سكرتُ من فرحِ العبورِ، من إندلاعِ الشموعِ، تعبرين ليلي نديةً كأنّكِ منبعثة من نسائمِ البحرِ، كأنّكِ رذاذاتُ ثلجٍ معبّقة برحيقِ الدفءِ، كأنّكِ حلمُ الزمنِ الآتي! منذهلٌ أنا من كيفية اقتحامكِ حرّاسَ الطرق؟ عبورٌ في غاية الإشتعال، عبوركِ أثلجَ بيادر الحنين وأيقظَ في نفسي حالةَ عشقٍ متعانقة مع ضياءِ نجمة الصباح، تسطع أمامي الآن تلكَ الليالي القمراء التي ظلّت وفيّةً تحتَ ظلالِ الذاكرة، كم تواصلتُ مع تلألؤات النجوم وكم غازلتُ نجمة الصباح، وكم تخيّلتُ تلال العشق تعانق لياليّ القمراء والنجوم ترنو بإستحياء إلينا! تعيديني إلى ليالٍ من أبهجِ ليالي العمر، أنعشتِ روحي وأنتِ ترسمين لي بوّابات العبور، تداعبين وميض روحي ثم تشعلين شمعة اللقاء، لقاء القلب مع بهجة الخلاص، خلاصنا من ضجر الحياة، من ضجر الغربة، من تفاقمات قحط هذا الزمنِ، زمنٌ تفاقم فيه كل أنواعِ القحطِ، قحطُ العشق، قحطُ المحبّة، قحطٌ ولا في زمنِ القحطِ، مع أنَّنا نعبر تخوم الرفاهية في دنيا الغرب أو الشرق، في أية دنيا من الدنياتِ، تتراءى أمامي رفاهيّة هذا الزمان غارقة أحياناً كثيرة في (الضحالة)، ضحالةُ التفكير، ضحالة التواصل بين بني البشر، ضحالة موشور العمر، خفتت الألوان المخضّبة بالخصوبة، ماتت قيمٌ كانت محور القيم ولم يعُدْ في جبهة الشفق زهوراً تبلسم خيوطَ الشفق.
فجأةً تعبرين موجة صخبي، تخلخلين نظرتي في أسباب ضجر العصر، كيف نَمَتْ كل هذه المساحات الحميمة بين تجاعيدِ الشوق، بين خمائل الحنان، بين وهادِ الروح وهفهفات ظلالِ القلبِ؟ أنتِ صديقة من لونِ الندى وبهجة المروجِ، تفرشين طراوة الروح فوق تواشيح الحلمِ، تغفين بين مزامير روحي فأرى وأنا في أعماق الحلم بخور المحبّة تسمو فوق جموحِ البدنِ، فأشهق شهقة الإرتقاء نحو زرقة السماء، نحو خيوط الغسقِ، نحو بيادرِ الطفولة، نحو كل معالمِ الصفاء، أحبكِ يا رعشة الخلاص، أحبُّكِ أكثر من الحبّ، أكثر من دقّات الروح، أحبُّكِ بطريقةٍ لا أفهمها ولا أريد أن أفهمها لأنها أعمق من كلِّ المفاهيمِ، بطريقةٍ أرغب فقط أن أعيشها، أن أخبئها بين أوجاعي لعلّ روحكِ المتشظّية من أوجاعِ هذا الزمان تداعب بعنفوانٍ أوجاعها أوجاعي لأنّ أوجاعي لا يمكن أن يهشّمها فرحاً عادياً، تحتاجُ أوجاعاً غارقة في شهقةِ الانكسارِ، غارقة في لظى الاشتعال، إشتعال الحنين وشوق القلب إلى صفاء الروح ورحاب غاباتِ الحلم، أنتِ حلمي المنبعث من لجينِ البحرِ فتعالي يا موجة عشقي وهدهديني قبل أن تتصحّر الروح من لظى الإنتظار!
