعل من شخص ما بطلاً ؟

ـ البطل كائن يعترض ويثور على قدره ليحقق أمراً ما حتى لو انه فشل في نهاية المطاف.

*أنت تعنى بالامور الكبيرة، بالعظمة دائماً

ـ كلا. كل الذين يقومون بأعمالهم ويؤدونها بحرص شديد وينجزونها بدقة هم ابطال في نظري. يتطلب المرء، لأجل الوصول إلى تحقيق حياته يوماً بعد يوم، يتطلب منه اتخاذ موقف فلسفي بالاخص حينما يطعن في السن.

ـ هل تعتقد بوجود شخصية سياسية أمريكية تستحق أن تكون بطلاً ؟

ـ كان كندي موهوباً رائعاً ولكنه في نفس الوقت كان محملا بتركة وبأعباء ثقيلة. لقد ورث نظاماً أسوأ بكثير مما تخيله. أقتيد في بداية ولايته إلى قضية " خليج الخنازير ". في السنة الثالثة فقط من ولايته تغيّر خطابه كما تغيرت افعاله، إلاً أنه سرعان ما راح ضحية بيد اعدائه. هذه هي مأساته الشخصية.

*وهل تعتقد بأن جورج بوش سيكون بطلا من ابطال التاريخ ؟

ـ بعد فترة من الزمن يمكن التعرف على ذلك. حينما ينتصر بوش في حربه على الارهاب في الشرق الاوسط ستقترن وستسمىالولايات المتحدة الامريكية " روما الجديدة "، ومن المرجح أن يكون اسم بوش جورج الكبير. والواقع ثمة توازي مدهش بين الكسندر الكبير وأمريكا المعاصرة، ومن الغريب أن لا أحد من الصحفيين يجرى مثل هذه المقارنة. عندما كنا نصور فيلم " الكسندر" برزت احداث وأزمات في تلك المرحلة قبل 3000عام لها شبه كبير بما يجري اليوم. كان ذلك الاكتشاف بالنسبة لنا أمراً مدهشاً وغير مصدق. اليوم تقود أمريكا الحرب في نفس المنطقة كما فعل الكسندر من قبل لكي يشيد امبراطوريته ولكن الاهداف تختلف هذه المرة. مصادر النفط هي التي تعني الولايات المتحدة الامريكية. نحن نسوّق ونبضّع طاقة الكرة الارضية مما يعني تكريس الامبريالية، فيما لم يكن الكسندر الكبير امبرياليا. كان في عالمه قد حقق السلام والطمأنينة بحيث تمضي التجارة وتتحقق الرفاهية بشكل تلقائي.

ـ*هل سيستمر بوش في ولايته الثانية بنفس النهج الصارم الذي بدأه، أم من المحتمل أن يتراجع بعض الشيء. أنني أتساءل لأن بعض الرؤساء امتثلوا إلى الاعتدال في ولايتهم الثانية.

ـ حسناً، لقد أصبح نيكسون معتدلاً بعض الشيء وكذلك رونال ريغان. كان ريغان ارهابياً حتى العام 1986، أرسل وحدات إلى نيكاراغوا وسمح بقتل العوائل ولكنه بدأ يغير نهجه بعد فضيحة اوليفرـ نورث.....

ـ حينما أميط اللثام عن تزويد المخابرات الامريكية ايران بالاسلحة للحصول على مبالغ تدعم بها الثورة المضادة في نيكاراغوا....

ـ اعتقد أن بوش لا يستطيع الاستمرار في نهجه، لأن الحرب في العراق لم تظهر حتى الان آفاقا مشرقة، ولاتبشر بنهاية قريبة، لذلك أعتقد بأنه لايقوى على اشعال حرب جديدة أو معركة ثانية وثالثة، كما أظنه يتحاشى إثارة العالم الخارجي أكثر مما هو مثار. لقد عمل في الواقع بما يكفي.

*وهل تستطيع أن تقدم جورج بوش شخصية في فيلم من افلامك التاريخية ؟

ـ سيرة بوش مازالت حديثة لم تتكامل بعد. أمر واحد ينبغي وضعه في الحسبان وهو أن بوش قد تعرض إلى نقد حاد وعنيف، من أولئك الذين أعرفهم، ومني شخصياً، لكنه لم يعبأ بذلك، وأفكر لو انني تعرضت لكل هذا النقد لسقطت حتماً لقد صمد بوش. إنه تكوين قلما يشك بنفسه وبمواقفه.

*يثار عنك اهتمامك بما يسمى نظرية المؤامرة، أليس من المعقول أن تثير اهتمامك عائلة بوش. الأب كما يفترض قد اشترك مع عائلة بن لادن بصفقات تجارية، والابن "جيب " حاكم فلوريدا متهم بايصال جورج بوش إلى الرئاسة من خلال فرز الاصوات في ولايته...

ـ هل رأيت فيلم " ماشوري كانديدات " ؟ مرشح منشوريا. في الفيلم تحاول أم ايصال ابنها الى سدة الرئاسة بكل الوسائل المتاحة أمامها. هذه الأم ذئبٌ حقيقي. وحسب ما أرى انها برباره بوش : زوجها بوش الأب الضعيف، والابن هو بوش الصغير الذي صعد إلى الرئاسة. على هذا النحو كنت سأصنع الفيلم عن العائلة. شيء جديد على الاقل، أن أجسد فيه باربره بوش كشخصية شريرة. لكن هذا لا يلائم أمريكا بالطبع.

* قلت مرة، بعد إخفاق فيلم " نيكسون " تجاريا، أنك لم تعد تحصل على تمويل أفلام تتناول تاريخ أمريكا.

ـ لا ليس الأمر كذلك. إنني أرى فقط ان امريكا أصبحت تتمركز على ذاتها وترى نفسها فقط. وكخلاصة تجري الامور دائماً وفق ما يثير اهتمامنا ويشبع رغباتنا. لذلك لم يعد الأمريكيون يفهمون أو يدركون بأننا جميعاً نعيش على كوكب واحد.