انه يكلمني. لا أعرف لماذا يكلمني؟! أعرف فقط انه يكلمني.يكلمني وحدي، و يزورني في منامي، و يتجلى لي في أحلامي.كنت في كل مرة اسأله، لماذا تكلمني؟! يبتسم، و لا يجيب على سؤالي، فقررت أن أواجه وجودي في حدود مدينتي التي بلغت فيها الثلاثين عاما، لهذا أعزف على القيثارة، و أغني للناس بالقرب من الكنيسة في الميدان الكبير.الناس يمرون بقربي دون أن يعيروا لي أي اهتمام. هذا ما يزعجني كثيرا.غيرت مكاني، و أخذت اقف بالقرب من مركز البريد، أيضا، أيضا، لم يعيروا لي أي اهتمام.رحت أعزف، و أغني هذه المرة، و أنا أسير، و أتباطأ في مشيتي تائهة في الشوارع، و الأزقة، أيضا، لم يعيروا لي أي انتباه، هذا ما يزعجني كثيرا.

عندما أغني لم يكلمني، وعندما أمشي لم يكلمني.يكلمني فقط، فقط، عندما أواجهه، و عندما أنام، كلماته تعني الكثير بالنسبة لي، تنساب من شفتيه، تأخذ طريقها إلي ببطء، تنساب مريحة في أذني، و تجرفني بعيدا، بعيدا، كلماته أصبحت مألوفة لي، و غيابها يؤلمني، و يجعلني لا أستطيع أن أحدد مكاني في هذا الكون، و لهذا ينبغي أن أعترف، أعترف بأنني لا يمكن أن أستمتع بوجودي من دونها.
_ كيف حدث ذلك؟
_ قبل شهر ذهبت إلى الكنيسة، و وقفت قبالة لوحة السيد المسيح، و رجوته أن يكلمني، فجأة، رأيته يحرك جفنيه، ثم فتح عينيه، و ذرفتا دموعا، ما لبثت أن سألته:
_ سيدي المسيح، لماذا تبكي؟
_ الناس، الناس، اذهبي و غني كي تفرحيهم بغنائك.
الآن، و أنا أتحدث معك، تلوح لي نظرته الثابتة، المقدسة، الراعية لي، و تحتها تفتقت في أعماقي أغنية الناس، لذلك أغني لأجلب البهجة إلى قلوبهم.
_ عن أي شئ يكلمك؟
_ أشياء كثيرة، كثيرة.
_ مثلا؟
_ لا، لا لأريد أن أكشف السر.
_ هل تحبين صوته؟
_ جدا
_ لماذا؟
_ لا أدري، ها، انه صوت السيد المسيح، كيف لا أحبه؟!
_ هل حدثت أحدا بما حدث لك؟
_ أجل.
_ من؟
_ أصدقائي.
_ ماذا قالوا؟
_ أنت مجنونة.
آواه، أيها الطبيب، أنا لست مجنون، غير أن أصدقائي لا يصدقون ما جرا لي، و أنت أيها الطبيب:
_ هل تصدقني؟
_ بالطبع.
_ ماذا يجب أن أفعل؟
_ أن تأخذي هذه الحبوب، تتناوليها كل يوم ثلاث مرات.
_ إذن أنا مجنونة.