تتغلغل أوجاعكِ بين شواطئ أوجاعي فتنهض طفولتي، ذاكرتي الطافحة بالإنكساراتِ، تنهضُ شامخة ترحّب ببيارق الأوجاع، تحضنين مفاصل غربتي فتبدِّدين شطراً طيّباً من ضجرِ الإنتظار، تتلألأ في قلبي خصوبات العشق فتنساب روحي فوق وميض عينيكِ، أخفِّف من خشونةِ الأوجاعِ بلمسة حنانٍ على نداواتِ التلال، أطير فرحاً مثل فراشة، تلالُكِ يا أميرة الليل تلالٌ من نكهة النارنج، من لون العناق، من وهجِ الشمس، تلالكِ أبهى من نداوةِ المروجِ، من شلالاتِ الحنين .. أتساءلُ بإندهاشٍ: كيف تتحمّل غلاصم الروح كلّ هذه المنغّصاتِ العالقة بين جبهةِ الروح؟ منذ أن عبرتِ خميلة غربتي وتهتِ بينَ تعاريجِ الحلم وحلمي مفروش على قبَّة الروح. أنتِ روحي المنبعثة من شهقة الروحِ! آهٍ يا صديقتي ، لو راودكَ يوماً من هو صبري؟ لا تجيبي عن السؤال، وانسي كلّ قصصي وأشعاري ولا تصدِّقي ما قرأتينه في جموحات عشقي المعبّقة بالإنتعاش، فالجموحات التي خبأتها بين جوانحي أعمق من اهتياجاتِ البحر، ما قرأتينه يا صديقتي ما هو إلا رذاذات شوقٍ متطايرة من وجنةِ البدرِ متوجّهة نحو ليالي الدفءِ ..
أنهضُ من حلمي، أراكِ تحلّقينَ فوقَ بخورِ الإشتعالِ، أعانقكِ، نحلّقُ فوقَ سديمِ الليلِ، تحوم فراشتان حول رحابِ العشق، إشتعالٌ يضاهي نكهة المساء الحميم، شوقٌ عميق إلى وميضِ عينيكِ، إلى خصوبةِ اللونِ المبرعم في خدّيكِ، لونكِ يا صديقتي من لونِ الحصاد، من لونِ براءة الليل، أحبُّكِ بطريقةٍ تسمو فوق إغفاءات النجومِ، أحبُّكِ حباً عذباً، أرتعشُ فرحاً لأنني أحبُّكِ بطريقةٍ تبهرني، هل تعلمي يا صديقتي عندما قرأتُ لكِ نصوصي التي لم أدخلتها في متون النصِّ كنتُ أطيرُ من شدّةِ الإشتعال، إشتعال بهاء الروح من وهجِ الفرحِ، اعذريني يا صديقتي لو خنتنكِ باقتناص أبهى ما جاء في الحلم، حلمُ الادهاشِ والاندهاشِ، حلمُ الحرفِ وهو يندلقُ فوقَ لجلجاتِ رعشةِ الروحِ، هل شعرتِ يوماً أنَّ روحكِ تتماوج مع قوس وقزح أو تتوه صوب القمر أم أنّكِ كنتِ غائصة في إنقشاعِ تواشيحِ الألم، ألم الغربة، غربة الروح يا حديقتي أعمق الغرباتِ، حزنُكِ، همُّكِ يا أميرتي هو الذي ولّد في قلبي حبّي، أحبّكِ يا أجمل حزنٍ صادفته في معمعانات غربتي، أحبُّكِ رغم أنفِ البحار، رغم أوجاعي المتهاطلة فوق سفوح الروح، أحبُّكِ رغم تلاطمات النسيم المعانق بحيرات ستوكهولم..

هل تعلمي يا بهائي، البارحة فجأةً زارني عاشق وعاشقة من لونِ عذوبةِ البحرِ؟ تمعَّنت في زرقةِ الحضورِ، اقتربتُ من بهاءِ الروعةِ، سديمٌ معطرٌ بتداعياتِ الحلم، سربلا أحلام يقظتي فتهتُ استجمع حنيني المتدفِّق منذ أن كنت طفلاً أتوه بين حقولِ القمحِ، أركض خلف الفراشات وأمسكَُ الجراد الأخضر، وفرس الأمير! آهٍ يا صديقتي الأميرة لو تعلمي كم أشتاق إلى شيخوخةِ والدي، رحل والدي تاركاً خلفه شيخوخة تعانق شواطئ الروح ـ روحي، هل تشيخ الروح أم تبقى ساطعةً فوق جبهة العمر؟ طفولة تراكم فوق طراوتها وخزات الشوكِ، مع هذا إنعتقت من الترّهات والأشواك العالقة بين أجنحة العمر، طفولة إستمدّت نقاوتها من سهولِ القمحِ، من اخضرارِ السنابل، من عبقِ المروج.

