الدار البيضاء: مقصورة شاحنة من النوع الكبير، كراسي خشبية طويلة، جمهور قليل العدد لا يتعدى 14 فردا، وظلام دامس. هذا فضاء المسرحية الإسبانية "أبواب السماء" للمخرج الكاتالاني جوزيبي ريبيرو وإنتاج إيفينسيو من مسرح برشلونة. هجرة سرية افتراضية ركبها برلمانيون ونقابيون وصحافيون "كان هدفي من خلال اختيار هذا الفضاء، هو إشراك فاعلين في السياسة والإعلام في هذه الظاهرة التي تودي بحياة الملايين" يقول مخرج المسرحية.
تدوم الرحلة 30 دقيقة يركبها قرابة 14 شخصا، وتقدم المسرحية ثلاثة عروض في اليوم. تبدأ بإركاب المشاهدين المجسدين لدور "الحراكة"، هذه اللحظة البدئية للمسرحية مؤشر على بداية رحلة يمتزج فيها الواقعي بالتخييلي، إذ يختار المخرج ومساعده كل فرد على انفراد يقوده إلى مقصورة الشاحنة، بعنف، ثم يرميه في ظلام المقصورة. يجلس المشاهد على كرسي خشبي كبير بالقرب من زملائه الممثلين المشاهدين. المخرج في العمل المسرحي ممثل هو الآخر، إذ يقتحم ظلام المقصورة بنور مصباحه الخافت، ليبدأ في حوار يعتمد الارتجال، و"لذة النص"، عن الرغبة في الهجرة راسما صورة وردية عن أوربا وعن المستقبل، صورة شبيهة بما يرسمه تجار الهجرة. طريقته مستفزة في الحديث، يستمر في التنقل بين مشاهدين تحولوا رغما عنهم إلى ممثلين يقول المخرج ريبيرو "تعتمد المسرحية كثيرا على الارتجال، ارتجال بعض المشاهد. كما أنني اشتغلت على تصورها العام على مستوى الإخراج طيلة سنتين لنقل معاناة "الحراكة" في مقصورات الشاحنة".
دقائق المسرحية الثلاثين تطول، من خلال إقحام المخرج للمتفرج في هذا الجحيم. في ركن المقصورة حوض زجاجي وجثة شاب تحملها المياه بملابسه، إنه ضحية جديدة وشاهدة على تلك الجرائم. يخرج المخرج، الممثل من المقصورة ويحكم إغلاقها تاركا الفضاء لنصوص درويش وسعدي اليوسف باللغتين العربية والإسبانية، ممثلان يقرآن النصوص محدقين في الجثة. يعم صمت ثم يبدأ السلاسل في الاصطدام بالمقصورة محدثة أصوات قوية ومخيفة في الآن معا. يتحول المشاهد المتلقي إلى ممثل فيحاول دون جدوى أن يهرب الرعب الذي تحدثه تلك الأصوات.
نجحت المسرحية يقالبها فني الذي يعتمد التفاعلية، في إقحام المتلقي في هذه العوالم في "لا أدري إذا كان هذا النوع من المسرح قادرا على تغيير شيء ما من الواقع المأساوي للهجرة السرية، لكنني لمست تجاوب الحاضرين في مدينتي خريبكة والدار البيضاء" يقول مخرج المسرحية. أما رئيس جمعية أصدقاء ضحايا الهجرة السرية في مدينة خريبكة فشدد على الطابع التحسيسي للحملة "طريقتنا غير مسبوقة، فلأول مرة تلجأ إلى هذه الطريقة". وهذا ما يفسر تركيز الجمعية على جمهور نوعي "استدعينا حملة رسائل في المجتمع من صحافيين وسياسيين ونقابيين، وأعتقد أن مسرحة "الحريك" ستعطي ثمارها". لم يكن الجمهور ليجني ثمار هذا الإبداع المسرحي لولا التمويل الخارجي، ف" 80 في المائة من إنتاج المسرحية من أوربا"، أما الدعم المغربي فاقتصر على الكونفدرالية الديموقراطية للشغل.
انتهت الرحلة الافتراضية بمقطع لأغنية معبرة لمجموعة لمشاهب أداها مغربي بحزن، وهي "هذيك رسامي رسامي خالية آليام".

وانتقلت الفرقة بقصورتها وأحلامها إلى بوركوس الإسبانية لتقديم مشاهد أخرى عن جحيم الهجرة في مقصورة الشاحنات، كي تكتمل العملية التحسيسية حسب المخرج والمنظمين.

Click Here To Hear The Midi