حسام عبد القادر من الإسكندرية: نظم مركز الفنون بمكتبة الإسكندرية للسنة الثانية على التوالي الملتقى الإبداعي الثاني للفرق المسرحية المستقلة (أوروبا- البحر المتوسط) والذي شارك فيه هذا العام 14 دولة أوروبية وبحر متوسطية وعربية وهي مصر- انجلترا- فرنسا- ايطاليا- قبرص- التشيك- السويد- النمسا- تونس- المغرب- سلوفينيا- رومانيا- فلسطين- إسبانيا، وتضمن الملتقى 12عرضا مسرحيا، و7 ورش تدريبية في مجالات مختلفة من فنون الأداء للممثل المحترف، بالإضافة إلى حلقات نقاشية، وموائد حوار مستديرة حول المسرح والديمقراطية بين جماعات الفرق المستقلة في مصر وأوروبا والبحر المتوسط. وقد هدف الملتقى إلى تنمية القدرات والمهارات وتبادل الخبرات بين الفرق المسرحية المستقلة للدول الأوروبية والبحر متوسطية.
وكان من أبرز هذه العروض، عرض "أمي.. أريد أن أصبح مليونيراً"، الذي قدمته فرقة المعبد المسرحية المستقلة من مصر، وهو نظرة قوية إلى العالم الذي نعيش فيه. يدور العرض حول حسن الشاب الذي يحلم بالثروة والشهرة من خلال الفوز في مسابقة تلفزيونية للغناء، ويأخذ هذا العرض المشاهد في رحلة خلال الأحلام التي يعيشها حسن في مقابل الواقع الذي يعيش فيه، ويقدم العرض البيئة التي تستمر في تشكيله وكاشفاً للضيق الذي يغمر المجتمع اليوم. ففي هذا العرض يختفي الخط العريض الذي يفصل الحقيقة عن الحلم مانعاً أية رؤية لمستقبل قابل للتطبيق ويتوصل المشاهد من خلال العرض إلى أننا مجبرون على الرؤية ومطالبون بالاختيار. وتتكون الموضوعات الرئيسية للعمل من مشاهد قصيرة بهدف خلق بنية غير تخطيطية تعمل على مستويات مختلفة من المفاهيم وذلك حتى يكون العمل في النهاية أكبر كثيراً من مجرد مجموع أجزائه.
اشتمل الملتقى أيضا على عدد كبير ومتنوع من الندوات المتعلقة بفنون المسرح والتي كان من بينها محاضرة لماريكا هيديمر من السويد حول "تحليل العرض الراقص من وجهة نظر الكوريوجراف"، حيث قدمت نموذجاً مفيداً عن كيفية تطوير رؤيتنا وكسب فهم أعمق للعرض الراقص بالإضافة إلى كيفية الحديث عن الرقص
كما أهتم القائمون على الملتقى بإصدار كتاب يعرف به ويقدم تعريف بسيط عن الفرق المسرحية المستقلة الحالية وتاريخ نشأتها، ويذكر الدكتور محمود أبو دومة مدير برامج المسرح بمركز الفنون بالمكتبة في أول الكتاب أن هناك ثلاث ركائز أساسية قام عليها الملتقى الإبداعي؛ أولاً العروض المسرحية بما تطرحه من آليات لقاء حر ومباشر بين النموذج الإبداعي والمشاهد في إطار منح الفرصة للفرق المشاركة في عرض إبداعاتهم في وسط مختلف بالإضافة إلى تنشيط المتفرج واجتذابه إلى المسرح مرة أخرى، ثانياً التدريب وتبادل الخبرات بين الفرق المستقلة المختلفة وعرض كل فرقة لنموذجها التدريبي وبالتالي طرح فكرة تطور العمل المسرحي وكيفية خروجه من مرحلة السكون إلى حالة من الحياة والحركة، ثالثاً المناقشات والندوات وما تطرحه من تبادل خبرات ثقافية والإيمان بالحوار كبديل للصوت المنفرد الذي صار سمة أساسية داخل المؤسسات المختلفة فضلاً عن طرح مشكلات الفرق الحرة مثل التمويل والاعتراف بها ضمن منظومة مؤسسات المجتمع المدني.