تعالي يا صديقتي أفرشكِ زهرةً فوق أبهى المروجِ، أريد أن أقتلع الشوكَ المتناثر فوقَ وجنتيكِ، تعالي أزرعكِ برعماً نديّاً فوقَ شهقةِ القلبِ، أنتِ يا شوقي الدافئ نسمةُ حبٍّ منعشة بين تماوجاتِ العناقِ، هل تعلمي يا أميرة البساتينِ أنَّ شوقي المشتعل إليكِ يستطيع أن ينتشلَ كلَّ الأشواك النابتة على مساحاتِ البكاءِ، لا أجيدُ النوم هذه الأيّامِ ولا أريدُ النوم طالما أرى شوكاً يحبو فوق خدّيكِ، شوقي يتماهى مع لغة الإبتهال المترجرجة مع بخورِ الإشتعال، إشتعال شموع المحبّة، شوقي شوقٌ حارق أكثر اشتعالاً من لهيبِ الجمر، شوقي بهجةُ عشقٍ، يندلقُ مثل شلالٍ من خاصرةِ القمرِ. عفواً صديقتي، لا تقلقي من جموحي فأنا ابن المسافات، وأحزان الدنيا تراكمت فوق خدّي. أحبُّكِ بطريقة تستنهض عظام ديناصورات الكون، تعالي فقد حان الأوان أن أقبِّل وجنة الروح، أين تقع وجنة الروح من ينابيعِ الاشتعال وكيف سنعانق لجين البهاء؟!
أحبُّكِ أكثر من عصافير حلمي، أكثر من وردة العشق، أكثر من شعري، أنتِ أجمل من شعري لأنَّكِ أبهى من خمائل عمري، تاهت ذاكرتي خلف أوجاع هذا الزمان فصادفتُ صديقة متطايرة من خيوطِ الشفق فتصالبت شهقتها مع إيقاعِ دقّات الحياة، تهرب الذاكرة ذاكرتي مختبئة بين تنانير أمّي فتنهض أمّي بكلِّ حنانها تعانق بهجة البهجاتِ ثم يكبر وجه الهلال، يضحكُ نسيم الصباح فاتحاً صدره لبسمة البدر وغيوم العمر، تعالي يا صديقتي نرتّق اندلاقات جموح الشوق، هل ثمّة حنان في الدنيا ممكن أن يخفِّف من جمرة الشوق، شوقي أعمق من شهقةِ العشق، أعمق من لظى العناق، أبهى من نقاوة الماء الزلال، شوقي يحمل بين خمائله عصافير الجنّةِ يا جنّة الجنّاتِ! تعالي نحرق أوجاعنا خلسةً ونرميها بعيداً عن هلالات الغمام، هل أنا أنا فعلاً يا صديقتي أم أنّني أنّات تعلوها أنّاتي؟
أحبُّكِ رغم أنف غيرة القمر، رغم امتعاض الجمر، رغم اكفهرار الليل، رغم الدساتير المبرقعة في وهاد الكون. تعالي يا صديقتي نحلّق فوق بهاءِ اللون، يا برعماً خصباً أعبق من نكهة البيلسان! أحبُّكِ رغم دكنة الليل ورغم هجرة الطيور إلى أقصى بقاع الكون، تعالي يا أنشودتي الأزلية أرسمكِ حرفاُ من بتلّاتِ الزهورِ، تعالي أفترشكِ فوق وجنة الحلم فأنا يا روحي المندلقة من خاصرتي منذ الأزل، أنا حفيد كلكامش، ابن اللون، أحمل بين أجنحتي عشبةَ الخلاصِ، خلاصك من جلاوزة العصرِ، جلاوزة هذا الزمان داست في جوفِ الحيتانِ، تعالي يا صديقة حرفي كي أرسمكِ وردةً فوق أرخبيلِ اللونِ كي أخلّدكِ بين أسطورة الأساطير.
تعالي نصنع عشقاً من نكهةِ الخلودِ، نتوه عالياً كي نلامس وجنة الشمس، يا إلهي، كم أريد أن أزلزلَ تكلّسات وحشيّةِ الكونِ كي أزرعَ بسمةً من لونِ الزهورِ على شفاهِ الطفولةِ، على وجنةِ الصباحِ، كي أرسمَ وشماً نديّاً فوقَ جبينِ غزالةِ الحلمِ! ..

كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]