على طريقة تيار الوعي أكتب تجريب لعشرين دقيقة فقط:

طبعا في هذا اليوم، في هذا العام، أي بعد ان مضى اربعون عاما، بل أكثر. والأربعون عاما التي مضت كانت تجريبا واختبارا. أي أنها غير محسوبة في العد. لم يمض زمن إذن، ولا يوم واحد. أقف أمام مرآة أرى ظلي الذي سأمسكه من عنقه وأمشي معه تجريب لمدة أربعين عاما أخرى. هذه التجارب جعلت رأسي لا يقنع بعامل الزمان وعامل المرور. فأضعه- رأسي- على الوسادة على مهل عند الليل، وأخلفه وحيدا أعزل، يبقى يتساءل عن سبب فقده لجسدي الذي – الجسد سيسير من دونه في المدينة. المدينة هي مسرح- هنا القاهرة أو أنها صوت العرب فأقف عند رصيف له زاوية أنتظر صوتها يأتيني عبر المحمول سأسألها عن وقت أغنية لأم كلثوم – كل رأس شهر- سهرة الخميس- ضباط مصر يحضرون في صف عسكري طويل ويدخلون واحدا وراء الآخر. كي يسمعوا أمل حياتي. محمد عبد الوهاب يقف على خشبة المسرح يبتسم لبليغ حمدي شوف يا اخي واسمع دي الأغنية العجيبة اللي حتوحد قلب الأمة المصرية. أم كلثوم تمزق منديل يدها وبليغ يرفع يده بتعب من الوحدة ويجيبه: سيبنا يا اخي من الكلام ده اللي بيوجع الراس. لا تلفظ مصر الجيم العربية. بل بيوكع الراس. هناك لحن مصري مدقوق في جرن الكبة على دقة واحدة فترفع نجوى فؤاد...ليست نجوى بل هي فتاة فريد الأطرش لبساط ريح واحد وهو بساط بغدادي يرفع ثيابه ويتعرى ويطير فوق مآذن البلاد. لقد جاءكم فريد من عندنا رحل منا ومن جبلنا الذي غناه وديع الصافي ياجبلنا وفيروز وجبران هناك جبل عربي يريد أن يقع فأسنديه قليلا بالشعر العربي، قولي قصائدك عبر المحمول كي أسمعها تخرج مثل رصاصات بندقية اتوماتيكية لا يحلم بحملها حتى رامبو نفسه في فيلم الدم الأول؟ عوليس اليوم الضائع، فيلم Bloom-لا مكان له. بالفعل فيريد أن يضيعنا معه. لن يحدث هذا ذلك لأن الشعر والرصاصات المصوتة من المنبر... تقف أم كلثوم اليوم على المسرح وخلفها الفرقة الماسية وعبد الحليم حافظ أي دمعة حزن ومعه نزار قباني عاصفة في فنجان الحب الشرقي نحن لا نفهمه. كل فتاة مباحة في الخيال العربي. وكل شاعرة مباحة. فتعالي كي يعانقك الناس ويطبع بوسة عربية فيها رائحة فلافل وحمص. على خدك. أدعو الله يا ربي تجي بفمك. أو بعينك. طبع القبلة العربية إن كانت للمحبوب هذه أم كلثوم لا يريد أن يكشف موسيقارها وشاعرها بحبهما لها كأن لا أنثى في كل مصر سواك يام كلثوم وكأن الأمر صرح من خيال! أين من عيني حبيب وأنا أستند في زاويتي كي أسمع الموسيقى مع صوتك عبر الهاتف المحمول. مصر مرة أخرى وكوني أم الدنيا. ليسمع حسني وجمال. هو حب- اعشق اسم حب مريض- انكليزي- رحل كي يعشق القاهرة الفاطمية. لم يعشقها بل فك حروفها الهيروغليفية كي يكشف لنا الجيل اللاحق مدى عظمة آمون.
فصرنا نصلي لبمبة كشر: توشوشني موسيقاها وأغانيها. أما البنت المشاغبة التي طبعت قبلة سريعة في عيون صاحبها فلقد ضبت كتبها في الساعة وركضت ترقص بجديلة ومنديل هوى الى المدرسة- لماذا مصر وحدها؟ لقد وقع البساط هناك خربا وتعبا من رحلة عمره. فحملوه الى المسجد مدة شرقية فيها سحر وغواية للإيمان المطلق ان الحاجة تبرر الوسيلة فالله أكبر. هو شعر. كي يكون الأزهر نفسه شعرا وحانة. متى يا ربي نصلي من أجلك ومن أجل العتبة المكسورة التي دقها الشيخ الأكبر بقدمه. الشيخ ذو اللحية البيضاء، سيدي الخضر عليه السلام: يا حبيبي هذا الكلام محرم في زمانك هذا في مكانك المصري هذا فأرحل قبل ان تنزل قنابلهم على مدينتك. قنبلة وراء الأخرى. كنا في زماننا الديري- زمان الدير والحسكة- نسميها دانات. تنزل الدانات. دانة وراء الأخرى على رأسي فتفصله عن جسدي فأضعه بترتيب على الوسادة وأخرج في رحلة ليلية نحو مصر بجسد من دون رأس... نحو الموسيقى، بجسد... قلب لا عقل فيه، لقد أخذه الزمان. فمن يقف في شارع محمد علي يسمع صوتك ويصل إليه عبر المحمول سيطير مسافات ... سيطير إليك... يطير من دون عقل.