ويشير الدكتور أبو دومة أن هذه الركائز تبلورت من خلال عروض الملتقى الأول التي حظيت بإقبال جماهيري ملحوظ وكانت لها سمات أساسية مشتركة مثل الاهتمام بتقديم مسرح غير ملتزم بالنمط المتوارث للصياغة المسرحية. ويؤكد الكتاب على أن الملتقى استطاع أن يحقق مجموعة من الأهداف منها ضمان التوصيل الجيد للعروض المسرحية من خلال اجتذاب مكتبة الإسكندرية لنوعية الجمهور المهتم بالثقافة والمتذوق للفنون ومن بينها فن المسرح وتحقق هذا الاهتمام من خلال إقباله على متابعة تلك العروض التي ربما افتقدت كثافة الحضور ونوعية الجمهور ولو قدمت في أماكن أخرى ليست لها نفس مصداقية مكتبة الإسكندرية، بالإضافة إلى الاستفادة من وجهات نظر النقاد المحترفين. ومن العوامل المعاونة في بلورة الأثر الايجابي لتلك اللقاءات بين الممثلين والمخرجين والنقاد أنها خلت تماماً من هواة ومحترفي الظهور بشكل استعراضي في أغلب الندوات المسرحية المفتوحة، كما استفاد أعضاء الفراق المشاركة من الورش التي هدفت إلى تمكينهم من القدرة على تطويع التعبير الحركي خاصة في العروض غير المعتمدة على الكلمة المنطوقة.
ويستعرض الكتاب مجموعة من الفرق المصرية المستقلة المنشأة حديثاً مثل، فرقة الورشة التي بدأت مع بداية سبتمبر 1987التي استحقت إعجاب الجماهير مع عرضها لمسرحية (داير داير ) والني تعد محاولة موفقة لتمصير مسرحيات اوبو لألفريد جاري ثم قدمت الفرقة أعمال أخرى مثل غزير الليل، وليلي الورشة، وغزل الأعمار ، ورصاصة في القلب، ولم يعد مستغرباً تقديمها لعروضها في مهرجانات وعواصم عالمية وعربية مؤكدة أن ما يربط أعضاءها (متعة البحث وراء الأفق عن مساحة الدهشة والتوصل لسياق مسرحي يحتضن إيقاع المشاعر والى مراجعة العلاقة المكانية بين العرض والجمهور).
وفي تسعينات القرن العشرين يشير الكتاب إلى توالي ظهور فرق حرة مستقلة أخرى من أبرزها فرقة (الحركة)، التي أسسها المؤلف المخرج الممثل خالد الصاوي عام 1989، وجذبت اهتمام الجمهور والنقاد بعروضها (المزاد)، و(اللعب في الدماغ)، ولم تتوقف أحلام وطموحات فرقة الحركة عند حدود تقديم عروض مسرحية غير مألوفة بل سعت أيضاً لإنتاج أفلام سينمائية وتلفزيونية مثل (وادي الملح)، و(الحب مسرحية من ثلاث فصول) مخالفة بل ومتمردة على السينما التي تستخف بعقول الناس وتتاجر بهمومهم وبأحلامهم.
وبعد عرض لعدد كبير من الفرق المسرحية المستقلة في مصر، أتى الكتاب على ذكر الإدارة العامة للجمعيات الثقافية التي ترعى فرق الهواة سنوياً، وتقيم للفرق مهرجاناً سنوياً، وتضمن لهم أماكن متغيرة لعروض هذه الفرق في كل عام بمحافظة وعادة ما تتكفل المحافظات بنفقات الاستضافة التي تتنوع مستوياتها حسب حماسة كل محافظة ومدى اقتناعه بجدوى الفن المسرحي. ويختتم الكتاب متمنياً أن يصبح توجه مكتبة الإسكندرية لاحتضان هذا الملتقى، نافذة مفتوحة يطل منها الجمهور على احدث إبداعات الفرق المستقلة في منطقة البحر المتوسط، ويتابع من خلالها الفرق الوافدة، وأحدث إبداعات الفرق المستقلة التي صار لها في الإسكندرية مهرجان دولي سنوي.